صعود وسقوط نجم أحمد عز.. الملياردير الذي يكرهه المصريون

زوجته الثانية: جميع من في البلد يخشون القول إنهم يعملون في مجموعة شركاته

TT

تطرح عبلة عز، زوجة واحد من أكثر المصريين ثراء، وهي تلوح بيدها بشكل فظ، سؤالا تعرف إجابته مسبقا وهو: «من يتعاطف مع الملياردير؟» وإجابته هي النفي. منذ شهرين كان زوجها أحمد عز عملاق الحديد والصلب الذي أصبح من النخبة وأبرز نواب البرلمان والذي يحدد سياسات الحزب الحاكم والصديق المقرب من جمال مبارك، ابن الرئيس السابق حسني مبارك. لكن منذ أن أسقطت ثورة «25 يناير» النظام، تم التشهير بأحمد عز، البالغ من العمر 52 عاما، في الشوارع كأي مجرم عادي وأخذ الدهماء يسخرون منه وتم الزج به في السجن على خلفية اتهامات بالفساد السياسي. كذلك نهب المتظاهرون المؤيدون للديمقراطية مقار مجموعة «حديد عز» وأضرموا فيها النيران.

وقال عز، في خطاب مؤخرا من محبسه، إنه لم يقم بأي فعل غير قانوني. لكن بينما يطهر المصريون النظام القديم من عناصره ويؤسسون لنظام جديد، ظهر عز باعتباره واحدا من أكثر الرموز التي حظيت بمقت المصريين لنظام أثاب القليلين وظلم الكثيرين. يعتبر عز سواء أكان ذلك حقا أم باطلا ممثلا لأقلية هيمنت على سوق إنتاج الحديد في الوطن العربي ورأسمالية متغلغلة في نظر الملايين من المصريين، والذي كان من حقائق الحياة قبل الثورة.

ربما يتحدث بعض الزملاء عن عز دون الإفصاح عن هويتهم خوفا من إصابتهم بالأذى. وفي سلسلة من المقابلات كان صوت عبلة عز، التي تبلغ من العمر 48 عاما ويبدو اهتمامها بشعرها، يخفت إلى درجة الهمس وهي تقول: «جميع من في البلد يخشون القول إنهم يعملون في مجموعة شركات (حديد عز)». وقالت إنه من الأفضل تجنب التزين بالذهب وقيادة السيارة بتواضع حتى لا تظهر أمارات الثراء عليها. لكنها ما زالت تقيم في فندق «فور سيزونز» في شقة بالطابق الرابع والعشرين، التي تعيش فيها مع زوجها وابنهما البالغ من العمر 14 عاما. وتعتبر الشقة مثالية؛ حيث تطل على النيل وتحيط بها الزهور الطبيعية من كل جانب. ووصلت إلى تفسير لهذا التوجه العام السائد وهي تسير في شوارع المدينة؛ حيث تقول: «أي شخص ثري في هذا البلد يُنظر إليه كفاسد وشرير ويجب أن يلقى خلف القضبان». قد لا يكون تقديرها للوضع بعيدا عن الحقيقة. فمنذ فبراير (شباط) يلاحق أفراد الادعاء العام عددا كبيرا من رجال الأعمال الذين تربطهم علاقة بالنظام السابق ويقومون بتجميد ممتلكاتهم ومنعهم من السفر وتوجيه تهم بالفساد والتورط في صفقات مع مسؤولين في الحكومة. ويقول أحد رجال الأعمال إن هذه المحاكمات السريعة للثورة قد تعرض الاقتصاد المصري للخطر؛ لأن أصحاب الأعمال مثل عز، بغض النظر عن الطرق التي يديرون بها أعمالهم، وفروا وظائف وأسسوا شركات قوية راسخة. كان رجال الصناعة الصاعدون وعمالقة مجال الاتصالات ورجال المال خلال العقد الماضي هم الوقود الذي يدير عجلة النمو الاقتصادي والخصخصة والاستثمارات الأجنبية.

