توتر في جامعة دمشق وانتشار كثيف للأمن داخل الصفوف.. واتحاد الطلبة يقوم بمهمة محاصرة المحتجين

كلية العلوم تعيد السياسة إلى الجامعات السورية

TT

سادت أمس أجواء من التوتر في جامعة دمشق على خلفية الاحتجاجات التي شهدتها يوم أول من أمس، وقال طلاب في كلية العلوم إن عناصر الأمن انتشروا بكثافة في الكلية ومحيطها، وعناصر كثر منهم حضروا الدروس في قاعات المحاضرات. كما سخر ناشطون على موقع «فيس بوك» الاجتماعي، من هذا التطور بالقول: «لقد جعلناهم على مدار الأسبوع معنا يصلون جماعة، ويحضرون خطبة الجمعة والآن يتعلمون معنا في الجامعة»، آملا أن «يجعلهم ذلك يتحضرون في تعاملهم مع المحتجين».

من جانبه، نفى عميد كلية العلوم في جامعة دمشق محمد سعيد محاسني ما أوردته بعض وسائل الإعلام عن مقتل طالب خلال مظاهرة لعدد من طلاب الكلية، وقال إن «هذه الأنباء عارية عن الصحة تماما». وأضاف الدكتور محاسني في تصريح نشرته وكالة الأنباء السورية (سانا) بعد ساعات من الاحتجاج الذي شهدته كلية العلوم يوم أول من أمس: «إن مجموعة من الطلاب احتشدوا أمس أمام مبنى الكلية وهتفوا بالشعارات الوطنية معبرين عن دعمهم لعملية الإصلاح الشاملة بقيادة السيد الرئيس بشار الأسد ورفضهم واستنكارهم لمحاولات إثارة الفوضى وزعزعة الأمن والاستقرار الذي تنعم به سورية».

وأكد ناشطون على صفحات «فيس بوك» مقتل الطالب فادي العيسمي في كلية العلوم جامعة دمشق سنة رابعة وهو من أهالي درعا، كما أكدوا جرح واعتقال آخرين في حرم الجامعة.

ويعد الاحتجاج الذي شهدته كلية العلوم في جامعة دمشق هو الأول من نوعه منذ استولى حزب البعث على السلطة ومن ثم احتكاره للعمل السياسي ضمن شرائح الشباب، عبر ميثاق الأحزاب المنضوية تحت راية الحزب الحاكم، (الجبهة الوطنية التقدمية) الذي يقر بقيادة حزب البعث للدولة والمجتمع، وبالتالي تخلي الأحزاب عن نشاطها السياسي في المدارس والجامعات، ومنع نشاطها الإعلامي في الشارع العام. ومع أنه في عام 2000، وبعد إطلاق الرئيس بشار الأسد برنامج الإصلاح سمح لأحزاب الجبهة بإصدار صحف وطرحها في السوق، ووضع لوحات إعلانية على أبواب مقراتها في مختلف أنحاء البلاد، إلا أن نشاطها ضمن الجامعات ظل محظورا. واستأثر الاتحاد الوطني لطلبة سورية التابع لحزب البعث بمهمة تنظيم الشباب في صفوف البعث. وهكذا تم إقصاء شرائح الشباب عن الهم السياسي العام ما عدا الذين قبلوا الانضمام للحزب ليس إيمانا بمعتقداته وأفكاره بقدر ما هو طمع في الامتيازات التي يمنحها الحزب الحاكم عادة في ظل الأنظمة الشمولية.

والاتحاد الوطني لطلبة سورية الذي يعتبر منظمة شعبية جماهيرية سورية يعمل على تنظيم الطلبة في الجامعات والأكاديميات والمعاهد العليا والمتوسطة وما في حكمها وإعدادهم من أجل تحقيق أهداف حزب البعث والتي هي «الوحدة والحرية والاشتراكية وتقديم الخدمات اللازمة للطلبة السوريين في كل مكان». وللاتحاد الذي مقره دمشق عدة فروع في الجامعات السورية في كافة المحافظات السورية وفي البلدان العربية والأجنبية التي يدرس فيها الطلبة السوريون.

ويعد المؤتمر الطلابي العربي السوري الأول الذي انعقد بتاريخ في 30 مارس (آذار) 1950، بتخطيط من حافظ الأسد، والذي كان حينها طالبا، المنطلق الذي تم البناء عليه لتأسيس الاتحاد الوطني لطلبة سورية. كما اعتبر تاريخ انعقاد هذا المؤتمر عيدا للطالب العربي السوري، ويتم الاحتفال به في كل عام. ومنذ تولى اتحاد الطلبة في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد زمام تنظيم الشباب في الجامعات، لم تعد الجامعات السورية تشهد سوى مسيرات تأييد قيادة البعث وتمجيد القائد، مستفيدين بذلك من التجربة السوفياتية، في تأطير وتعبئة جماهير الشباب.

