اليمن: غموض بشأن مصير المبادرة الخليجية.. والترحيب الرسمي لا يعني موافقة صريحة

اللواء الأحمر يرحب بها والمعارضة تطالب بـ«توضيحات» وشباب الثورة يصرون على تنحي الرئيس

محتجون يمنيون خلال مسيرة حاشدة للمطالبة بتنحي الرئيس علي عبد الله صالح في تعز أمس (أ.ب)
TT

يلف الغموض الأوضاع في اليمن بشأن مستقبل المبادرة الخليجية التي لقيت ترحيبا رسميا دون موافقة صريحة، كما لقيت رفضا من قبل أحزاب المعارضة «اللقاء المشترك» وكذا «شباب الثورة» في ساحات الاعتصام، وذلك لأن المبادرة لم تنص صراحة على تنحي الرئيس علي عبد الله صالح، هذا في الوقت الذي حدد فيه «شباب الثورة السلمية» في اليمن، أمس، أهداف ثورتهم ومطالبهم للمرحلة الانتقالية، وفي مقدمة الأهداف، إسقاط النظام.. هذا في وقت أعلنوا فيه رفضهم المبادرة الخليجية، وكذلك مواصلة المظاهرات في جميع المحافظات اليمنية للمطالبة بإسقاط النظام ومحاكمة الرئيس وأركان نظامه.

وتعيش الساحة اليمنية في وضع سياسي متأرجح، وذلك بعد أن بات من شبه المؤكد أن المبادرة التي تقدمت بها دول مجلس التعاون الخليجي، فشلت بعد أن رفضها الشباب المعتصمون في ساحات التغيير والحرية بالمحافظات اليمنية، كما رفضتها أحزاب المعارضة اليمنية التي سلمت، مساء أمس، ردها وموقفها من المبادرة إلى سفراء دول الخليج في صنعاء، وقد جاء الرفض لسبب واحد وهو عدم نص المبادرة على تنحي الرئيس علي عبد الله صالح عن السلطة، وهناك مطالب واسعة في الساحة اليمنية لتفسير نص «انتقال السلطة» الوارد في المبادرة الذي يعتقد مراقبون أنه يتوافق مع ما يطالب به الرئيس صالح، وليس مع مطالب معارضيه ومناوئيه الذين يصرون على مطلب رحيله الفوري. وضمن الأسباب المعلنة لرفض المبادرة الخليجية، عدم تضمنها جدولا زمنيا لتنفيذ بنودها، وهو الأمر الذي جعل الباب مفتوحا على مصراعيه بالنسبة لحل إنهاء الأزمة السياسية في اليمن، خاصة أن الرئيس علي عبد الله صالح وافق على المبادرة ولكن «وفقا للدستور» اليمني، وهو ما يعني استمراره في منصبه لفترة مقبلة، حتى وإن نقل بعض صلاحياته لنائبه الحالي عبد ربه منصور هادي أو أي شخص آخر يعين في المنصب ذاته قريبا، كما تشير التوقعات.

وفي السياق ذاته، رحب اللواء علي محسن الأحمر، قائد المنطقة الشمالية الغربية، قائد الفرقة الأولى مدرع في اليمن الذي انشق عن نظام الرئيس صالح وأيد ثورة الشباب، بالمبادرة الخليجية، وقال بيان صادر عن مكتبه، تلقت «الشرق الأوسط» نسخة منه، إنه يثمن «الجهود والمساعي الخيرة التي بذلها ويبذلها الأشقاء في دول مجلس التعاون من أجل إخراج اليمن من أزمته الحالية، حرصا منهم على استقرار وأمن ووحدة اليمن وإنهاء حالة الاحتقان والتوتر السياسي الذي تعيشه اليمن»، وأضاف بيان الأحمر أن هذه «المواقف الأخوية من الأشقاء، ليست بغريبة عنهم والتي طالما عبروا عنها مرارا بالقول والعمل»، وقال الأحمر إنه «سيتعامل مع هذه المبادرة بإيجابية كبيرة»، وأعرب عن أمله في أن تتجاوب الأطراف السياسية كافة مع هذه المبادرة وعدم «تفويت الفرصة حرصا على مصلحة اليمن وتجنيبه ويلات الفتنة والتناحر والاحتراب»، كما ثمن اللواء الأحمر جهود «الأصدقاء في الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي والأشقاء والأصدقاء في العالم الذين سعوا لإنجاح هذه المبادرة».

