الجيش يشدد حصاره على بانياس.. وعائلات تهرب مع بداية أزمة خبز وانقطاع الكهرباء والاتصالات

استمرار دعوات التظاهر.. ومنظمة إنسانية تشكو منع الأطباء من الوصول إلى الجرحى

مؤيدون لنظام الأسد ومناهضون له يتجادلون في مظاهرة في بيروت أمس (أ.ب)
TT

شدد أمس الجيش السوري حصاره على مدنية بانياس التي بدأت تشهد أزمة خبز بسبب انقطاع التيار الكهربائي الذي عطل عمل المخابز، بحسب ما أكد ناشط وشهود عيان أمس لوكالة الصحافة الفرنسية. وقال أحد قادة حركة الاحتجاج، أنس الشهري، للوكالة إن «قوات الأمن والجيش ما زالت تحاصر المدينة. هناك تضييق غير طبيعي بالحصار ونحن لا ندري ماذا يحضرون لنا». وأشار إلى «نقص في الخبز في المدينة وإلى انقطاع التيار الكهربائي وانعدام الاتصالات الهاتفية في أغلب الأحيان».

ونقلت الوكالة عن شاهد آخر يدعى عبد الباسط (فني كهرباء) أن «الوضع صعب للغاية؛ لقد انسحب الجيش من داخل المدينة ليتمركز عند المخارج كما قامت قوات الأمن وشبيحة النظام بعدة اعتقالات». وأضاف: «المدينة تبدو ميتة، والمحلات التجارية مغلقة». وذكر أحد التجار ويدعى ياسر «أن بانياس محاصرة بالدبابات فلا أحد يمكنه الخروج أو الدخول، لقد أصبحت كالسجن». وأضاف: «لم نعد نجد خبزا في بانياس، لقد تم جلب بعض الخبز من طرطوس (40 كلم جنوب بانياس) إلا أن ذلك ليس كافيا» لافتا إلى أن «محطات الوقود أيضا مغلقة». وأكد عبد الباسط أن «من قتل عناصر الجيش هم عناصر الأمن لأنهم رفضوا تنفيذ أوامر الهجوم على المدينة». من جهته، قال الشيخ محمد وهو خطيب في أحد المساجد «لقد أخلت عدة عائلات نساءها وأطفالها إلى القرى المجاورة» مشيرا إلى أن هذه العائلات «تسكن في حي راس النبع الذي استهدفه إطلاق النار الصادر من منطقة القوز». وأكد الشيخ محمد أيضا أن «مخابز المدينة لم يعد لديها خبز».

وشهدت مدينة بانياس الأحد الماضي، يوما داميا بعد أن أطلق رجال الأمن النار على محتجين مما أدى إلى مقتل أربعة أشخاص على الأقل وجرح 22 آخرين بحسب ناشط حقوقي وشهود.

من جهتها أشارت وكالة الأنباء السورية الرسمية إلى تعرض وحدة تابعة للجيش لكمين مسلح على طريق قرب بانياس مما أدى إلى مقتل تسعة عسكريين بينهم ضابطان وإصابة العديد من الجنود بجروح.

من جهة أخرى، بثت صفحات الناشطين السوريين أمس على موقع «فيس بوك» مناشدة من أهالي بانياس لقوات الجيش للتدخل وإيقاف عصابات الشبيحة و«المتمثلة في أشخاص معروفين لدى الأهالي». وقال أحد الناشطين إن الأهالي على استعداد لكشف أسماء هؤلاء للجيش ليقبض عليهم، كما طالبوا بتمشيط مناطق - القوز وضهر محيرز والقصور - التي «يوجد فيها عناصر عصابات لا تنتمي للأهالي» وقالوا إن التيار الكهربائي مقطوع عن بانياس منذ يوم كامل والهواتف الأرضية مفصولة ويتعذر الاتصال.

كما أكدوا أن أهالي بانياس من المحتجين ليسوا على علاقة مع أي «جهة خارجية أو أي شخصية معارضة كأمثال عبد الحليم خدام ورفعت الأسد»، وقالوا: «نحن شعب أعزل يطالب بحقوقه وترد عليه تلك العصابات ومن يتبعهم بالرصاص والقناصات المحيطة بالمدينة القديمة بانياس البلد».

وفي ظل إحكام الحصار على بانياس وردت أنباء عن بدء قوات من الجيش محاصرة قرية البيضة في بانياس منذ فجر أمس، بعدما سمح لـ«الشبيحة» بالدخول إلى القرية حيث يطلقون النار بعشوائية في الشوارع مما أسفر عن جرح خمسة أشخاص على الأقل، في وقت يمنع فيه رجال الأمن سيارات الإسعاف من الوصول إلى مدخل القرية. كما يمنعون وصول أهالي بانياس لنجدة قرية البيضة مع استمرار قطع الكهرباء والاتصالات عن القرية. وقالت القناة الإخبارية السورية إن العشرات ممن سمتهم «المجموعة المسلحة الإجرامية» استسلموا في قرية البيضة دون أي تفاصيل أخرى.

وفي حدث لافت، اتصلت سيدة بقناة «بي بي سي» الناطقة بالعربية قيل إن اسمها «أم محمد» وبعد ثوان من الاتصال، راحت تصرخ «يا الله يا الله، دخلوا البيت ويبحثون عن الرجال ولم تتوقف عن الصراخ رعبا» لخمس دقائق كاملة.. فيما ظل المذيع يحاول التواصل معها، بلا جدوى.

