مصطفى الفقي: ترشيحي لمنصب أمين عام الجامعة العربية قوبل بتأييد عربي واسع.. وبخاصة من السعودية وسورية

قال في حوار مع «الشرق الأوسط» إن كل الدول العربية لديها كوادر صالحة لهذا المنصب.. لكنها مسألة مواءمة بالنسبة لدولة المقر

د. مصطفى الفقي
TT

أكد الدكتور مصطفى الفقي، المرشح المصري لمنصب الأمين العام لجامعة الدول العربية، أنه سوف يسعى، في حال فوزه بالمنصب، إلى دور تنويري للجامعة يربطها بنبض الشارع العربي، خصوصا في ضوء التغيرات الحالية التي يمر بها عدد من البلدان العربية. وقال إن قرار ترشيحه من قبل المجلس الأعلى للقوات المسلحة (الحاكم في مصر) لهذا المنصب، جاء بناء على توافق عربي واستطلاع رأي معظم الدول العربية التي أبدت دعمها للمرشح المصري، تقديرا للدور المصري واحتفاء بثورة مصر النبيلة، كما أكد أنه يحظى بقبول واسع لدى معظم الدول العربية وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية وسورية.

وشدد الفقي في حوار أجرته معه «الشرق الأوسط»، على أن كل الدول العربية لديها كوادر صالحة لتولي هذا المنصب، لكنها «مسألة مواءمة بالنسبة لدولة المقر»، وأن العرف جرى على ذلك، منوها بأن الجامعة العربية هي منظمة إقليمية ذات طابع قومي لا فارق فيه بين أي جنسية.

ونفى الفقي، الذي عمل مندوبا لمصر لدى المنظمات الدولية في فيينا، وكان نائبا في مجلسي الشعب والشورى سابقا، الاتهامات الموجهة إليه بانتسابه لنظام الرئيس السابق، حسني مبارك، مؤكدا أنه ترك مؤسسة الرئاسة منذ 20 عاما، وفُصل من رئاسة «لجنة مصر والعالم» بالحزب الوطني عام 2004 لأنه رفض الذهاب إلى إسرائيل.

وأكد الفقي، الذي يشغل حاليا منصب نائب رئيس البرلمان العربي، أن الجامعة العربية لا تنهض وحدها كمؤسسة، بل بإرادة 22 دولة فيها، وهي التي تحدد فاعلية دورها أو خطوط مواقفها لأنها محصلة لإرادة الدول العربية ولأنها منظمة دول بالدرجة الأولى.

وحول مشروع رابطة دول الجوار العربي والحوار مع إيران، قال الفقي: «هذا الأمر يحتاج إلى توافق عربي شامل ودراسة متأنية، خصوصا في ضوء توجهات إيران السياسية ودورها الحالي في المنطقة»، وإنه يجب أن يكون هناك احترام متبادل للسيادة القومية للدول في ما بينها. وفي ما يلي نص الحوار..

* في ظل تراجع دور مصر الإقليمي في السنوات الأخيرة وقبل الثورة، وخسارتها الكثير من المعارك الدولية وآخرها منصب أمين عام منظمة اليونيسكو، ألا تخشى أن يحدث ذلك في الجامعة العربية ويضيع المنصب على مصر؟

- في البداية أود أن أؤكد أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة (الحاكم في مصر) قد رشحني من بين أكثر من مرشح مصري لهذا المنصب، وذلك بعد استطلاع رأي معظم الدول العربية، التي أبدت سعادتها بذلك وتأييدها ومباركتها لهذا الترشح، بل أؤكد أن هناك حماسا بالفعل لأن أتولى هذا المنصب. ويكفي القول إن دولتين بحجم المملكة العربية السعودية وسورية تدعمان بشدة المرشح المصري، ومعهما عدد كبير من الدول العربية. وذلك تقديرا للدور المصري القائد في المنطقة، وتحيزا للشعب المصري الذي يقدره العرب ويتفاعلون معه عبر التاريخ. وأود أن أشير إلى أن جامعة الدول العربية بالنسبة لمصر ليست مثل منظمة اليونيسكو، فهذه منظمة عربية إقليمية، والأشقاء العرب سيجاملون مصر تكريما لثورة 25 يناير.

* قطر قدمت مرشحا لهذا المنصب، هو الأمين العام السابق لمجلس التعاون الخليجي، عبد الرحمن العطية، وهناك أنباء عن دول أخرى تعتزم تقديم مرشحين، كيف ترى هذا التنافس في ظل تطورات ديمقراطية تحدث حاليا في الأقطار العربية أراد البعض أن يجد لها صدى على مستوى الجامعة؟

- يجب أن نعلم حقيقة مهمة وهي أن كل الدول العربية لديها كوادر سياسية ودبلوماسية صالحة لمثل هذا المنصب، ولا يوجد شخص أفضل من الآخر، ولكنها «مسألة مواءمة بالنسبة لدولة المقر». وأعتقد أن المنصب لمصر مضمون، خصوصا بتأييد دولة بحجم السعودية.

