أحداث درعا تطيح برئيسة تحرير صحيفة «تشرين» ابنة المدينة التي أغضبت أهلها

الإعلام الرسمي أبدى ليونة في تغطية الأحداث قبل «جمعة الصمود».. وإقالة مسالمة مؤشر إلى الاتجاه نحو التصلب

TT

بررت سميرة المسالمة رئيسة تحرير صحيفة «تشرين» الرسمية السورية، قرار وزارة الإعلام بإعفائها من منصبها، بأنه جاء على خلفية حديثها يوم الجمعة لقناة «الجزيرة» الفضائية، وأكدت مسالمة في تصريح لموقع «سيريا نيوز» الإخباري، صدور قرار أمس يقضي بإنهاء تكليفها كرئيسة تحرير لصحيفة «تشرين» الرسمية.

وقالت مسالمة: «إن القرار تم تنفيذه مباشرة حيث جمعت جميع أغراضي وأخليت المكتب». وأضافت أن القرار جاء على خلفية تصريحاتها يوم الجمعة الماضي على قناة «الجزيرة» الفضائية حول أحداث درعا، وقالت: «مهما كان المكان الذي سأكون فيه سأبقى أعمل بما ينسجم مع مسيرة الإصلاح وتوجهات الرئيس بشار الأسد»، مشيرة إلى أنه «حتى لو كنت في منزلي، فأنا سأربي أولادي على حب الوطن وحب الرئيس الأسد».

ومسالمة هي من محافظة درعا، وقد تعرضت خلال الأيام التي شهدت أحداثا دامية في درعا إلى انتقادات عنيفة من قبل أهالي المنطقة لمواقفها المتبنية موقف النظام من الأحداث. ووصلت الانتقادات إلى حد الدعوة إلى تجريدها من الانتماء إلى عائلة المسالمة الدرعاوية. كما تصدرت «قائمة العار السوري» للذين يقفون ضد الاحتجاجات.

وحتى إنه خلال مداخلتها يوم الجمعة على قناة «بي بي سي» عربي، رد عليها شاهد عيان من درعا، اسمه محمد مسالمة، قال إنه ابن عمها، وإنه يعرفها وتعرفه، وأكد بناء على ذلك «أنها كاذبة في ما تقوله عن الأحداث في درعا». وبعدها ظهرت مسالمة على قناة «الجزيرة» وكانت منفعلة والدمع باد في عينيها، وقالت «إن هناك خرقا للتعليمات المتعلقة بعدم إطلاق النار، ويجب محاسبة الذين يقومون بإطلاق النار حتى لو كانوا من الأمن وتبيان الأسباب التي دفعتهم إلى مخالفة التعليمات القاضية بعدم إطلاق النار». وأشارت إلى وجود «طرف ثالث يقوم بهذه الأعمال وأنه يجب على قوات الأمن أن تقدمه للمحاسبة». وقالت: «هذه أرواح شعبنا ولا يمكن التسامح فيها». ونوهت إلى أن «المسلحين لا يبسطون سيطرتهم على درعا، بل يستغلون بعض الأماكن لإثارة الفتنة، فأهل درعا لن يطلقوا النار على أنفسهم وأعتقد أن الأمن لن يفعل ذلك». وحملت «قوات الأمن المسؤولية لأن عليهم أن يلقوا القبض على العصابات إذا كانت موجودة وتقديمها للمحاسبة».

وحول وجود أسلحة في المنطقة، قالت المسالمة في حديثها مع «الجزيرة»، إن «معظم المنازل في سورية تحوي أسلحة مرخصة وغير مرخصة، وليس من الصعب خاصة في منطقة حدودية مثل درعا أن يكون هناك أسلحة، كما أنه من المعروف أن العديد من المنازل في درعا تحتفظ بالأسلحة للدفاع عن نفسها في بعض الحالات الفردية التي تتعرض لها».