وفي درعا، قالت القناة الإخبارية السورية ظهر أمس إن هناك تحركات في محيط الجامع العمري. وفيما تحدثت مصادر محلية عن انتشار أمني كثيف في درعا المحطة وحواجز أمنية للقبض على المطلوبين وإطلاق نار متقطع أمس، أعلن في درعا عن استشهاد محمد عبد الرزاق الشرع. وبحسب المصادر فإنه تم إطلاق النار عليه بعد إدخاله إلى المشفى الوطني وكانت إصابته متوسطة، مع الإشارة إلى أن والده هو ابن عم فاروق الشرع نائب رئيس الجمهورية. ولم يتم التأكد من هذه المعلومات. وأكد شهود عيان من درعا لقنوات فضائية استمرار خروج المظاهرات الاحتجاجية ويوم أمس خرج الشباب في درعا وهتفوا لنصرة بانياس في تجمع كبير شهدته ساحة الكرامة. وفي حمص، نفت جريدة «الوطن» السورية ما قيل عن قيام أشخاص من لجنة شعبية في حمص بإطلاق النار على شاحنة خضار كانت في اتجاهها إلى سوق الهال لإيصال الخضار وأسفر هذا الحادث عن مقتل ثلاثة أشخاص من ركاب الشاحنة. وقالت الجريدة: «أكد مراسلنا في حمص أن الخبر غير دقيق وأن الأسماء الواردة فيه قد تكون حقيقية ولكنها وقعت ضحية حادث آخر، وأنه بعد الاتصال مع الجهات المعنية ذات الصلة باللجان الشعبية لم يثبت صحته، وقد نفت المصادر هذا الخبر، وهو أمر أكدته بدورها لجنة تنسيق هذه اللجنة وهي اللجنة التي يتم الاتصال بها عند تعرض هذه اللجان لأي مشكلة وبالتالي هي على اطلاع بكافة الأخبار والتفاصيل».

وفي هذه الأثناء، استمرت الدعوات إلى الخروج ليل أمس في مظاهرات احتجاجية مسائية، في مختلف أنحاء البلاد، في حين دعت مجموعات سورية أخرى وعبر موقع «فيس بوك» لإطلاق بالونات من نوافذ البيوت وأسطح المباني صباح اليوم، تكتب عليها شعارات تطالب بالحرية، «في محاولة لجعل البلاد تستيقظ على فرح الصغار وبراءتهم التي هي براءة الاحتجاجات السلمية المنادية بالحرية في سورية»، بحسب تعبير المجموعات صاحبة الدعوة.

إلى ذلك، أفادت منظمة هيومن رايتس ووتش بأن قوات الأمن السورية منعت الطواقم الطبية في مدينتين على الأقل من الوصول لمعالجة الجرحى من المتظاهرين حين اندلعت مواجهات خلال مظاهرات مناهضة للحكومة الأسبوع الماضي. وقالت المجموعة التي يوجد مقرها في نيويورك إن المنع «غير الإنساني» و«غير المشروع» لوصول الطواقم الطبية حصل في مدينة درعا (جنوب) التي شهدت موجة احتجاجات ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد! وحرستا قرب دمشق. وقالت ساره لي ويتسون مديرة هيومن رايتس ووتش لـ«الشرق الأوسط» إن «منع الناس من العناية الطبية اللازمة يسبب معاناة خطيرة أو حتى أذى لا يمكن إصلاحه». وأضافت أن «منع الناس المصابين من علاج طبي ضروري أو يمكن أن ينقذ حياتهم هو أمر غير إنساني وغير شرعي».

وقالت منظمة «هيومن رايتس ووتش» المدافعة عن حقوق الإنسان إنها استقت معلوماتها من أطباء وكذلك من متظاهرين مصابين وأقربائهم في درعا وحرستا وبلدة دوما. وقالت ويتسون إن «قادة سورية يتحدثون عن الإصلاح السياسي لكنهم يجابهون بالرصاص مطالب شعبهم المشروعة بالإصلاح». وأضافت المنظمة أنه يوم الجمعة الماضي، غادر نحو ألفي متظاهر المسجد الرئيسي بعد صلاة الجمعة حاملين أغصان الزيتون أيضا. وقال متظاهرون إنهم قوبلوا بمجموعة كبرى من قوات الأمن تغلق الطريق، وتبادل الطرفان رشق الحجارة وأضافوا أن رجالا باللباس المدني قدموا فجأة من شارع فرعي وفتحوا النار برشاشات الكلاشنيكوف من دون سابق إنذار. وقال طبيبان لمنظمة هيومن رايتس ووتش إن كلا منهما عالج أربعة مصابين من المتظاهرين في حرستا. وأضافا أنه كان من المتعذر نقل المصابين إلى المستشفى لأنه كان مطوقا من قبل قوات الأمن.

وقال طبيب: «كنت في المستشفى بعد الظهر حين بدأت أتلقى اتصالات من أشخاص يطلبون المساعدة». وأضاف: «أعرف أنه لم يمكن نقل الجرحى لأن المستشفى كان محاصرا من قبل قوات الأمن. كما لم نتمكن من إرسال سيارة إسعاف خوفا من أن تعمد قوات الأمن لإطلاق النار كما حصل في أماكن أخرى». وتابع الطبيب أنه هرع إلى منازل نقل إليها المسعفون الجرحى، وقال: «لم أتمكن من أخذ تجهيزات أساسية أو معدات! أخذت معي الأشياء الأساسية فقط».

وأوضح: «الجروح كانت بالغة ولم يكن لدينا تجهيزات لعلاجها، وفي إحدى الحالات كان علينا فحص جرح بواسطة ملعقة معدنية لمعرفة مدى عمق الرصاصة». وقال طبيب آخر إن خمسة متظاهرين مصابين بالرصاص نقلوا إلى المنزل الذي كان فيه، وإنه علم بأن ستة منازل أخرى على الأقل كان فيها أطباء يعالجون المصابين.