وأشير هنا إلى أن المرشح المصري يفضل دائما بسبب التسهيلات التي يتمتع بها في دولة المقر (مصر)، فضلا عن أن جامعة الدول العربية هي منظمة إقليمية عربية ذات طابع قومي عروبي، ولا فارق بين العراقي والمغربي والتونسي، الكل يعبر عن أمة عربية واحدة، والتوزيع القُطري بهذه الطريقة يعادي فكرة الأمة الواحدة، وبالتالي لا يجب أن ينظر إلى الدول العربية كأقطار متجذرة. فضلا عن أن هناك عرفا جرى العمل به منذ إنشاء الجامعة العربية، وهو الربط بين دولة المقر وجنسية الأمين العام، فحتى عندما انتقلت الجامعة العربية إلى تونس في وقت الخلاف مع مصر بسبب معاهدة السلام مع إسرائيل، اختير التونسي الشاذلي القليبي أمينا عاما للجامعة، وهو الأمر الذي أكد هذا العرف والالتزام به.

وقد يرى البعض أن خروج منصب الأمين العام عن مصر فيه شيء من عدم تقدير للظروف التي تمر بها مصر والثورة المتميزة التي حدثت فيها وتفاعلت معها كل الدول العربية، بما في ذلك دولة قطر الشقيقة. وهنا يجب أن أؤكد أن قطر هي دولة داعمة لمصر، عكس ما يشاع عن وجود خلافات، فالخلافات بين مصر وقطر كانت مجرد خلافات «شخصية» انتهت بزوال النظام السابق.

* وبل قرار ترشيحك بترحيب في الأوساط السياسية والدبلوماسية المصرية، لكن في المقابل أبدى عدد من شباب الثورة امتعاضهم من القرار باعتبارك أحد المسؤولين في نظام مبارك السابق وعملت معه لسنوات كثيرة.. كيف تفسر ذلك وردك عليه؟

- أرفض اتهام نسبتي لنظام مبارك السابق جملة وتفصيلا، فلقد انتهى تعاملي مع هذا النظام عندما تركت مؤسسة الرئاسة كسكرتير مبارك للمعلومات منذ 20 عاما، ولم أشغل أي منصب أو موقع عام في الأمانة العامة أو أمانة السياسيات في الحزب الوطني (الحاكم سابقا)، ودائما ما كان يوضع على ترشيحي «فيتو» بسبب عدم ولائي للنظام. حتى إنني فُصلت من رئاسة «لجنة مصر والعالم» في الحزب الوطني عام 2004 لأنني رفضت الذهاب إلى إسرائيل، التي لم أزرها في حياتي بسبب سياستها العدوانية في المنطقة، وبخاصة تجاه الشعب الفلسطيني. الأكثر من ذلك أن اتهامي بدخول مجلس الشعب (البرلمان) بالتزوير عام 2005 غير صحيح، فقد صدر تقرير من محكمة النقض، وهي أعلى سلطة قضائية في مصر، يؤكد عدم وجود أي شبهة تزوير. ومُنعت من الكتابة في جريدة «الأهرام» (القومية) عام 2008 بالكامل لأنني اتخذت مواقفا معارضا للنظام، وكل كتاباتي في الصحف وحواراتي مع وسائل الإعلام تدل على توجهاتي السياسية المعادية للنظام السابق التي كنت أدافع فيها عن الشعب.

* وماذا عن موقفك من ثورة 25 يناير؟

- لقد أيدت الثورة من اليوم الأول لها بلا تردد وبشكل علني، وحواراتي على القنوات الفضائيات أثناء بقاء مبارك في السلطة تثبت ذلك، ولو استمر نظام مبارك حتى الآن لكانت «عقوبتي شديدة». أقلها أنه من المستحيل أن يتم ترشيحي في منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية أو غيره.

* ما هي خطة مصطفى الفقي القادمة للتحرك لنيل المنصب؟

- هناك الكثير من التحركات الدبلوماسية التي أسعى من خلالها إلى تقديم نفسي كمرشح عربي. وهناك زيارة رئيس وزراء مصر الدكتور عصام شرف ووزير الخارجية الدكتور نبيل العربي للدول الخليجية خلال الـ10 أيام المقبلة، وأرجو أن يتم التحدث فيها بشأن دعم المرشح المصري من الأشقاء.

