سورية: دبابات و«شبيحة» ورصاص واحتجاجات تقلد أسلوب المعارضة الإيرانية في بانياس

الأمن ينسحب والأهالي يشكلون لجانا شعبية والتلفزيون السوري يبث مقاطع لمسلحين يطلقون النار في حمص

TT

بدت الأمور هادئة نسبيا في عموم أنحاء سورية ما عدا محافظة درعا جنوب البلاد ومدينة بانياس الساحلية التابعة لمحافظة طرطوس، حيث بدأت الأخبار تتوارد مساء السبت، عن تحرك دبابات باتجاه بانياس وهي أنباء لم تتأكد، في حين نقلت وكالة «رويترز» عن سكان في مدينة بانياس على الساحل السوري أمس أن دبابات سورية انتشرت أثناء الليل في مناطق متوترة في محاولة لمنع تفجر مزيد من الاحتجاجات، وانتشرت قوات الأمن السورية في وقت لاحق أثناء الليل بمدينة بانياس المطلة على البحر المتوسط وبها مصفاة من مصفاتي النفط اللتين تملكهما سورية.

مصادر محلية ذكرت لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف في لندن أن المعتصمين في ساحة بانياس منذ نحو أسبوعين قاموا مساء السبت بوضع حواجز لمنع دخول عناصر الأمن الذين سمعوا أنهم سيهاجمونهم فجرا لفض الاعتصام. وأكد ناشط في صفحته على «فيس بوك» أنه فجر الأحد جرى تنسيق بين الأجهزة الأمنية والشبيحة (تعني بلطجية)، وهم معروفون لأهالي بانياس بالاسم لجعل مدينة بانياس درعا ثانية، وقال الناشط إنه وبهدف «نزع الطابع السلمي عن اعتصام بانياس وكي يكون هناك مبرر للسلطة لتضرب بيد من حديد، اختفت قبل ساعات من الفجر عناصر الأمن والشرطة من المدينة، وترك (الشبيحة) ليقوموا بإطلاق النار بعد انتهاء صلاة الفجر أمام أربع مساجد في المدينة بغية تأجيج الخوف وإعطاء مسوغ قانوني لدخول الجيش والأمن»، مما أثار الذعر والهلع بين المواطنين، وقال الناشط إنه تم التعرف على «الشبيحة» بالاسم. وفي هذا الخصوص نقلت وكالة الصحافة الفرنسية (أ.ف.ب) عن شاهد عيان قوله إن «سبع سيارات تابعة لقوات الأمن وقفت أمام جامع أبو بكر الصديق في بانياس عند موعد صلاة الفجر الأحد وأطلق الموجودون فيها النار على المسجد». وأضاف أن «خمسة أشخاص أصيبوا بجروح كان أحدهم داخل المسجد وأربعة في محيطه». وتمكن مطلقو النار من الفرار بعد ذلك «إلا أننا تمكنا من الاستيلاء على سيارتين والتقاط أرقام لوحات السيارات الأخريات»، بحسب الشاهد الذي أشار إلى أن «مطلقي النار هم من (شبيحة) النظام ونحن نعرف أسماءهم». وروى الشاهد أن «الأمور بدأت عندما قام السكان بمظاهرة سلمية حيث انطلقت هتافات تنادي بسقوط النظام واتفق السكان على الصعود إلى أسطح المنازل عند العاشرة والنصف مساء (7.30 تغ) والدعوة بصوت واحد إلى إسقاط النظام»، وذلك على طريقة احتجاجات المعارضة في إيران بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة هناك. وأشار إلى أن «الاتصالات الأرضية والجوالة قطعت عند الساعة الثامنة»، ولفت إلى أن «السكان قاموا بتشكيل لجان شعبية وأقاموا حواجز لحماية أحيائهم تحسبا لأي هجوم من مؤيدي النظام». وكان مصدر حقوقي أفاد السبت أن «مظاهرة خرجت في بانياس السبت في تحد لقرار وزارة الداخلية بمنع التظاهر أطلقت خلالها هتافات تدعو إلى إسقاط النظام». وأضاف المصدر نفسه طالبا عدم الكشف عن اسمه أن «الاتصالات الهاتفية الأرضية والجوالة في المدينة قطعت، مما ينبئ باحتمال قيام الأجهزة الأمنية بالهجوم عليها». وقال إن «أهالي المدينة يناشدون الرئيس السوري بشار الأسد التدخل لمنع أي هجوم على السكان» في هذه المدينة الساحلية على البحر المتوسط. ويأتي ذلك غداة إعلان وزير الخارجية السوري وليد المعلم أثناء لقائه بسفراء الدول المعتمدين في دمشق السبت، أن الحوادث قام بها «المخربون».