يقول محمد حمودة، أحد المحامين المعروفين، الذي رفض الدفاع عن عز لاعتقاده أن بعض رجال الأعمال لن يحصلوا على محاكمة عادلة: «لا توجد أي دولة عاقلة تزج برجال أعمالها إلى السجن وتدمر اقتصاد الدولة. نحن بحاجة إلى بناء الدولة لا تدميرها. من سيستثمر في مصر إذا وجد أن رجال الأعمال يلقون في السجون». لكن يبدو أن هناك عاملا آخر يشعل الغضب العام ضد عز وهو أن سنوات الازدهار التي صنعت طبقة عليا لم تجلب أي مزايا لجموع الشعب، على حد قول محللين. ويعيش نحو 44% من المصريين في فقر مدقع؛ حيث يجنون أقل من دولارين في اليوم. وقدم مجموعة من المواطنين العام الماضي شكوى ضد عز يتهمونه فيها بالابتزاز، واصفين إياه بـ«عدو المستهلكين رقم واحد».

إذا قمت بزيارة أي مقهى في وسط البلد ستجد رواده سواء أكانوا من الشباب أم كبار السن يقولون عنه إنه «حرامي ومحتكر منع استيراد الحديد الأرخص وكان يتربح من آلام الناس». ويقول محمد جاعورة، نادل يبلغ من العمر 54 عاما يقدم المشروبات والنرجيلة: «إن عز مثل رجل لديه سلاح يهددك به ويأمرك أن تعطيه مالك وإلا سيقتلك». وأخذ الرجل يصب اللعنات على وزراء الحكومة السابقة وزملاء عز من كبار أعضاء الحزب ومنهم جمال مبارك وقال: «لقد اعتادوا اللقاء في الملاهي الليلية وشرب النبيذ ومص دماء الناس».

يقول المدافعون عن عز إنه جنى تلك الأموال كلها بجهد وأمانة، ويصورون «ملك الحديد» بأنه يعمل بجد واجتهاد وعانى في حياته، ربما باستثناء كونه من أسرة كانت تعمل في تجارة مواد البناء لأجيال. وانخرط في هذا المجال وهو في الـ19 من العمر منذ أن كان طالبا في كلية الهندسة وكان يقود السيارة لأكثر من 60 ألف ميل في العام لزيادة الأرباح، على حد قول رفاقه.

وبدأ عز الاستثمار في مصانع الحديد في بداية التسعينات وازدادت ممتلكاته بشكل كبير، ومن بينها مصنع «عز الدخيلة» الذي كان مملوكا للدولة. وقد اشتراه عام 2000، وهو العام نفسه الذي أصبح فيه نائبا في البرلمان، لكنه يمثل الآن جزءا من الاتهامات التي يواجهها. ويبحث المحققون في قانونية هذه الصفقة وما إذا كان عز قد استغل نفوذه السياسي للإثراء من خلال الاحتكار. من الأمور أيضا التي يواجه اتهاما بشأنها: الحصول على التصريح الصناعي بشكل غير قانوني.

وقال محامو عز إنه كان يملك هذا كله قبل أن يصبح نائبا في البرلمان وإنه اتجه إلى العمل السياسي لخدمة الشعب لا لزيادة ثروته. إن حكمته في المجال لا فساده السياسي هي ما ساعدته في زيادة سعر سهم الشركة بمقدار 10 أمثال. وبحلول نهاية عام 2010 اقتربت القيمة السوقية لأسهم عز من ملياري دولار.

يقول أحد أصدقاء عز، رفض الكشف عن هويته خوفا على أمنه: «ليس عيبا أن تكون لاعبا مهيمنا على السوق، لكنه رأسمالي صالح جدا. أعتقد أنه كان يعيش في حلم كبير وهو أن يصبح أكبر منتج للحديد في العالم وأنه يستطيع أن يغير العالم. لقد بات مغاليا في تفكيره».

أثار عز عام 2007 الإعلام عندما اتخذ شاهيناز النجار، سيدة الأعمال التي تنتمي إلى عائلة ثرية والنائبة في البرلمان، زوجة ثالثة له.

فقد أذهل حجم خاتم الزفاف وتكلفة حفل الزفاف وشهر العسل التي تتوافق مع عظمة العروسين الناس وأثارت في نفوسهم الحقد. لم يطلق عز زوجته الأولى خديجة ياسين أم ابنتيه وتزوج عبلة زوجته الثانية عام 1988.

على الجانب الآخر، وجه منتقدو عز اتهامات له باستغلال النفوذ كعضو بالبرلمان وواحد من كبار أعضاء الحزب في تزوير الانتخابات الأخيرة لصالح الحزب الوطني الديمقراطي وتمهيد الطريق لخلافة جمال مبارك لوالده في رئاسة مصر. على الرغم من أن عز كان يرى نفسه من الحرس الجديد من الإصلاحيين الذين يعملون من داخل الحزب على عملية التحول الديمقراطي في مصر تدريجيا، يرى النشطاء السياسيون أنه مدافع عن عقود من التسلط والاستبداد.