* كيف ترى مستقبل الجامعة العربية ودورها حال فوزك بهذا المنصب؟

- أتوقع، بل أعتزم، أن يكون للجامعة العربية في المستقبل دور تنويري يركز على التعليم والثقافة ووسائل الاتصال وشبكات الكهرباء والطرق وغيرها من الجوانب التي تمس حياة المواطن العربي العادي واليومية. أما بالنسبة للسياسة، فإنني إذا توليت هذا المنصب فسوف أسعى بكل موضوعية وتجرد إلى التوفيق بين وجهات النظر المختلفة والوصول الدائم إلى توافق عربي من أجل تدعيم العمل العربي المشترك مع التمسك بالثوابت القومية وفتح الأبواب في التعامل مع المنظمات والمؤسسات الدولية. فالجامعة منظمة عربية تسبق في عمرها منظمة الأمم المتحدة ذاتها، وسوف نبني على ما قام به السابقون، واضعين في الاعتبار أن الأمين العام هو رئيس جهاز الأمانة العامة ويلعب دورا سياسيا في هذا الإطار.

* البعض ينظر إلى الأمين العام للجامعة على أنه مجرد سكرتير 22 دولة، وليس في يده الصلاحيات الكافية لاتخاذ مواقف قوية، وأنه انعكاس للسياسة الخارجية «الضعيفة» لهذه الدول؟

- يجب أن يوضع في الاعتبار أن الجامعة العربية لا تنهض وحدها كمؤسسة، بل بإرادة 22 دولة عضوا فيها، وهم الذين يحددون فاعلية دورها أو خطوط مواقفها لأنها محصلة لإرادة الدول العربية، ولأنها منظمة دول بالدرجة الأولى، لكننا سوف نسعى بكل قوة وجهد للوصول إلى صوت الشارع العربي والاستماع لإرادة الأجيال الشابة الجيدة التي بدت واضحة الآن في كثير من الأقطار العربية، وأصبح صوتها مسموعا. وفي الوقت نفسه سوف تحترم الجامعة السيادة الوطنية لكل دولة تحت مظلة الروح القومية الشاملة. الجامعة العربية هي منظمة تعبر عن الإرادة العربية، أو بالأحرى هي مجموع إرادات الدول العربية، وما تراه هذه الدول هو ما يجب أن يخرج إلى أرض الواقع.

* طرح الأمين الحالي للجامعة، عمرو موسى، فكرة إنشاء رابطة جوار عربي تضم إيران وتركيا، ما هي رؤيتك لهذا الطرح؟ وكيف ترى التعامل العربي الأمثل مع إيران في ضوء تدخلاتها في المنطقة؟

- رابطة جوار عربي مع الدول المجاورة أمر يحتاج إلى توافق عربي شامل ودراسة متأنية، خصوصا في ضوء توجهات إيران السياسية ودورها الحالي في المنطقة، الذي بدأ من المواجهة في البحرين والوضع في لبنان، آخذين في الاعتبار أن إيران يجب أن تكون قوة مضافة للجهد العربي وليست خصما منه.

كما أن الدبلوماسية التركية تستحق التشجيع في بعض التوجهات، وبخاصة في السنوات الأخيرة، بالإضافة إلى أن العلاقات العربية - الأفريقية تحتاج إلى اهتمام كبير، خصوصا في نقاط التماس في جنوب السودان وشرق أفريقيا والساحل الغربي للبحر الأحمر. أنا من دعاة إقامة علاقات جيدة مع دول التخوم العربية بشرط الاحترام المتبادل للسيادة القومية في ما بينها. وأعلم أن إيران لها أجندة إقليمية، ولا بأس من ذلك بشرط أن لا يكون فيها مساس بسيادة أي دولة عربية ودورها القومي، خصوصا أن الدين الإسلامي رابطة فوقية تجمع كل الأطراف.

* في ضوء التغيرات الكبيرة التي يشهدها العالم العربي حاليا، من ثورات وتغييرات في الأنظمة الحاكمة، كيف ترى انعكاس ذلك على قرارات الجامعة؟

- يجب أن نضع في الاعتبار أن الواقع العربي العام قد تغير نتيجة التغيرات التي حدثت في نظم الحكم في عدد من الدول العربية الكبيرة، بشكل أصبح فيه وضع الحكومات في هذه الدول مطابقا إلى حد كبير مع إرادة الشعوب فيها، وبالتالي فإن الجامعة سوف تأخذ – بالطبع - شكلا من فيه استيعاب للبيئة الشعبية العامة، يعكس خصوصية بعض الأقطار العربية التي يجب احترامها، فالتعميم أمر صعب.. مصر بالفعل ليست تونس، والمغرب ليست البحرين وليست كحالة العراق. كل دولة لها خصوصية، لكن على كل حال فإن العمل العربي المشترك قد يختلف في هذه المرحلة.

