عبد المجيد الحبيبي لـ «الشرق الأوسط»: لسنا أوصياء على الدين.. ونرفض العنف بكافة أشكاله

القيادي في حزب التحرير الإسلامي التونسي غير المرخص له: قرار عدم الترخيص كان جاهزا منذ الإطاحة بالرئيس السابق

عبد المجيد الحبيبي («الشرق الأوسط»)
TT

فاجأ حزب التحرير الإسلامي الشارع التونسي وهو يتحدث عن إقامة الخلافة وحل الأحزاب السياسية والتراجع عن الدستور، في حين كانت فئات سياسية أخرى تتنازع حول مسألة فصل الدين عن السياسة، وفصل الدين عن الدولة، فبدا أن الحزب في واد وبقية الأحزاب والمنظمات في واد ثان.

تعليقات كثيرة رافقت التصريحات التي أدلى بها قياديو الحزب حول الواقع السياسي التونسي بعد الإطاحة بنظام الرئيس زين العابدين بن علي، ولكن من الواضح أن لحزب التحرير رؤية خاصة لعالم السياسة التي يرى أنها عالم ملوث، وأن دعوته موجهة لعموم الناس، وهو ليس وصيا على التونسيين، وأنه يود فقط فتح الأبواب للتحاور والإقناع. وقال الحزب كذلك في أكثر من مناسبة إن الطريق الوحيد الموصل إلى السلطة هو الشعب، وأنه ينبذ العنف بجميع أشكاله، لكن كل ذلك لم يشفع له في وزارة الداخلية التونسية التي رفضت الترخيص له، وكان ذلك أسرع إجابة حصل عليها حزب تونسي بعد 14 يناير (كانون الثاني). «الشرق الأوسط» التقت عبد المجيد الحبيبي، رئيس المكتب السياسي لحزب التحرير الإسلامي، وأجرت معه حوارا قدم من خلاله توضيحات حول نظام الحكم والوضع السياسي بعد الثورة.

وفي ما يلي نص الحوار...

* أثارت تصريحات حزب التحرير الإسلامي في أول مؤتمر صحافي عقدتموه بالعاصمة التونسية، الكثير من الانتقادات، وأسالت الكثير من الحبر، ما تعليقكم على ذلك؟

- دعني في البداية أوضح أن حزبنا بدأ النشاط الفعلي منذ أواخر عقد السبعينات من القرن الماضي، وعانى الكثير من قمع السلطات القائمة، سواء في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة أو في عهد بن علي. كما أن حزب التحرير الإسلامي يعاني من القمع الإعلامي، فمختلف الفضاءات الإعلامية مغلقة في وجهه، مع أننا لا نجري البتة وراء الدعاية. أما في ما يخص ردود الفعل حول تصريحات قيادات الحزب وتأكيدهم على ضرورة إقامة الخلافة وتطبيق الشرع، فهذا يدخل في باب سوء الفهم لا غير، فمن الواضح أن عقليات التونسيين لم تتغير كثيرا بعد ثورة 14 يناير الماضي، وأن تلك العقليات لم تسمح بالانفتاح على مختلف الآراء.

* ولكنكم صدمتم التونسيين من خلال تصريحاتكم بالاستغناء عن الأحزاب، والتراجع عن الديمقراطية والدعوة لإرجاع الخلافة، ألا ترون أن الواقع تغير، وأن الحزب مطالب بتغيير خطابه الموجه لعموم الناس؟

