نتنياهو يقترح الانسحاب من مناطق في الضفة لإحباط الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية

يرضي المستوطنين بالموافقة على مزيد من البناء الاستيطاني

فلسطينية تحاول منع جندي اسرائيلي من اعتقال صبي في قرية عورتا شمال الضفة الغربية أمس (إ. ب. أ)
TT

في الوقت الذي تسرب فيه أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ينوي طرح خطة سلام جديدة ينسحب جيشه بموجبها من مناطق جديدة في الضفة الغربية وذلك تحسبا لأي سعي من قبل السلطة الفلسطينية لاعتراف دولي في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول) المقبل، كشف النقاب أمس عن أنه سيرفق خطته بالمصادقة على عدة مشاريع استيطان جديدة في القدس والضفة. وذكرت مصادر مقربة منه أنه يستمد التشجيع من استطلاع رأي يقول إن غالبية الأميركيين يؤيدون الموقف الإسرائيلي ضد إعلان الدولة الفلسطينية من دون اتفاق تسوية.

واعتبر أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ياسر عبد ربه، ذلك خداعا ورسالة موجهة إلى الرأي العام الدولي. وقال عبد ربه لإذاعة «صوت فلسطين» أن الجانب الإسرائيلي اعتاد على إطلاق بالونات وهمية بين الفينة والأخرى والجانب الفلسطيني لا يعطيها أي درجة من المصداقية.

وكان نتنياهو قد كشف في اجتماع مغلق مع مجموعة من سفراء الدول الأوروبية، الليلة قبل الماضية، أنه ينوي طرح خطة سلام جديدة يتم بموجبها الانسحاب الإسرائيلي من مناطق أخرى في الضفة الغربية مقابل عودة الفلسطينيين إلى المفاوضات. ومع أنه لم يحدد ماهية المناطق التي سينسحب منها، فإن مصادر مقربة منه أعربت عن تقديرها أنه سينسحب من جميع المناطق المسجلة وفق اتفاقات أوسلو بالمنطقة «بي»، وهي التي تسيطر عليها إسرائيل أمنيا لكنها خاضعة للسلطة الفلسطينية إداريا وتحويلها إلى مناطق «أ» وتحويل قسم من المنطقة «سي» (الخاضعة للسيطرة الادارية والأمنية الإسرائيلية) إلى مناطق «بي».

ولكن، وخوفا من قادة المستوطنين الذين وصفوا هذه الخطوة بأنها تسونامي سياسي، ومن حلفائه في اليمين المتطرف الذين يساندون المستوطنين، ينوي نتنياهو الإعلان في الوقت نفسه عن خطة استيطانية جديدة تصادق فيها الحكومة على عدد من مشاريع البناء الاستيطاني في القدس الشرقية المحتلة وكذلك في مستوطنات الضفة الغربية. ومن بين هذه المشاريع بناء 2000 وحدة سكنية في القدس وبناء مؤسسة تعليمية في مستوطنة إيتمار (التي شهدت عملية قتل طالت خمسة أفراد من عائلة يهودية واحدة، هم الأب والأم وثلاثة أطفال).

وبما أن الفلسطينيين يرفضون استئناف المفاوضات من دون تجميد البناء الاستيطاني فسيقترح نتنياهو عقد مؤتمر دولي للسلام في الشرق الأوسط، وهو المطلب الفلسطيني القديم الذي كانت إسرائيل ترفضه وتتجنبه باستمرار، وإطلاق المفاوضات من خلاله.

ولكن مصادر سياسية إسرائيلية ذات علاقة مع دول أوروبا والولايات المتحدة، شككت في جدوى خطة نتنياهو وقالت إنه يطرح أفكارا تكتيكية صغيرة وبائسة مقابل معركة استراتيجية كبيرة. وأضافت أن نتنياهو يبدو بهذه الأفكار منسلخا عن الواقع. ففي الغرب عموما وأوروبا بشكل خاص يستخفون بمقترحاته. ويعتقدون أن نتنياهو «رجل ميؤوس منه ولا يمكن البناء على وعوده.. وهو لا يفهم حقيقة الأجواء الإقليمية (التغيرات في العالم العربي) والدولية.. ويفاوض نفسه بنفسه ولا يأخذ بالاعتبار الطرف المعني الآخر».

