زيمبابوي تعتبر استقرارها مرهونا بصحة رئيسها

حزب موغابي يريد الإسراع بالانتخابات بسبب تقدم سن الرئيس.. والوسيط الأفريقي في أزمة البلاد يحذر من الخطوة

TT

مع دخول زيمبابوي موسما سياسيا عنيفا آخر، يمارس حزب الرئيس روبرت موغابي ضغوطا عنيفة لإجراء انتخابات سريعة هذا العام بسبب المخاوف من تدهور الحالة الصحية للرئيس بشكل لافت، حسبما أشار مسؤولون كبار بالحزب.

ومع عدم وجود خليفة للرئيس موثوق فيه لتوحيد الانشقاقات المزعجة التي تهدد بتفكك الحزب، يشير مسؤولوه إلى أنهم بحاجة إلى موغابي، الذي يبلغ عامه السابع والثمانين، ويتولى السلطة منذ 31 عاما، للترشح لفترة رئاسية جديدة مدتها خمس سنوات، في الوقت الذي لا يزال فيه متمتعا بالقوة للوقوف ضد منافسه، رئيس الوزراء مورغان تسفانغيراي، 59 عاما.

وذكر أحد المطلعين على بواطن أمور الحزب، شريطة عدم الإفصاح عن هويته بسبب حساسية الموضوع: «هناك حالة طارئة. حالة طارئة حقيقية. لم يعد الرجل العجوز مثلما كان».

وقد حذرت الدول المجاورة لزيمبابوي، التي أسهمت في التوسط لتشكيل حكومة تقاسم للسلطة التي يتزعمها موغابي وتسفانغيراي بعد انتخابات 2008، من محاولة إجراء انتخابات أخرى في القريب العاجل. غير أن أحد المقربين من موغابي ذكر أن هذه الدول التي لعبت دور الوسيط تخشى من ألا يحظى ترشيح موغابي كرئيس بالقبول العام المقبل.

وأعرب المصدر المقرب من موغابي قائلا: «تخيله متكئا على مساعديه على طول الطريق إلى المنصة لمخاطبة جمع محتشد ومخاطبته الشعب. إنه هو مستقبل هذه الدولة». وأضاف: «حتى أقوى مؤيديه لن يصدقوا ذلك».

كان الإصرار الشديد من جانب الحزب على عقد انتخابات هذا العام واضحا، حينما شنت إحدى الصحف الخاضعة لسيطرة الحزب هجوما لاذعا على رئيس جنوب أفريقيا، جاكوب زوما، الوسيط الرسمي في أزمة زيمبابوي السياسية، بعد أن دعا إلى وقف حالة العنف السياسي في البلاد. وكانت جنوب أفريقيا موضع نقد منذ وقت طويل بسبب التهاون مع موغابي خلال عصر اتسم بالانتخابات المزيفة التي أريقت فيها الدماء، إلا أنه في الأسبوع الماضي، أقنع زوما القادة الإقليميين بتعزيز جهود حازمة ومطولة لضمان حرية ونزاهة التصويت في الانتخابات المقبلة التي سيدلي فيها الزيمبابويون بأصواتهم.

وتحدث زوما لكل من موغابي وتسفانغيراي في اجتماعه معهما، وفقا لما ذكره مستشار الرئيس زوما، لينديوي زولو، قائلا: «لا يمكننا أن نتفق مطلقا على إجراء أي انتخابات في زيمبابوي ما دامت لا توجد المؤسسات المطلوبة لإجراء انتخابات موثوق فيها وحرة ونزيهة». يذكر أن حكم موغابي الاستبدادي تسبب في حالة من التدهور الاقتصادي المدمر وتفشي الفساد وخلق مجتمع يقوم على القمع الشديد. ولكن بوصفه الرمز الرئيسي للدولة، هناك شك في أن وفاته قد تقود إلى انقلاب عسكري، أو نزاع داخلي محتدم داخل حزبه، حزب زانو، أو إلى أي عواقب أخرى أسوأ ما زالت غير متوقعة.

وقال تسفانغيراي: «صحة موغابي مسألة متعلقة بعدم الاستقرار الوطني». ونتيجة لتعرضه للضغط من قبل القادة الإقليميين لإبرام اتفاق تقاسم للسلطة مع موغابي، عدوه السياسي، منذ عامين، أعرب تسفانغيراي متحدثا عن شريكه الذي لا يزال يحظى بدور مهيمن في الحياة السياسية في زيمبابوي: «لقد ترك سبيل الخلافة في وقت متأخر جد، والآن، هناك صراع بين الفصيلين الرئيسيين في حزب زانو». ويشبه أحد السفراء الغربيين هذه الفترة من الحكم المستبد الطويل الأمد في أفريقيا بالأيام الأخيرة من حكم بريجينيف وفرانكو، الذي سادت فيه الإشاعات المحمومة والمؤامرات السرية.

