العراق ينفض عن نفسه غبار الغزو ويسعى للظهور على المسرح الإقليمي

الوجود الأميركي يتراجع.. وزيباري عن مستقبل العلاقات: ما زال هناك جدل ساخن

القصر الجمهوري السابق في بغداد يستعد لاستقبال القمة العربية المرتقبة (نيويورك تايمز)
TT

وقف وزير الخارجية العراقي صباح الاثنين الماضي وسط القصر الرخامي المستدير الذي كان لصدام حسين وأصبح مركز الاحتلال الأميركي. وأشار إلى أن هذا هو المكان الذي كانت تحكم الولايات المتحدة سيطرتها عليه عندما «كانت تحاول أن تساعدنا في إدارة شؤون البلاد». وبسؤاله عن الوضع الآن، أجاب قائلا: «سيئ».

ومن المقرر أن يتم تجهيز القصر ليستضيف القمة العربية في محاولة للتفاخر تقوم بها دولة كانت في وقت من الأوقات منبوذة إقليميا ولتثبت تأثيرها في شؤون الشرق الأوسط في حين تعاني دول جوارها من اضطرابات.

وقال هوشيار زيباري، وزير الخارجية العراقي: «سيكون ذلك أمرا هاما نظرا للتغيرات الأخيرة والتطورات التاريخية التي تشهدها دول عربية أخرى. نحن مستعدون وبغداد مستعدة لاستقبال الرؤساء والقادة العرب».

ويعكس القصر، الذي كانت تعمل شركة تركية فيه على تفكيك التحصينات الأميركية ليليق بعاصمة دولة عربية عظيمة، توق العراق للتخلص من عبء الحرب والاحتلال واستعادة قدر من الثقة بالنفس.

ويعد الكشف عن تجديدات القصر يوم الاثنين الماضي في إطار جولة قام بها وزير الخارجية رمزا لتراجع نفوذ الولايات المتحدة في العراق في الوقت الذي لم تتضح فيه بعد القرارات الهامة الخاصة بمستقبل العلاقات الدبلوماسية والعسكرية بين البلدين. وقد أزيلت أكياس الرمال التي خلفها الأميركيون في القصر، لكن لا تزال هناك لافتة مكتوب عليها «مركبات السفارة الأميركية» على أحد الجدران في المدخل الخلفي للقصر. لكن لا يوجد الكثير من أثار الدمار الذي يحتاج إلى الإزالة.

ويقول منهل الصافي، كبير مسؤولي المراسم في وزارة الخارجية: «إنهم لم يفجروا القصر لأنهم كانوا يعرفون أنهم سيمكثون فيه». ومن المفترض أن هذه هي الشهور الأخيرة للقوات الأميركية في العراق كما قال الرئيس باراك أوباما في يناير (كانون الثاني) في خطاب حالة الاتحاد. كذلك أكد الرئيس الأميركي على ذلك في خطابه عن ليبيا الشهر الماضي، حيث أوضح أن القوات الأميركية «سوف تترك العراق لأهله». لكن مثلما تشير الأحداث التي شهدتها السنوات الثماني الأخيرة، لا يحدث أي شيء بهذه البساطة.

وفي زيارة قام بها روبرت غيتس، وزير الدفاع الأميركي، الأسبوع الماضي تطرق إلى موضوع يعد مثار الأحاديث في أزقة مدينة الصدر، وهو التمزق العرقي في الشمال حيث يتنافس العرب والأكراد على الأرض والنفط، وكذلك في الأحاديث بين الصحافيين والدبلوماسيين. ومن النادر أن يشير مسؤولون أميركيون علنا إلى احتمال بقاء بعض القوات في العراق بعد الانسحاب لحاجة البلد إليهم في حماية حدودها ومجالها الجوي. والسبت الماضي الموافق ذكرى سقوط بغداد، كانت الشوارع مكتظة بالمحتجين الغاضبين الذين يدينون استمرار التواجد العسكري الأميركي ويهددون باللجوء إلى المزيد من العنف في حال استمرار بقاء القوات بعد العام الحالي. وتمتلئ الصحف العراقية كل يوم بتكهنات وإشاعات عن بقاء القوات الأميركية من عدمه. لكن دارت مناقشات جادة بين الحكومة العراقية والأميركية عن إمكانية مد الإطار الزمني للتواجد العسكري الأميركي. وقال جيمس جيفري، السفير الأميركي في العراق، مؤخرا: «لم يتقدم الجانب العراقي بأي طلب ولم ينخرط في أي مناقشات». وتعمل وزارة الخارجية الأميركية على خطط من أجل مضاعفة تواجدها في العراق استعدادا لانسحاب القوات في الموعد المقرر. وتعتزم الوزارة زيادة العدد من 8 آلاف إلى 16 ألفا، أكثرهم من العاملين في الشركات الأمنية الخاصة، لكن لم يقر الكونغرس تخصيص الأموال اللازمة لذلك.