ولفتت المسالمة إلى أنها «اتصلت بأحد المسؤولين في التلفزيون السوري للتأكد من المشاهد التي عرضها عن مسلحين يختبئون خلف الأشجار ويطلقون النار»، وقالت إن المصدر أكد هذه «المشاهد مشيرا إلى أن الكاميرا مثبتة منذ فترة وتم التقاط الصور بالصدفة، كما أن تحريك الكاميرا أمر مستحيل بسبب محاصرة فريق عمل التلفزيون في مكانه». وأضافت المسالمة أن «ما يحدث أمر خطير ولا يمكن تركه لتعدد الروايات، ولا بد لقوات الأمن من تقديم رواية متكاملة ومقنعة عما يجري وتفسير كيفية دخول المسلحين إلى المنطقة، وما الذي يقف وراء تعاملهم مع الأحداث بهذه الطريقة».

وكانت مسالمة التي تعد أول سيدة تتسلم رئاسة تحرير صحيفة حكومية في سورية، قد تسلمت عملها في بداية عام 2009. وقد تعرضت لمعارك عنيفة خلال عملها على خلفية اتهامها بعدم أهليتها لتسلم هذا الموقع لارتباطها بعلاقات عمل مع نافذين في الحكومة السابقة ورجال الأعمال.. نشأت خلال إدارتها تحرير جريدة «الاقتصادية»، وخبرتها في عالم الإعلان والإعلام التجاري، بمعنى البزنس وليس الإعلام الوطني. وتتهم المسالمة بأنها حولت جريدة «تشرين» خلال فترة تولي المسالمة رئاسة تحريرها، من جريدة تراقب أداء الحكومة إلى منبر لتبرير وترويج السياسات الاقتصادية التي تصب في مصلحة طبقة المتمولين والفاسدين.

وعادت مسالمة إلى ساحة الانتقادات العنيفة مع اندلاع الاحتجاجات في درعا. ومع أنها حاولت قدر الإمكان أن تظهر كصوت معتدل، فإن مساعيها لم تثمر إلا عن مزيد من الانتقاد. وحتى ما قالته للصحافة عن اتصالها مع بعض المثقفين السوريين المحسوبين على المعارضة بهدف إقامة حوار يمكنهم من خلاله التعبير عن آرائهم حول الإصلاحات السياسية والحريات العامة لكي تأخذ السلطات علما بها، لم يرق لبعض المثقفين الذين اتصلت بهم. وأصدر الكاتبان المعارضان فايز سارة ولؤي حسين اللذان ورد اسمهما ضمن الذين اتصلت بهم المسالمة بيانا أوضحا فيه «أنه لم يجر أي حوار بين الأصدقاء الذين كنا معهم - المعارضة - وبين السلطة، وأن ما حدث لم يكن أكثر من لقاء حضره أصدقاء شخصيون، وأصدقاء من أوساط السلطة ومقربون منها، طرحت فيه وجهات نظر وآراء فيما تشهده بلادنا». وأضافا أنه «كان في جملة ما جرى الحديث عنه موضوع الإصلاح في سورية والحوار الذي يمكن أن يحيط به». وأكد البيان على أن «اللقاء الذي أخذ طابعا اجتماعيا، لم يكن من الممكن فيه إقامة حوار بالمعنى الدقيق للكلمة، خاصة أننا أشخاص لا نمثل أي مرجعية تنظيمية، وعندما طرحت فكرة الحوار بمعناها اللاحق، أكدنا بالمشاركة مع أصدقائنا أن إقامة حوار يتطلب توفير بيئة سياسية وإجرائية تسبقه، وتساعد في وصوله إلى النتائج المرجوة».