- هذا القول فيه أكثر من نظر. فنحن لم ندع فقط إلى الخلافة الآن، بل دعونا أيضا إلى أن يعرض كل الناس آراءهم ولا يتكلم أحد باسم الشعب. هناك أطراف تريد أن تضع هوية الشعب التونسي محل شك أو تساؤل. ونحن واضحون في هذا الباب، نحن ضد كل أشكال التشكيك في الهوية العربية الإسلامية لتونس. وحزب التحرير يدرك منذ عقود أن الرئيس الراحل بورقيبة سعى بكل الوسائل لاجتثاث تلك الهوية، وأوغل الرئيس المخلوع في العملية، محاولا تجفيف المنابع المميزة للتونسيين، مما خلق أجيالا منفصلة عن واقعها. أما في مجال الحديث عن الخلافة، فهذا الموضوع ليس فزاعة، ولماذا تريدون منا أن لا نتحدث عن وحدة تربط المسلمين مع بعضهم البعض وتجعل إمكاناتهم في خدمة المسلمين؟ نحن ندرك مغزى الخوف من الخلافة التي يصورها الغرب والمختصون في التاريخ على أساس الرجوع بالناس إلى العصور الوسطى، متحدثين عن الظلامية والقروسطية، ولكن هذا الحديث ينسجم مع الغرب، وليس مع المسلمين. عامة الناس ليست على دراية بالتاريخ، إذ عندما كانت الأندلس منارة في العالم، الشوارع مبلطة والأنهج منارة، كانت باريس بالقرب منها تدب في عصور الظلام. الخلافة يتصورها الناس طرطورا وجواري وهي صورة كاريكاتيرية بعيدة عن الإسلام وأهله، ولا بد من توضيحها للناس.

* لكن كما ترى هناك نقاشات معمقة بين السياسيين ودعوات لفصل الدين عن السياسة، ما موقفكم من هذا الموضوع؟

- مسألة فصل الدين عن السياسة قضية مغلوطة. فالدين الإسلامي ليس لنا فيه رجال دين ولا بابوات ولا أحبار وليست لنا شخصيات مقدسة ولا صكوك غفران. وعندما نتحدث عن الداعين إلى العلمانية واللائكية، فهؤلاء قلة قليلة لا تمثل الشعب التونسي، ولا يمكن أن نتركها تتحكم في مصير البلاد، علينا أن نتوجه إلى عموم التونسيين. والأكيد أن هناك الكثير من الأخطاء في فهم الإسلام الذي لا يمكن أن نقارنه ببقية الأديان. نحن ندرك من خلال التاريخ أنه منذ بداية الرسالة إلى حد سقوط الخلافة كان الحكم كله عن طريق الشرع، ولم نجد نصا خارجا عن حدود الدين، وهناك بالطبع أخطاء ونقائص على مستوى التطبيق، وهي مرتبطة بالتطبيق. فالدولة كيان ينوب عن الناس، ونحن مطالبون بإقناع الناس، والخلافة ما هي إلا مطمح أخير، وعملنا هو إفهام الناس. للتونسيين الحق في الخوف مما فعلته الكنيسة في الغرب ولكن من الخطأ الفاحش أن نقيس الدين الإسلامي بالمسيحية وغيرها من الأديان.

* وكيف تتصورون نظام الحكم إذا ما أزيلت الأحزاب، وتم التراجع عن القوانين الوضعية الحالية؟

- نظام الحكم بالنسبة لنا هو أن السلطات للشعب، والسيادة للشعب. فالشعب يختار عن طريق الانتخابات والبيعة. وهناك مجلس شورى يقع انتخابه، وهو ينوب عن الناس ويمكن أن يكون من بين أعضائه غير المسلمين. وهناك محكمة المظالم وتتركب من أكثر الناس علما واجتهادا. وهناك حراس لتطبيق الشرع وهم من يفصلون في الخلافات التي قد تحصل بين الحاكم والمحكوم، هذا إلى جانب حكام الولايات (المحافظات).

* هل تعني كل هذه التفاصيل أن لديكم بديلا سياسيا متكاملا؟

- من المؤكد أن معظم الناس لم يعيشوا مختلف هذه التفاصيل في الحكم، وهي لم تدرس في كتب التاريخ، ومعظم التسويق يتم لصورة الغرب، ولم تصل صورة الإسلام إلى العقول. بالطبع للحزب مشروع دستور جاهز، قبل قيام الحزب نفسه، ويقع تحيينه بين الفينة والأخرى.

* وكيف هي علاقة حزب التحرير الآن ببقية الأحزاب السياسية في تونس، ألم يتأثروا بدعوتكم إلى مسحهم من الخريطة؟

- علاقاتنا عادية مع كافة الأحزاب. ونحن نعتبر أن مشكلتنا ليست مع التيارات السياسية، بقدر ما هي مع السلطة القائمة. ونحن نخوض الصراع الفكري في الأساس وطرح بدائل وأفكار على الشعب التونسي، وهو الذي له مهمة الاختيار.