لكن يجب أن لا ننسى أن الجامعة العربية هي جامعة دول تتعامل مع منظمات رسمية حكومية، لكن هذا يدعونا إلى التفكير في المرحلة المقبلة بالاهتمام بمنظمات المجتمع المدني العربي، فكما قال الأمين العام السابق للأمم المتحدة، كوفي أنان: «إن العولمة تعني التفاعل بين مجموعة من هيئات المجتمعات المدنية وجهودها في مختلف أنحاء العالم». وبالتالي سوف أسعى إلى تحسس مشاعر الشعوب العربية والعمل على تحقيق مطالبها من خلال التفاعل مع هذه المنظمات المدنية.

* هناك خلافات عربية - عربية برزت على السطح في الفترة الماضية، بعضها انتهى والبعض ما زال عالقا، كيف ترى التعامل معها؟

- لا يخفى على أحد أن الخلافات العربية البينية قائمة، وهناك قدر من الحساسيات بين بعض الدول، لكن يجب أن تعالج مثل هذه الأمور عن طريق الدبلوماسية الهادئة والحوار الهادئ بين الدول العربية. وقد يتقدم الأمين العام بمبادرات منه لحل الأزمات والخلافات العربية الموجودة، أو يقوم بذلك بتفويض من مجلس الجامعة، كما في حالة لبنان، وتكليف عمرو موسى بذلك، لكن في كل الأحوال يجب موافقة هذه الأطراف، وأن تكون هناك إرادة عربية لحل هذه الأمور، عندها سيصبح دور الأمين العام مساعدا ومحفزا.

ويبقى أن نشير إلى أن الجامعة العربية لا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، إلا إذا طلبت هذه الدول التدخل، أو كانت هناك إرادة جماعية عربية للتدخل، بسبب وضع ما خطير أو أزمة كبيرة تمر بها هذه الدولة يجب الإسراع في معالجتها واتخاذ موقف جماعي.

* أثبتت تجربة دخول قوات «درع الجزيرة» البحرين مؤخرا نجاعتها في عودة الاستقرار إلى المملكة، هل يمكن إعادة النظر في اتفاقية الدفاع المشترك العربي من حيث تفعيلها ووقف التدخلات الدولية في المنطقة؟

- ليتنا نعمل على ذلك، لقد أثبتت قوات «درع الجزيرة» أهميتها عندما تدخلت في البحرين بتوافق خليجي وبموافقة وطلب من البحرين نفسها، وعملت على حماية هذه الدولة من الأخطار التي تهددها ومن التدخلات الإيرانية الكبيرة، من أجل الحفاظ على هويتها العربية. وأنا أؤيد تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي بين الدول العربية، وأن تكون هناك إرادة عربية موحدة للتعاون لصد أي مخاطر تحيط بالدول العربية.

* هناك خطط عربية مطروحة منذ فترة لتطوير جامعة الدول العربية، ومنها تحويلها إلى اتحاد عربي، ما هي رؤيتك لذلك؟

- بالتأكيد أنا أدعم أي اقتراح عربي من شأنه أن يؤدي إلى تدعيم وتفعيل العمل العربي المشترك، وفي حال توليت هذا المنصب، سوف أسعى إلى بحث كل هذه الأطروحات للوصول إلى أفضل آلية ممكنة تزيد من قوة الجامعة ودورها الإقليمي والدولي، شرط أن يجد قبولا وتوافقا من جميع الدول، وأن تكون هناك إرادة سياسية حقيقية لذلك.

* كيف ترى أن يتعامل الأمين العام مع القضية الفلسطينية ومبادرات السلام المطروحة، وعدم تجاوب إسرائيل معها؟

- لا بأس يجب أن نظل نسعى إلى السلام، وهناك بالفعل مبادرة سلام عربية مطروحة على الساحة، وقد أكد الأمين العام الحالي، عمرو موسى، أنها لن تظل دائما مطروحة. وبالتالي يجب على إسرائيل أن تعلم أننا نريد السلام ونعطي المساحة له، وعليها أن تدرك أيضا أن هناك متغيرات عربية حالية ناتجة عن الثورات وتغيير بعض القادة والحكومات، وعليها أن تتعامل معها بجدية وتستوعبها وأن تُحدث تغيرات على سياستها، وأن تتوقف على قمع الفلسطينيين وبناء المستوطنات، وأن تخطو خطوات جادة في عملية السلام، حتى يعود السلام إلى المنطقة. أما إذا استمرت في سياستها العدوانية وابتزازها، فبالتأكيد سيتوقف العرب عن فكرة طرح مبادرات السلام وسيتم اللجوء إلى المنظمات الدولية من أجل إحراج إسرائيل.