وتؤكد الدولة العراقية نفسها خلال المفاوضات حول دور وزارة الخارجية الأميركية المقبل في البلاد. وطلب العراق السماح له بفتح قنصليتين في الولايات المتحدة وتم بالفعل فتح واحدة في ديترويت ومن المقرر أن تفتح الأخرى في كاليفورنيا في مقابل السماح للولايات المتحدة بفتح مكاتب مؤقتة في مدينتي كركوك والموصل شمال البلاد.

وقياسا بالدم الأميركي الذي أريق والأموال التي دفعت في العراق، لا توجد آثار واضحة تذكر بما تحملته الولايات المتحدة. فبالكاد يلاحظ وجود الولايات المتحدة في قافلة من السيارات المدرعة أو في بعض الروايات الأميركية القليلة التي تعرض في سوق أفضل الكتب مبيعا في شارع المتنبي. كذلك تراجع عدد مكاتب الصحف والمحطات الأميركية بشدة. في المقابل وبفضل الحرب الأميركية أسست تركيا وإيران لعلاقات جديدة سياسية ودبلوماسية في العراق. ورافق المسؤول التنفيذي التركي الذي قامت الشركة التي يعمل بها بتجديد القصر الجمهوري السابق زيباري في جولة داخل المبنى يوم الاثنين الماضي. لكن كان المسؤول التنفيذي التركي في الشركة الرئيسية التي تتولى عملية تجديد فندق الرشيد استعدادا لاستضافة القمة العربية المقرر عقدها في 10 و11 مايو (أيار) هو من يقف إلى جوار زيباري خلال جولته. وافتتح التلفزيون الرسمي الصيني مكتبا له في بغداد مؤخرا.

ولا يوجد الكثير من رجال الأعمال الأميركيين في بغداد للمشاركة في عملية إصلاح الدمار لأسباب أمنية بالأساس. وفي الوقت الذي تتراجع فيه وتيرة العنف، لا يزال الدبلوماسيون وبعض المسؤولين التنفيذيين الأميركيين يتنقلون في سيارات مدرعة ويرتدون السترات الواقية. والأسبوع الماضي تناولت مجموعة من المسؤولين التنفيذيين الماليين الأميركيين منهم بعض المسؤولين في مصرف «سيتي بانك»، الذين يأملون في افتتاح فرع للمصرف، أومليت في مطعم أميركي يسمى «دوغوز» في المنطقة الخضراء. وقال أحدهم إنه حقق أرباحا جيدة من ديون الحكومة العراقية من فترة الحرب الأهلية، لكنه هذه هي المرة الأولى التي يأتي فيها إلى بغداد وكان يعتزم البقاء لمدة 48 ساعة فقط. وكانت هذه المجموعة في سيارات مدرعة يحرسها رجال أمن ضخام الجثة يضعون سماعات في آذانهم. ورحل الكثيرون من العراقيين ممن عادوا من منفاهم في دول غربية إلى العراق عام 2003 مع الأميركيين. وكانت تمارا الداغستاني، أحد الذين كانوا في المنفى، تقدم المشورة للأميركيين في الكويت قبل الغزو حول الثقافة العراقية ومن بينهم جاي غارنر، أول حاكم مدني أميركي، واليوم توبخ الأميركيين «الذين لم يتركوا المنطقة الخضراء» قائلة «إذا كنتم هنا للمساعدة، فعليكم الخروج والقيام بذلك». على الجانب الآخر يوجد في القصر ما يطلق عليه زيباري القاعة الكبيرة التي يقول إن القادة العرب سوف يجتمعون فيها والتي ستكون «رمز سيادة العراق». وأوضح قائلا: «قال البعض سواء أعضاء في البرلمان أو غيرهم إننا لسنا مستعدين لاستضافة القمة. نريد أن نؤكد لهؤلاء أن هذا ليس صحيحا». وقد أجاب زيباري عند سؤاله عن مستقبل العلاقات العراقية - الأميركية أن الوقت غير مناسب لمناقشة مثل هذا الموضوع. وأضاف: «ما زال هناك جدل ساخن حول ذلك».

* خدمة «نيويورك تايمز»