وأبدى الكاتبان الأسف لـ«تسريب خبر اللقاء ليس باعتباره أمرا سريا». وقالا «لقد أعطي اللقاء بصورة خاطئة أهمية سياسية كبرى باعتباره لقاء بين ممثلين عن السلطة والمعارضة، أو بين المثقفين والسلطة، لكنه لم يكن كذلك، كان لقاء بين أشخاص رغبوا في تبادل الحديث بينهم في شؤون عامة، علهم يفتحون الباب نحو مواضيع أهم. ليس أكثر من ذلك».

يشار إلى أنه حتى يوم «جمعة الصمود»، كانت السلطات السورية تبدي قدرا من الليونة يزيد وينقص على وقع سخونة الأحداث، لجهة التواصل مع رموز المعارضة، وتخفيف نسبي للقبضة المحكمة على المراسلين، والتعتيم التام على المناطق المتوترة، بهدف احتواء الأزمة، وتوسيع دائرة ضيوف وسائل الإعلام الرسمي لتشمل رموز المعارضة. فتمت مثلا استضافة المحامي المعارض والمعتقل السابق هيثم المالح في استطلاع رأي أجرته جريدة «البعث» الناطقة بلسان حال الحزب الحاكم، حول رفع قانون الطوارئ.

وكانت المرة الأولى التي يظهر فيها معارضون على صفحات الإعلام الرسمي منذ عشر سنوات. وأيضا السماح لوسائل الإعلام الرسمية بالنزول إلى المناطق المتوترة ونقل شكاوى المواطنين تحت سقف المطالبة بالإصلاح فقط. ويوم الخميس جالت كاميرا قناة «الإخبارية» السورية في مدن ريف دمشق منها سقبا، ونقلت مطالبهم التي تركزت على ضرورة مكافحة الفساد الذي أفسد حياتهم.

كما جالت في مدينة حمص وأوردت رأي الشارع في أداء محافظ حمص إياد غزال الذي لم تكن أي وسيلة إعلام رسمية تجرؤ على انتقاده. وكانت آراء الشارع سلبية جدا. وذكرت قصص كثيرة عن استبداده وفرضه ضرائب ومخالفات لا وجود لها سوى في حمص، كأن يخالف صاحب محل ساندويتشات لأن سلة المهملات في المحل لونها أحمر. إلا أن قناة «الإخبارية» السورية التي لا تزال في مرحلة البث التجريبي، تحاول أن توسع هوامش الخبر خارج الخط الرسمي العام، وتظهر أن لديها اجتهادات تتعثر بالعقلية «الأمنية» التي تدير الإعلام في البلاد. فتخرج «الإخبارية» أحيانا وكأنها تراوح في المكان، بحسب مراقبين إعلاميين، يحسبون لها شرف المحاولة، في حين ما زال التلفزيون السوري أسير سياسته الدعائية في التعمية على ما يجري.

ولم يثبت التلفزيون الرسمي حتى الآن قدرة في التعامل مع الأزمات، لكونه طرفا في الأزمة وليس ناقلا شفافا للحدث. وبدل تفنيد الدعاية المضادة بالحقائق، تراه يورد قصصا يصعب تصديقها حتى لو كانت صادقة. كما يجند كل مؤيدي النظام من فنانين لمخاطبة الناس وإقناعهم بعدم تصديق ما يرونه في وسائل الإعلام الخارجي. ومع أن هذه المظاهر خفت قليلا، كما خفت أيضا مظاهرات التأييد السيارة التي كانت تنطلق مساء مطلقة الأبواق حتى وقت متأخر من الليل، فإنه ما زال يستعين بمحللين وأصوات مل ظهورها المشاهد السوري وحفظ خطابها عن ظهر قلب.

وإقالة رئيسة تحرير «تشرين» يوم أمس، رآها البعض دليل حسم السلطات السورية للأمر نحو اعتماد التشدد وعدم السماح لأي صوت غير المؤيد، حتى ولو كان موضوعيا، بالارتفاع ولو قليلا عبر الإعلام الرسمي، لمواجهة الإعلام الخارجي باعتباره «إعلاما مضللا وضالعا في المؤامرة».