إعلام «8 آذار» يجيش ثوار العالم العربي.. ويساند النظام السوري

دمشق تستغل نفوذها السياسي لبنانيا بالضغط على حلفائها لـ«تصويب» مسار التغطية

TT

مع اندلاع الثورة في ليبيا تحولت بعض وسائل الإعلام اللبنانية أداة أساسية لتجييش الجماهير ضد القذافي الذي كان يحتفظ - حتى زمن ليس ببعيد - بـ«أصدقاء» كثر في الإعلام اللبناني. الانقلاب الأبيض لوسائل الإعلام هذه قابله تراخ إلى أبعد الحدود ومحاولات يائسة لإثبات حياد خرقته صور وكلمات انتقاها القيمون على مؤسسات 8 آذار الإعلامية لدعم ومساندة النظام في سورية في وجه المعترضين.

بالأمس القريب خرج تلفزيون «الجديد» بمقدمة نشرته الإخبارية وبصراحة مطلقة ليطالب الرئيس السوري «بفتح حدود الداخل على كل أشكال الحرية، في التظاهر وعدم الوقوف عند بضعة آلاف بينما يملك الأسد الملايين التي أحبته وتسعى لفدائه والدفاع عنه»، ليتابع مستنتجا: «ليس من مصلحة قومي عروبي تجري دماء الوطنية في عروقه أن يسقط النظام الذي حمى الخط المقاوم والذي فتح حدوده عام ألفين وستة للمقاومة اللبنانية، يوم كان وزير الدفاع اللبناني نفسه يترصد ويقبض على شاحنات الإمداد، أعطانا هذا النظام قوة صمود في عدوان تموز، وكلنا اختبر نخوة العرب حين أغلق حسني مبارك معبر رفح في ظروف مشابهة مع أبناء غزة».

تلفزيونات «الجديد» و«المنار» (التابع لحزب الله) والـ«إن بي إن» (التابع لحركة أمل) التي كانت رائدة في تغطية أحداث ليبية والتي اعتمدت بثا مباشرا وفتحت هواءها للجماهير والثوار، أغلقت كل النوافذ التي تطل على ثوار دمشق، فاكتفت ببث مشاهد نقلتها بعض الوكالات العالمية وباعتماد الأخبار التي خرجت بها وكالة «سانا» السورية الرسمية.

وفي هذا الإطار، يقول مدير الأخبار في تلفزيون الـ«إن بي إن» قاسم سويد: «نحن نحاول تغطية الأحداث ومجريات الأمور في سورية كما تصلنا. وما يرد من هناك يؤكد أن ما يجري ليس ثورة شعبية مماثلة لما حصل في باقي الدول العربية بل محاولات لاستهداف النظام»، مشددا وفي اتصال مع «الشرق الأوسط»، على أن «التلفزيون ينقل ومن دمشق آراء سوريين مستقلين كما يضيء على المطالب السورية المحقة» متحدثا عن «أيدٍ خفية تعبث في الأمن السوري». وعن سبب عدم نقل الأحداث مباشرة من الشارع السوري قال سويد: «أرسلنا منذ فترة فريق عمل إلى دمشق وقد عرضنا للوقائع هناك».

الصراع بين الرغبة بالانضمام إلى صفوف الثوار والنفوذ السوري في لبنان الذي يقيد أي إمكانية مماثلة، طفا إلى العلن مع ارتباك عدد كبير من القيمين على مؤسسات إعلامية تابعة لقوى 8 آذار اتصلنا بهم، تهربوا من الحديث عن الموضوع. التغاضي عن الإضاءة الشاملة على ما يحصل في سورية، استراتيجية يتبعها عدد من وسائل إعلام الأكثرية الجديدة، فتلفزيون «المنار» غيب الملف السوري عن مقدمة نشرته أول من أمس، علما بأنه كان الملف الذي تصدر باقي النشرات الإخبارية على باقي المحطات اللبنانية مع تفاقم الأحداث وخاصة في مدينة بانياس وفي جامعة دمشق. في هذا اليوم خرجت الـ«إن بي إن» بمقدمة قالت فيها: «تبقى الأوضاع في سورية على رأس سلم الأولويات والمتابعة في المنطقة في ظل مضي الرئيس السوري بشار الأسد ومن خلفه الشعب السوري في طريق الإصلاحات والتمسك بالوحدة الوطنية رغم مشروع الفتنة المدبرة التي كانت آخر تجلياتها ما حصل في بانياس. فتنة جوبهت بتمسك السوريين بقيادتهم ووحدتهم الوطنية».

إلى ذلك، كشف مصدر موثوق في إحدى محطات التلفزة اللبنانية المحسوبة على 8 آذار لـ«الشرق الأوسط»، أنهم «ومع انطلاق التحركات في سورية أظهروا بعض التعاطف مع الثوار إلى أن تلقوا اتصالات من قيادات سورية كبيرة مارست ضغوطات على أكثر من مستوى لتغيير النهج في التعاطي مع الملف السوري».. وهذا ما حصل.

رضوخ وسائل إعلام الأكثرية الجديدة لهكذا ضغوطات ليس بالأمر المستغرب بسبب العلاقة الوثيقة للقيمين عليها بالنظام السوري أو بحلفاء هذا النظام في لبنان، أما عدم استثمار وسائل إعلام قوى 14 آذار لأحداث سورية لمصلحتها فهو بالأمر المستغرب. وهنا يشرح أحد القيمين على هذه الوسائل، والذي فضل عدم الكشف عن اسمه، أنه «يجب حفظ خط العودة خاصة أن لا مؤشرات توحي بسقوط النظام في سورية ولأن السياسة اللبنانية أبعد ما يكون عن مسلمات لا رجوع عنها فلماذا تسليم أنفسنا ككبش محرقة فيما يمكننا مزاولة مهنتنا بحيادية وحرفية عالية».