* ولماذا رفضت وزارة الداخلية منحكم الترخيص، إذا كان حزبكم يدعو إلى التعايش مع بقية مكونات المجتمع؟

- الغريب أن حزبنا قدم طلب الترخيص يوم الاثنين، فتم الرد عليه في ظرف خمسة أيام، أي يوم السبت، وهذا أسرع رد قدمته وزارة الداخلية حتى الآن. فبعض الأحزاب لا تزال تنتظر منذ قرابة الشهرين ولم يتم الرد عليها.

* وما تفسيرك لهذه السرعة في الإجابة؟

- الواضح أن القرار موجود وجاهز منذ الإطاحة ببن علي، وربما قبل ذلك بكثير. فحزب التحرير لا يمكن أن يحصل على التأشيرة في ظل الظروف الحالية، لأنهم يدركون أنه لا يساوم في مبادئه الأساسية. نحن نعرف أن الكثير من منخرطي الحزب مطاردون، وتفرض رقابة عليهم في مواقع العمل، وأمام مساكنهم. ونحن ممنوعون منعا باتا من الحديث مع الناس، ويقع تسويق الحزب على أساس أنه مصدر خوف حقيقي. ويبدو أن الأمور غير واضحة، فأجواء تقديم الملفات سيطرت عليها السياسة، ولم تكن أبدا عملا إداريا واضحا.

* تحدثت عن مراقبة المنخرطين في الحزب، فهل هناك محاكمات ضدهم؟

- بالطبع هناك محاكمات، وأولاها ترجع إلى سنة 1983، وآخرها في يناير 2010. وقد حكم ضدي نظام بورقيبة، كما حاكمني نظام بن علي. ولكن في عهد بورقيبة كنت سجينا سياسيا وكانت تصلني الكتب والمجلات والجرائد، أما في عهد بن علي فقد عوملت باعتباري مجرما.

* يتحدث أعضاء حزب التحرير، وكأنهم يمثلون الإسلام ويملكون الحقيقة كاملة، ألا ترى أن ذلك قد يكون مضرا بالنسبة لكم، على الأقل من الناحية السياسية؟

- نحن لا نمثل الإسلام، ولسنا أوصياء على الدين، ولا على الناس، ولكننا أصحاب رؤية للإسلام. وأسلم طريقة للتعامل مع كل الأحزاب تكون بتركها في مواجهة الشعب. أنا لا ألوم من لا يفهم حزب التحرير، ولكن عليه أن يسعى إلى التعرف الصحيح على مبادئه. نحن نؤمن بأن الطريق الوحيد الموصل للسلطة هو العمل الفكري والسياسي، أي بالإقناع والحوار حول البدائل، إذ لا يمكن التغيير في ظل الفوضى. ونحن نرفض رفضا باتا اللجوء إلى العنف بمختلف أشكاله المادية واللفظية، هذا من ناحية، ولكننا كذلك ننتقد السياسة بأشكالها الحالية التي هي عبارة عن مجموعة من السلع المغشوشة، من ناحية ثانية. إن حزب التحرير يقدم سياسيين نزهاء ومخلصين وصادقين ولا يعترفون بتلوث السياسة بشكلها الحالي وهدفهم إسعاد الناس.

* وهل يعني هذا أن السياسة كلها ملوثة في تونس؟

- نحن لا نرى فرقا كبيرا بين الأحزاب الحالية وحزب التجمع الذي كان يحكم، خاصة عندما نسمع أن بعض الأحزاب وزعت أوراقا مالية من فئة خمسين دينارا تونسيا، لجلب منخرطين جدد، فهذا يعني بالنسبة لنا تكريس الوضع القديم تحت شعارات براقة وكاذبة ومخادعة. نحن في حاجة إلى إصلاح هيكلي، فكل الناس يتحدثون عن عدم القدرة على إقامة اقتصاد وطني دون استثمارات خارجية وهذا خطأ بين، لأننا إذا عودنا الناس على الاكتفاء الذاتي، وأقنعناهم بسلامة المسار السياسي والاقتصادي، فإنهم لا محالة سيكونون قابلين لتقديم التضحيات لعشرات السنين. بإمكان الناس التعويل على الخبز الجاف من أجل الوطن، ولكن علينا أن نصارحهم وأن لا نسعى إلى طعنهم في الظهر. علينا أن نكشف الأوراق للشعب إذا أردنا أن نحكمه.