وتشير مصادر سياسية في صنعاء، إلى أن المبادرة الخليجية أوجدت نوعا من الخلاف بين اللواء الأحمر وأحزاب المعارضة نفسها وداخلها، وذلك بسبب تأييد الأحمر للمبادرة وتمسك المعارضة بمطالب الشارع والمعتصمين في الساحات بسرعة رحيل صالح قبل الدخول في أي حوارات مع النظام، لكن هذه المصادر قالت لـ«الشرق الأوسط» إن ما يمكن وصفه بالخلاف المشار إليه، لن يؤثر على الأوضاع الميدانية، وأن المبادرة الخليجية تحتاج إلى أن تضاف إليها بنود توضح النقاط التي يلفها الغموض، وأشارت إلى أن المبادرة لن تفشل لأن «السعودية ودول الخليج لاعب أساسي في الشأن اليمني بحكم الجوار وانعكاس أية أوضاع أمنية متدهورة على أمن دول المنطقة».

وفي هذه الأجواء السياسية التي توصف بالمقلقة والمخاوف الأمنية مع انتشار السلاح في البلاد، يواصل مئات الآلاف من اليمنيين الخروج في مظاهرات بصورة يومية للتنديد بقمع المتظاهرين في أكثر من محافظة، وذلك للمطالبة بإسقاط النظام وبمحاكمة الرئيس علي عبد الله صالح وأركان نظامه والمتسببين في قتل وجرح المتظاهرين، وشهدت، أمس، محافظات عدن والحديدة وتعز عصيانا مدنيا شاملا وناجحا، كإحدى وسائل الضغط على صالح للتنحي عن الحكم، وجاءت هذه المظاهرات والعصيانات تلبية لدعوة من «شباب الثورة» في ساحات التغيير والحرية في المحافظات اليمنية، وتأتي هذه التطورات في الشارع اليمني والدراسة متوقفة في معظم الجامعات اليمنية، وبالأخص في جامعات صنعاء وتعز وعدن والحديدة، وهي كبريات الجامعات في البلاد.

وأثارت التطورات اليمنية قلق شرائح مهمة في الساحة اليمنية، فقد تداعى أبناء المحافظات الجنوبية الذين يقيمون في العاصمة صنعاء إلى عقد لقاء موسع مساء أول من أمس رغم تعدد مشاربهم السياسية والفكرية، وبعد تدارس آخر التطورات، وضع أبناء الجنوب 7 نقاط أو 7 مطالب تنص على التالي: «الوقوف إلى جانب مطالب الشباب في ساحات الاعتصامات، والمطالبين بحقهم في التغيير. على السلطة وكافة القوى السياسية في الساحة اليمنية الاعتراف الصريح بالقضية الجنوبية ووجوب حلها حلا عادلا وفي المقدمة الحراك السلمي وبما يرضي أبناء المحافظات الجنوبية. التأكيد على التمسك بمبدأ التصالح والتسامح بين أبناء المحافظات الجنوبية، وتجاوز مشكلات الماضي بكل تعقيداته، والتركيز على بناء مستقبل واعد تسوده المساواة والإخاء والسلم الاجتماعي. التأكيد على عدم السماح باستخدام الجنوب كساحة للصراع، والعمل على تشكيل لجان شعبية وأهلية بالتنسيق مع المجالس المحلية على مستوى المحافظات والمديريات للحفاظ على الأمن والاستقرار وحماية المصالح العامة والخاصة من حدوث أي أعمال فوضى أو تخريب. والاستفادة من تجربة حضرموت في هذا المجال. محاكمة من ثبت تورطه في أعمال القتل التي طالت المعتصمين أو المتظاهرين سلميا في جميع المحافظات، بما في ذلك شهداء المعجلة ومصنع الذخيرة في منطقة جعار. رفع الظلم عن صحيفة (الأيام)، وعدم منعها من الصدور، وتعويضها عن ما لحقها من خسائر خلال فترة التوقف السابقة»، وأخيرا «إطلاق جميع المعتقلين على ذمة الحراك السلمي أو قضايا التعبير عن الرأي، وحماية الاعتصامات السلمية وكفالة حرية الرأي والتعبير بحسب الدستور والمواثيق الدولية».