واستمر إطلاق النار في بانياس نهار أمس الأحد، وقالت قناة «الإخبارية» السورية شبه الرسمية ظهر أمس إن «مجموعة مسلحة تطلق النار على الأهالي والمحال التجارية والمنشآت العامة في بانياس، والقوى الأمنية تعمل على ضبطها» في حين قالت مصادر محلية إن «أكثر من عشر سيارات تابعة للأمن تطلق الرصاص الحي على معتصمين في منطقة رأس النبع، وأصوات الرصاص تدوي في أكثر من مكان من بانياس.. وهناك بعض المصابين على الأرض» مشيرا إلى وجود اعتصامات في أكثر من مكان بالمدينة، وقالت مصادر محلية أخرى إنه تم عصر أمس إخلاء «فرع الأمن الجنائي ومخفر الشرطة ومقر النفوس والسجل المدني، والأهالي يقومون بمهمة الحفاظ على الأمن عن طريق لجان شعبية» وإن «عمليات اعتقال في شارع الكورنيش تمت من قبل الأمن مساء السبت».

وقد أفادت مصادر محلية في المدينة بوقوع 4 قتلى على الأقل وعشرات الجرحى، وأكدت أن قوات الأمن تمنع وصول الجرحى إلى مشفى الجمعية وتطلق النار عليهم، وما زال إطلاق الرصاص مستمرا في بانياس في ظل تعتيم إعلامي حتى مثول الجريدة للطبع.

وفي تطور آخر، صرح مصدر مسؤول في دمشق بأنه في نحو الساعة الرابعة بعد ظهر أمس الأحد «تعرضت وحدة من الجيش كانت تتحرك على طريق عام اللاذقية طرطوس في منطقة بانياس لكمين نصبته مجموعة مسلحة كانت تتخفى شرق الطريق بين الأشجار والأبنية، مما أدى إلى استشهاد ضابط وإصابة ضابط آخر حالته حرجة، بالإضافة إلى إصابة عدد من عناصر الوحدة».

وأضاف المصدر أن «القوات الأمنية المختصة تقوم بملاحقة عناصر المجموعة المسلحة لإلقاء القبض عليهم وتقديمهم للعدالة».

تطورات الأحداث في بانياس جاءت بعد يوم واحد من صدور بيان وزارة الداخلية الذي أعلن أن لا تهاون مع المخربين، واعتبرت صحيفة «الوطن» السورية الخاصة والمقربة من السلطة أن تاريخ سورية دخل «مرحلة لا تمت بصلة إلى الإصلاح السياسي أو الاقتصادي أو محاربة الفساد (...) دخلنا مرحلة التخريب والترهيب والقتل.. مرحلة تدمير سورية من الداخل نفسيا ومعنويا وتدمير سياستها الخارجية». وأضافت: «نحن نتعامل مع زعران بكل ما تعنيه الكلمة - زعران - يريدون إدارة شؤون سورية وفرض زعنرتهم على كل السوريين». و«زعران» تعني أيضا بلطجية، وأكدت «الوطن» أنه «حان الآن الوقت للحسم ووقف كل أنواع الترهيب وهذا ما بدأت به الدولة السورية وما يؤيده كل الشعب»، واقترحت «ضرورة تسليح كل من يحرس منشأة حكومية أو خاصة ومنح الحصانة اللازمة لتوقيف أو فتح النار على كل من يحاول تخريب هذه المنشأة». من جهتها، اعتبرت صحيفة «تشرين» أن «أمن الوطن والمواطن أولا، وبعد ذلك يمكن الحديث عن مطالبات كالتي يتبناها المتظاهرون بطرق سلمية وليس بالرصاص أو السكاكين والإطارات المشتعلة وبث الرعب في قلوب الناس».

وفي وقت لاحق، نقل مراسل موقع «سيريا نيوز» الإخباري القريب من السلطة عن معاون مدير مستشفى بانياس الوطني رامي خالدة أنه «تم إدخال المواطن أسامه شيخة فجر الأحد للمشفى لإصابته بطلق ناري بالخاصرة والكلية وإحدى الفقرات وأصابه الطحال.. تم إجراء عمل جراحي له مباشرة واستنفار كامل الأطقم الطبية لمعالجه أي طارئ. ووضعه العام حرج حاليا».

