طوكيو: «فوكوشيما» في نفس خطورة «تشرنوبيل»

بكين تسارع للمطالبة بموافاتها بما استجد.. والهزات الارتدادية لا تزال تثير رعب اليابانيين

تلاميذ يحتمون بمكاتب فصلهم الدراسي إثر زلزال قوي في شمال اليابان، أمس (أ.ف.ب)
TT

رفعت اليابان مستوى الحادث النووي في محطة فوكوشيما إلى خطورة حادث «تشرنوبيل»، إلا أنها أكدت في الوقت نفسه أن الانبعاثات الإشعاعية تبقى حاليا أقل بكثير من مستويات كارثة 1986. وجاء هذا في حين وقعت هزتان جديدتان، أمس، في شمال شرقي الأرخبيل بقوة 6.2 و6.0 درجات على التوالي دون التسبب في أضرار، غير أن المباني اهتزت على أثرهما في طوكيو على مسافة أقل من 180 كيلومترا. وتعاقب الهزات يزيد من مخاوف الناجين من الزلزال العنيف بقوة 9 درجات والتسونامي الهائل الذي تلاه في 11 مارس (آذار) الماضي، وقد أوقعا أكثر من 27 ألف ضحية بين قتيل ومفقود.

وأثارت الوكالة اليابانية للأمن النووي مفاجأة كبرى، أمس، بإعلانها رفع مستوى الحادث النووي في محطة «فوكوشيما دايشي» أو «فوكوشيما-1» من 5 إلى 7 درجات على السلم العالمي للحوادث النووية والإشعاعية. وأوضحت الوكالة اليابانية أن رفع مستوى حادث «فوكوشيما» تقرر بصورة «مؤقتة» على «أساس نسب من اليود والكيزيوم سجلت في البيئة»، مشيرة إلى أن القرار النهائي يعود إلى لجنة خبراء دوليين. كما شددت الوكالة على أن حادث «فوكوشيما» ليس حتى الآن بخطورة الحادث في المحطة الأوكرانية، وقال أحد مسؤوليها إنه «في ما يتعلق بحجم الانبعاثات الإشعاعية، فإن تقديراتنا تقيمها بنحو 10% من انبعاثات (تشرنوبيل)». وأضاف أن «انبعاثات بخار ودخان في (فوكوشيما) سجلت، لكنها لم تكن بحجم انبعاثات (تشرنوبيل) ولا من الطبيعة ذاتها».

وبدوره، رأى مسؤول كبير في الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن قرار اليابان رفع مستوى خطورة حادث فوكوشيما إلى أعلى درجة، لا يعني أنه يعادل كارثة تشرنوبيل. وقال المسؤول دينيس فلوري في مؤتمر صحافي في فيينا: «هذا حادث مختلف تماما»، مضيفا أن كمية الإشعاع التي انطلقت من تشرنوبيل عام 1986 أعلى كثيرا.

يشار إلى أن حادث محطة «تشرنوبيل»، الوحيد الذي صنف بهذا المستوى من الخطورة القصوى، في تاريخ الطاقة النووية المدنية. والمستوى السابع يعني حصول «انبعاثات كبرى للمواد الإشعاعية» مع «تأثير كبير على الصحة والبيئة». وكان المفاعل الرابع في المحطة النووية الأوكرانية في «تشرنوبيل» انفجر في 26 أبريل (نيسان) 1986 باعثا خلال 10 أيام نحو 12 مليار بيكريل من المواد الإشعاعية في الجو، وهو ما يوازي 30 ألف ضعف من الانبعاثات الإشعاعية لجميع المنشآت النووية في العالم على مدار سنة.

وكانت الوكالة اليابانية صنفت حتى الآن حادث «فوكوشيما» بمستوى 5 درجات، وهو ما يوازي «حادثا له عواقب واسعة النطاق»، بينما قدرته الوكالة الفرنسية بمستوى 6 درجات، الذي يناسب «حادثا خطيرا».

ومباشرة بعد رفع طوكيو من مستوى حادث «فوكوشيما» إلى 7 درجات، جددت الحكومة الصينية دعوتها، أمس، لليابان بسرعة موافاتها بالمعلومات الخاصة بالأزمة. وقال هونغ لاي، المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، في مؤتمر صحافي دوري: «نتعشم أن تخفف الإجراءات التي تتخذها اليابان من حدة الوضع الراهن»، وأضاف: «نتمنى أن يوافينا الجانب الياباني بمعلومات سريعة وشاملة ودقيقة». وفرضت دول عدة إجراءات رقابة مشددة وصولا إلى الحظر على المنتوجات الغذائية اليابانية، بينما تراجع عدد الأجانب الذين يزورون الأرخبيل.

وفي «فوكوشيما دايشي»، يواصل الفنيون العمل رغم الانبعاثات الإشعاعية من أجل إعادة تشغيل أنظمة تبريد المفاعلات التي تعطلت إثر الزلزال العنيف والتسونامي الهائل في 11 مارس الماضي، ويتواصل صب كميات هائلة من المياه على المفاعلات لمنع الوقود النووي من الانصهار. وكانت الحكومة اليابانية أبدت، أول من أمس، تفاؤلا حذرا، إذ اعتبرت أنه «تم الحد بشكل كبير من مخاطر تدهور الوضع في المحطة النووية وتسببه في تسرب إشعاعي كبير مجددا». لكنها باشرت التحضير لحالة «ما بعد الطوارئ» في محيط المحطة، حيث تم إجلاء نحو 80 ألف شخص في دائرة شعاعها عشرين كيلومترا حول «فوكوشيما-1». وقد تبقى هذه المنطقة الزراعية غير قابلة للسكن على مدى سنوات، كما حدث في «تشرنوبيل»، حيث لا تزال تفرض منذ 25 عاما منطقة حظر على مدى 30 كيلومترا.

وفي شمال اليابان، لا يزال نحو 150 ألف منكوب جراء التسونامي يعيشون في المدارس والمراكز الرياضية والمواقع البلدية التي تم تحويلها إلى مراكز إيواء في انتظار بناء المساكن المؤقتة الـ70 ألفا التي وعدت بها الحكومة. وبالإضافة إلى مأساة هؤلاء المنكوبين الذين فقد بعضهم كل ما لديهم، فهم يعانون من القلق نتيجة نحو 400 هزة ارتدادية بقوة 5 درجات وما فوق سجلت منذ الزلزال الذي كان الأعنف في تاريخ اليابان. ووقعت، أول من أمس، هزة ارتدادية كانت من الأشد في الأيام الأخيرة، إذ وصلت قوتها إلى 6.6 درجة، وقد أثارت انزلاقات تربة طمرت عددا من المنازل وأوقعت 3 قتلى. وحدد مركز هذه الهزة الارتدادية على عمق 13 كيلومترا فقط، وعلى مسافة نحو 160 كيلومترا من طوكيو التي تستعد منذ سنوات لمواجهة «الزلزال الأكبر» الذي قد يكون مدمرا.