وعلى غرار أهداف «ثورة 26 سبتمبر (أيلول) »1962، حددت «ثورة الشباب» ستة أهداف هي: «إسقاط النظام الفردي الأسري الاستبدادي، وبناء الدولة المدنية الديمقراطية التي تكفل الحقوق والحريات العامة وتقوم على مبدأ التداول السلمي للسلطة، والفصل بين السلطات واللامركزية الفاعلة، وتحقيق نهضة تعليمية شاملة تلبي تطلعات الشعب اليمني وتستعيد مكانته الحضارية، وبناء اقتصاد وطني قوي يكفل حياة كريمة للمواطنين، وإعادة بناء المؤسسة العسكرية والأمنية على أسس وطنية حديثة وبما يضمن حياديتها واستقلالية السلطة القضائية بما يضمن تطبيق العدل والمساواة».

وفي بيان للجنة التنظيمية للثورة الشبابية في صنعاء، حصلت «الشرق الأوس» على نسخة منه، جرى تحديد ما سميت بـ«مطالب المرحلة الانتقالية»، التي تنص على: «تنحية الرئيس علي عبد الله صالح عن الرئاسة وكافة أقاربه من المراكز القيادية في المؤسسات العسكرية والمدنية، وتشكيل مجلس رئاسي مؤقت مكون من خمسة أو سبعة أعضاء مشهود لهم بالكفاءة والنزاهة والخبرة ويمثلون كافة القوى الوطنية على أنه لا يحق لأي منهم الترشح لمنصب رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة أو لعضوية البرلمان قبل مضي دورة انتخابية كاملة، وتحديد فترة انتقالية لا تتجاوز مدتها تسعة أشهر تبدأ بإعلان دستوري يتم بموجبه تعطيل العمل بالدستور الحالي وحل مجلسي النواب والشورى ويضمن الحقوق والحريات الأساسية وفي مقدمتها حرية الإعلام والصحافة والتعبير والحق في الاجتماع والتنظيم والتظاهر، ويتولى المجلس الرئاسي المؤقت المهام التالية: مهام رئيس الجمهورية خلال الفترة الانتقالية، تكليف شخصية وطنية متوافق عليها لتشكيل حكومة كفاءات خلال مدة لا تزيد على أسبوعين، دمج جهازي الأمن السياسي والأمن القومي في جهاز أمن وطني واحد يتبع وزارة الداخلية ويكفل حماية وأمن الوطن ويحترم حقوق الإنسان».

وضمن المطالب المرحلية، أيضا: «تشكيل مجلس وطني انتقالي يمثل فيه الشباب والقوى السياسية والوطنية يتولى ما يلي: إدارة حوار وطني شفاف يشمل كافة التكوينات ويناقش كافة الملفات والقضايا الهامة وفي مقدمتها القضية الجنوبية وقضية صعدة وحلهما حلا عادلا، تشكيل لجنة خبراء تقوم بصياغة ما يتوصل إليه المتحاورون في المجلس الوطني من مقترحات على شكل نصوص دستورية بما يكفل قيام دولة مدنية ديمقراطية حديثة تقوم على أساس التداول السلمي للسلطة والتعددية السياسية وتحترم الحقوق والحريات للمواطنين، إقرار التشريعات الضرورية لإدارة الفترة الانتقالية ليصدر بها قرار من المجلس الرئاسي المؤقت، الرقابة على أداء المجلس الرئاسي وحكومة الكفاءات خلال الفترة الانتقالية، تشكيل لجنة عليا للانتخابات والاستفتاء يصدر بها قرار من المجلس الرئاسي المؤقت تتولى إدارة عملية الاستفتاء الدستوري وإجراء الانتخابات النيابية».

وطالب «شباب الثورة» أيضا بـ«إعادة هيكلة السلطة القضائية بما يضمن استقلاليتها عن السلطتين التشريعية والتنفيذية في إطار مبدأ الفصل بين السلطات، محاكمة كل من قتل أو حرض أو تسبب في قتل أو إصابة المشاركين في الثورة الشبابية الشعبية وتعويض أسر الشهداء والجرحى وتكريمهم تكريما لائقا، وإلغاء المحاكم الاستثنائية والسجون الخاصة وإطلاق كافة المعتقلين السياسيين وسجناء الرأي، وتجميد أرصدة الرئيس وكافة أقاربه ورموز النظام السابق واستعادة ما تم نهبه من الأموال والممتلكات الخاصة والعامة».