وأضاف خالدة أنه يوجد أيضا «4 إصابات في أحد المشافي الخاصة والإصابات طفيفة معظمها بالأرجل نتيجة لحوادث إطلاق نار عشوائي». ونقل المراسل عن شهود عيان أن المدينة شهدت منذ فجر الأحد أعمالا تنوعت بين «إحراق السيارات على الطريق العام؛ طرطوس - بانياس – اللاذقية، وإغلاق مداخل بعض القرى منها البساتين والمدخل المؤدي للمدينة من جهة المحطة الحرارية بالأتربة والحجارة من قبل بعض الصبية والأطفال وبعض أصحاب الدراجات النارية» وأكد معاون المستشفى الوطني أن «إطلاق نار حدث على مسار جامع أبو بكر الصديق حتى الطريق العام، وكان إطلاق النار دون تحديد، حيث أصيب عدد من الأهالي» وقال موقع «سيريا نيوز» نقلا عن مراسله في المدينة: «من خلال وجودنا بالمدينة والتجوال من مدخل القدموس إلى القصور والمركز الثقافي صباح يوم الأحد وجدنا شللا بالحركة حتى دوار مركز المدينة مرورا بالكورنيش البحري»، ونقل المراسل عن مصدر ذي صلة أنه «بعد الانتهاء من استخدام السيارات في أعمال الشغب وإطلاق النار تركت على الطريق العام وأحرقت وانتزعت اللوحات من مجهولين»، وذكر المراسل أنه «لم يلاحظ وجود للعناصر الأمنية أو الشرطية في أماكن التوتر على الإطلاق، ولم تحدث صدامات، واقتصر وجود السلطات على المراقبة وبسط الأمن وإفساح المجال أمام انسيابية حركة المرور على الطريق العام»، وأضاف المراسل أن «الشوارع الرئيسية للمدينة والمداخل شبه خالية حتى بعد ظهر الأحد».

في الوقت ذاته، قالت وكالة الأنباء السورية (سانا) إن أهالي منطقة البرامكة وسط دمشق تمكنوا أمس بمساعدة المارة أمام كلية الهندسة المدنية من «القبض على شخص يحاول مهاجمة عدد من الطالبات المحجبات ونزع حجابهن بينما كان شخص آخر يصور هذه المشاهد»، وقالت الوكالة إن الهدف من ذلك «تسويقها في المواقع الإلكترونية ووسائل الإعلام على أن رجال الأمن هم من يقومون بذلك في إطار المحاولات المغرضة لتشويه صورة الأمن في سورية وافتعال الفتنة عبر حملات تزوير وتشويه إعلامية مبرمجة». وأكدت «سانا» في خبرها على أنه تم تسليم الشخص «للجهات الأمنية المختصة للتحقيق معه وكشف ارتباطاته».

في الوقت ذاته، بث ناشطون سوريون مقاطع فيديو جديدة على صفحات «فيس بوك» و«يوتيوب» اعتبر ناشروها أنها تفضح الإعلام السوري الرسمي، من تلك المقاطع، لقاء أجراه التلفزيون السوري مع شخص مصاب من سكان دوما أصيب يوم الجمعة 1 أبريل (نسيان) الحالي، لكن اللقاء لم يبث، بينما كان هناك من يصوره بكاميرا تليفون جوال ويظهر «لوغو» التلفزيون السوري، وورد فيه قول المواطن في دوما أن من قام بإطلاق النار على السكان ليس عصابات مسلحة كما قال الإعلام السوري وليسوا قناصة وإنما أجهزة أمنية من غير العاملة في مدينة دوما، وأن أحد رجال الشرطة الذين يعملون في دوما حاول حمايته من الضرب بالهراوة والعصي من قبل عناصر أمن ليسو من المنطقة، وأكد أنه تمت عمليات سحل لجثث القتلة وتم ضرب وركل مصابين كانوا على الأرض. وتحدى المواطن أن يبث التلفزيون السوري كلامه. في حين ظهر أشخاص آخرون في مقطع فيديو الجوال وهم يتساءلون: «من سمح للتلفزيون السوري بالدخول إلى هنا»، ورد أحد الأشخاص بالقول إنهم طلبوا ذلك بإلحاح وتعهدوا أن يبثوا كل ما يقال.

مقطع آخر كان مصورا في درعا لعناصر أمن يقومون بضرب مبرح لشخص مصاب مطروح أرضا وإلى جواره جثة شخص آخر بدا أنه فارق الحياة، وأكد ناشطون أن «المشهد صور وراء المشفى الوطني في درعا».

ولا تزال وسائل الإعلام الرسمية السورية تكذب تلك المقاطع وتقول إنها مفبركة، في حين بث التلفزيون السوري أمس صور فيديو جوال لعناصر مسلحة قالوا إنهم كانوا يطلقون النار على المارة في حمص. في حين تدور شائعات في حمص أن «الذين ظهروا في الشريط الذي بثه التلفزيون هم من رجال أحد كبار تجار المخدرات في محافظة حمص. وبلغهم أن نحو 150 شخصا منهم تم اعتقالهم».