وفي هذا السياق أحبطت الولايات المتحدة سعيا بريطانيا - فرنسيا - ألمانيا، لاستئناف المفاوضات على أساس تصور للحل النهائي يرتكز على إقامة دولة فلسطينية في الأراضي التي احتلت عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية مع بعض التعديلات الحدودية الطفيفة.

وتريد هذه الدول أن يقترح السكرتير العام للأمم المتحدة بان كي مون والاتحاد الأوروبي هذا النص في اجتماع اللجنة الرباعية الذي كان يفترض أن يعقد بعد غد ولكنه ألغي لأنه - حسب الأميركيين - لن يضفي مثل هذا الاجتماع جديدا. ووصف وزير الدفاع الإسرائيلي، إيهود باراك، ما يفعله نتنياهو بأنه «كمن يقف في مواجهة التسونامي بلوح خشبي». وقال إن الحملة الغربية للاعتراف بفلسطين دولة في حدود 1967 مع تعديلات طفيفة بحيث تكون القدس عاصمتها، هي بمثابة تسونامي سياسي جارف يحتاج إلى خطة سياسية مقنعة للعالم وليس خطة بائسة لا تقبلها حتى المعارضة الإسرائيلية.

وحسب صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية فإنه وحتى بعض المقربين من نتنياهو ينتقدونه على خطته ويقولون إنه لا يستوعب خطورة الهجمة السياسية السلمية في العالم. ويؤكدون أن إسرائيل ستتعرض لعزلة دولية خانقة جدا، لا يخرجها منها سوى «تصرفات فلسطينية خاطئة».

ويحاول نتنياهو فعلا البناء على «تصرفات فلسطينية خاطئة»، مثل عملية القتل في إيتمار وقصف حافلة الركاب بقذيفة فلسطينية من قطاع غزة، التي أصيب بها صبي يهودي في السادسة عشرة من العمر ما زال يعالج في ظل خطر على حياته. كما يستمد التشجيع من الموقف السياسي الأميركي، حيث إن إدارة الرئيس باراك أوباما تتعامل معه بمنتهى الحذر فلا تنتقده ولا تهاجمه علنا وتستفيد من الموقف الأوروبي الضاغط عليه. وقد جاء الإعلان عن تأجيل اجتماع الرباعية الدولية، المقرر يوم الجمعة القادم، إشارة جديدة مشجعة حيث إن الولايات المتحدة هي التي تقف وراء هذا التأجيل.

ونشرت في إسرائيل والولايات المتحدة، أمس، نتائج استطلاع رأي جديد يرفع من معنويات نتنياهو ويشجعه على المضي في سياسته الرفضية. وأجرت الاستطلاع مؤسسة «مشروع إسرائيل»، التي تدير حملات دعائية لصالح الحكومات الإسرائيلية وتدير شبكة علاقات واسعة مع الصحافة العالمية. ومما جاء في الاستطلاع، الذي أجري على عينة من 800 ناخب أميركي، أن 51 في المائة منهم يعارضون الاقتراح الأوروبي للاعتراف بدولة فلسطينية من دون اتفاق و54 في المائة يعارضون أن تصوت الولايات المتحدة إلى جانب هذا الاعتراف في الأمم المتحدة (31 في المائة يؤيدون) وأن 61 في المائة منهم يرون أن إسرائيل تبذل جهودا كبيرة للوصول إلى سلام وأن 53 في المائة يرون أن الفلسطينيين لا يبذلون جهدا كافيا لتحقيق السلام وأن 69 في المائة يؤيدون إسرائيل ويدعمون مواقفها.