وقد أدى ذلك إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضد الجماعات المدنية المؤيدة للديمقراطية وأعضاء حزب تسفانغيراي، حركة التغيير الديمقراطي، حيث حظرت السلطات أشكال التجمهر وحشدت عددا من النشطاء والعاملين في الحزب، ونشرت أعدادا ضخمة من رجال شرطة مكافحة الشغب في الشوارع من أجل منع تقدم المتظاهرين.

وقد أثارت الثورات التي شهدها شمال أفريقيا، وعلى وجه الخصوص التأييد من جانب جنوب أفريقيا لفكرة فرض منطقة حظر جوي في ليبيا، قلق المشاركين في عملية التجسس الموسعة التي يديرها حزب موغابي، حيث ألقي القبض على عشرات من الطلاب وأعضاء النقابات والنشطاء الذين قد احتشدوا لمشاهدة التقارير الإخبارية عن الانتفاضات في تونس ومصر في فبراير (شباط)، ووجهت إليهم تهمة الخيانة والتآمر للإطاحة بالرئيس موغابي.

وذكر متحدث باسم حزب موغابي، روجار جومبو: «نحن نسمع من خدمات الاستخبارات أن اجتماعات حزب حركة التغيير الديمقراطي تهدف إلى تحفيز الناس على المشاركة في انتفاضات شعبية على شاكلة الانتفاضتين المصرية والتونسية».

وبعيدا عن ذلك، أثيرت تكهنات بأن موغابي يعاني من سرطان البروستاتا، منذ أن قام برحلات إلى سنغافورة في فبراير (شباط) ومارس (آذار)، فيما بدا ظاهريا أنه فحص دوري للمتابعة، بعد خضوعه لجراحة لإزالة المياه البيضاء في فترة إجازة الكريسماس. لكن محللين يتساءلون كيف يمكن لرجل عجوز مثله القيام بثلاث رحلات شاقة عبر المحيط ما لم يكن مريضا بالفعل.

ويرى مجلس الوزراء أن موغابي سليم من الناحية العقلية، غير أنه يصاب بالإنهاك الجسدي بسهولة ويعاني من صعوبة في صعود درجات السلم. وقد صرح موغابي شخصيا وقت الاحتفال بعيد ميلاده السابع والثمانين في فبراير الماضي، وفقا لتقرير نشرته وكالة «أسوشييتد برس» قائلا: «ربما تكون قد خارت قواي الجسدية، لكنني آمل أن يظل عقلي دائما معكم».

وفي مؤتمر عقد هنا في نوفمبر (تشرين الثاني)، بدا موغابي أنيقا في بدلة ذات لون رمادي داكن وربطة عنق حريرية زرقاء ومنديل ذي لون منسجم يتدلى من جيب الجاكيت. وقام نادل يرتدي قفازات بيضاء بصب العصير له، ثم تنقل في أرجاء القاعة.

كان صوت الرئيس الجهوري لا يزال يتردد في جنبات القاعة بينما كان يقرأ خطابا يقربه من عينيه. ولكن بمجرد أن غادر المنصة، أمسك بإحكام بـ«الدرابزين» بينما كان يحاول جاهدا هبوط درجات السلم. وخارج القاعة، كانت هناك سيارة إسعاف تتبع سيارته الليموزين.

وذكر سكرتيره الصحافي، جورج تشارامبا، حينها أن موغابي قد كان عليه أن يصعد 22 درجة سلم حينما كانت المصاعد معطلة بمقرات قيادة الحزب، تاركا رجال الأمن يلهثون وراءه. حتى إن بعض المعارضين السياسيين يتساءلون ما إذا كانت هناك سنوات متبقية في عمره. وقد عاشت والدته لما يقرب من 100 عام.

وبعد كل رحلة من رحلات موغابي إلى سنغافورة، كان تشارامبا يؤكد في اللقاءات التي أجريت معه على أن رئيسه كان فقط يجري فحوصات دورية على عينيه. إلا أن المتحدث قد غير ذلك التفسير في مقابلة أجريت معه مؤخرا، موضحا أن الرئيس قد قام بتلك الرحلات فعليا ليرافق زوجته، جريس، التي كانت قد تعرضت لإصابة شديدة في ظهرها أثناء ممارستها تمرينات رياضية في صالة الجمنازيوم.

وقال: «لقد بدأت تتعافى من المرض، لذلك يمكننا الحديث عن الأمر الآن». وفي مقابلة نادرة مع وكالة الأنباء «رويترز» العام الماضي، أنكر موغابي نفسه بشدة شائعات أنه كادت أن توافيه المنية بسبب إصابته بمرض السرطان. وتحدث قائلا: «لا أعرف كم مرة كنت أحتضر فيها، ولكن لم يتحدث أي شخص قط عن إنقاذي من الموت».

* خدمة «نيويورك تايمز»