إلا أنه ومع بداية ظهور معارضة في الشارع السوري بداية العقد الحالي، بدا أن دورا جديدا سيناط باتحاد الطلبة غير النشاط الاجتماعي الذي يقوم به من خلال تنظيم معسكرات إنتاجية أو لحملات التطوع المجاني للنظافة والترميم وزراعة الياسمين، إذ بات مناطا به القيام بقمع أي مظاهرة احتجاجية أو اعتصام مهما كان صغيرا في الشارع من خلال تنظيم مظاهرة حاشدة تبتلع الاعتصام. وقد مورس هذا النشاط مرة واحدة من عدة سنوات أمام القصر العدلي لفض اعتصام نظمته المعارضة ولم يتكرر، إلى أن عاد وبرز يوم أول من أمس الاثنين مع خروج طلاب في كلية العلوم تنادي بالحرية ونصرة درعا وبانياس. إذ ليس هناك ما هو أسهل من قيام رئيس اتحاد الطلاب عمار ساعاتي الملقب بـ«الطالب المزمن» لبقائه في منصبه لثلاث دورات متتالية، بتنظيم مسيرة طلابية حاشدة بمجرد دعوة الطلاب من سكان المدينة الجامعية للنزول إلى الشارع والهتاف «بالروح بالدم نفديك يا بشار» أو دعوة طلاب أي جامعة من الجامعات السورية المتوزعة في كافة أنحاء البلاد للخروج بمسيرات تسد الشوارع، وأخرى في مختلف أنحاء العالم حيث تتوزع فروع الاتحاد، طالما أن الحصول على وثيقة تخرج من أي كلية مرهون بحصول الطالب على وثيقة المشاركة في المعسكرات الإنتاجية التي يتولى الاتحاد أمر تنظيمها في مختلف الكليات ما عدا الآداب والعلوم الإنسانية التي لا تحتاج لمعسكر إنتاجي.

هذا بالنسبة للجامعات، أما فيما يتعلق بالمدارس فإن الحزب الحاكم أنشأ لها منظمة طلائع البعث وتتولى عملية تنظيم الأطفال في المدارس الابتدائية، وما زال نشاطها ساريا في المدارس الحكومية فقط. وكذلك منظمة الشبيبة التي تستهدف طلاب مرحلتي التعليم الإعدادي والثانوي، ويتم من خلال هاتين المنظمتين تشريب الأجيال السورية الصاعدة مبادئ الحزب منذ الصغر، ليكون كالنقش على الحجر، رغم أن السياسات الاقتصادية وانعكاساتها على نمط الحياة الاجتماعية التي انتهجها الرئيس بشار الأسد تتناقض مع تلك المبادئ التي كرست بالتآزر مع ثقافة الخوف لدى غالبية السوريين ممن ولدوا في ظل الحزب الحاكم أنه لا يوجد فكر وتنظيم سوى الأفكار القادمة من نافذة المنظمات الشعبية الرديفة للحزب. وأن تلك المؤسسات هي الوحيدة القادرة على البقاء والديمومة وكل ما عداها إما خطر أو بلا جدوى، إلى أن حل عصر الفضائيات ومن ثم الإنترنت وثورة الاتصال والمعلومات الذي كسر الاحتكار ومهد الطريق نحو كسر تلك الأطر واستعادة الشباب لدورهم السياسي، بل إعادة السياسة إلى الشارع بعد عقود من التغييب والتهميش.

ولم يعد هناك أي تأثير في حركة الشارع لأحزاب الجبهة التي يقال إنها تضم «القوى الوطنية والتقدمية في سورية بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي» المشكلة منذ 1972 بهدف «حشد الطاقات التقدمية، والشعبية، ووضعها في خدمة المعركة» حيث تم التوقيع على ميثاق للجبهة يعترف بوجودها دستوريا من خلال المادة 8 من الدستور التي تنص على أن «حزب البعث العربي الاشتراكي يقود جبهة وطنية تقدمية تعمل على توحيد طاقات الشعب ووضعها في خدمة أهداف الأمة العربية». ومن أهم ما جاء في الميثاق «اعتبار أن الطلاب هم جيل المستقبل ومن الواجب تهيئة أحسن الشروط لتحقيق وحدة إرادتهم واتجاهاتهم»، وأنه «لا بد من أجل الوصول إلى هذا الهدف من أن ينتهي التنافس الحزبي في أوساطهم. لذلك فإن أطراف الجبهة غير البعثية تتعهد بالعمل على وقف نشاطاتها التنظيمية والتوجيهية في هذا القطاع».