فقد دافع عز، في مقابلة مع كريستينا أمانبور على قناة «سي إن إن» منذ عام، عن الحكم بقانون الطوارئ الذي دام 30 عاما وقال: «لديكم القانون الوطني، وقانون الطوارئ بالنسبة إلينا مثل القانون الوطني. إنه يُستخدم بشكل استثنائي إما لمكافحة الإرهاب وإما لتجنب خطر الإرهاب. إنه لا يُستخدم في أي أشكال من القمع، سواء في الحياة السياسية أو الاجتماعية». بدت كريستينا مذهولة؛ حيث عبرت عن ذلك بقولها: «يا إلهي».

نريد استعادة أموالنا المنهوبة إن ولاء عز للنظام لم ينفعه كثيرا عندما بدأ الرئيس تقديم سلسلة من التنازلات للحشود المطالبة بالحرية التي تجمعت في ميدان التحرير في يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط). وحتى قبل تنحي مبارك في 11 فبراير، استهدف أفراد الادعاء العام عز وتم تجميد ممتلكاته ومنعه من السفر. يقول أفراد أسرته وأصدقاؤه إنه سرعان ما أدرك أنه سيتم تقديمه ككبش فداء وأصبح عز مثل عروس النيل التي كان يلقى بها في النهر كقربان له تجنبا لفيضانه. لكن لم يفلح ذلك واستمرت سلسلة تقديم القرابين، بينما لم يمس أي فرد من الحرس القديم، خاصة الذين تربطهم صلة وثيقة بالجيش. عندما علم محامو عز أن الادعاء العام استدعى عز للتحقيق معه في 17 فبراير، نصحوه أن يحزم حقائبه؛ حيث كانوا على يقين من أنه سيساق إلى السجن.

وبمجرد سجنه تم نشر صور لعز مع زملائه ومنهم وزيرا الإسكان والسياحة اللذان تم اتهامهما بالإثراء غير المشروع من خلال منصبيهما. ويظهرون في تلك الصور التي التقطها بعض من كانوا يشاهدون الموقف وهم يترجلون من سيارة شرطة ويحاولون جاهدين أن يخترقوا صفوف المئات من الناس الذين يصيحون.

ويظهر عز، الذي كان يوما أنيقا، مرتديا زي السجن ويجلس على مقعد خشبي في قفص داخل قاعة محكمة وخلفه جدار خراساني يحدق في الفراغ مثل رجل ينتظر حافلة بدا وكأنها لن تأتي.

قالت عبلة، وهي تشاهد أحد المقاطع المصورة المنشورة على موقع «يوتيوب» على جهاز الكومبيوتر المحمول الخاص بها: «يا إلهي إنه مشهد ينفطر له القلب.. أين حقوق الإنسان؟». وترجمت لي الإهانات التي وجهها الحضور في المحكمة إلى عز قائلة: «لقد بعت البلد.. نريد استعادة أموالنا». وتساءلت: «أي أموال يتحدثون عنها؟ لقد عمل بجد كي يجنيها».

وتم تأجيل محاكمة عز التي بدأت أولى جلساتها الشهر الماضي ولم يتم تحديد موعد لها. وتم رفض الإفراج عنه بكفالة. وقال عز، في بيان وزعته شركة علاقات عامة في واشنطن هي «كورفيس كومينيكيشينز» نيابة عنه: «أنفي كل التهم الموجهة إليَّ وأعلم أن المحاكمة العادلة سوف تثبت براءتي». وقالت زوجته: «لا أطلب من أحد أن يحب الناس أحمد عز. إن الأمر يتعلق بالعدالة».

وفي بهو فندق «فوز سيزونز» أخذت ترشف قهوتها الأسبريسو وتتحسر على الطاولات الفارغة حولها. وقالت: «لم يعد هناك ناس (لطيفة) مثل السابق.. أشعر أننا نعود إلى عصور الظلام». وأخرجت سيجارة من علبة من علبتين أمامها ثم أشعلت السيجارة من الطرف الآخر. وقالت وابتسامة إحراج تعلو وجهها وتطفئه: «إنها رأس على عقب تماما مثل حال البلد».

* خدمة «واشنطن بوست»

* شارك المراسل محمد منصور في إعداد التقرير