اجتماع الدوحة يلح على رحيل القذافي ويبحث إقامة صندوق لتمويل ثوار ليبيا

كي مون يدعو المجتمع الدولي إلى التكلم «بصوت واحد» إزاء الأزمة الليبية * إيطاليا تؤيد تزويدهم بأسلحة دفاعية.. وتحتضن اللقاء المقبل

جانب من الاجتماع الدولي حول الوضع في ليبيا الذي عقد في العاصمة القطرية الدوحة أمس (إ.ب . أ)
TT

أعلن وزراء خارجية مجموعة الاتصال بشأن ليبيا أمس في الدوحة أن على الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي أن يرحل قريبا، وأنه ينبغي أن يتلقى معارضوه دعما ماديا.

وأضافوا، في البيان الختامي، الذي حصلت وكالة «رويترز» على نسخة منه أن القذافي فقد هو ونظامه كل الشرعية، وأنه ينبغي أن يترك السلطة ويدع الشعب الليبي يقرر مستقبله.

وتعكس لهجة البيان موقفا أقوى مما بدا في اجتماع عقدته المجموعة قبل أسبوعين، وهو ما يبرز زيادة الضغوط من جانب بريطانيا وفرنسا اللتين توجهان معظم الضربات الجوية التي تستهدف مدرعات القذافي، وتريدان أن يشارك أعضاء آخرون في الحلف بصورة أكبر في الجهود الرامية لإنهاء الأزمة في ليبيا.

وقال وزراء خارجية المجموعة الذين سيعقدون اجتماعهم القادم في مايو (أيار) المقبل، إنهم سيعملون مع المجلس الوطني الانتقالي المعارض لوضع آلية مالية مؤقتة، في إشارة إلى فكرة طرحت في وقت سابق بإنشاء صندوق لمساعدة المعارضة على استخدام الأصول المجمدة.

وأضافوا «اتفق المشاركون على أن توفر آلية مالية مؤقتة سبيلا لأن يدير المجلس الوطني المؤقت والمجتمع الدولي الإيرادات للمساعدة في تلبية المتطلبات المالية القصيرة الأجل والاحتياجات الهيكلية في ليبيا».

ويأتي اجتماع الدوحة عشية لقاء وزراء خارجية دول الحلف الأطلسي اليوم وغدا في برلين لبحث الجهود الجارية من أجل تسوية الأزمة الليبية التي ما زالت مستعصية. وفي غضون ذلك، أكد مصدر دبلوماسي أوروبي أن أفكارا تبلورت في الاجتماع الخاص بكبار المسؤولين الذي سبق اجتماع الدوحة. وقال المصدر لوكالة الأنباء الألمانية إن الأفكار تتمحور حول الحاجة إلى اعتماد لغة قوية تتضمنها كل الرسائل الموجهة إلى نظام القذافي من قبل المجتمع الدولي، باعتبار أن أكبر تحد يواجه المجتمع الدولي «جعل القذافي وأبنائه ومؤيديه يدركون تماما أن نظام القذافي قد انتهى».

وأيد المصدر «المقترحات التي تنادي بتشديد وفرض المزيد من العقوبات الدولية على نظام القذافي لأجل التعجيل برحيله وحرمانه من أية موارد للتمويل وحرمانه من بيع النفط، كذلك برز اتجاه لتوسيع دائرة العقوبات فيما يتعلق بسفر المسؤولين في الحكومة الليبية حتى تشمل بعض القبائل الليبية التي ما زالت تدعم نظام القذافي». وقال إن العديد من الدول أبدت دعما كبيرا لتقديم العون العسكري للثوار «بكل الوسائل» بما في ذلك منح المجلس الوطني الحق في الاستفادة من الأموال الليبية المجمدة في كل أنحاء العالم. وذكر مصدر دبلوماسي بولندي رفض ذكر اسمه أن «بولندا قدمت مجموعة من المقترحات تهدف إلى مساعدة الشعب الليبي في مختلف المجالات، من بينها تدريب الكوادر الليبية في بولندا وتهيئتهم لمجتمع ديمقراطي من جانب الخبراء البولنديين».

وفي هذا الصدد، دعت بولندا إلى عقد اجتماع لمجموعة الاتصال في بولندا لتقديم الخبرات إلى ليبيا الجديدة. وقال المصدر إن بولندا اقترحت على المجلس الوطني الانتقالي الليبي بأن يعرض على كل مؤيدي القذافي ممن تشملهم العقوبات الدولية وزعماء القبائل والليبيين في كل مكان الاشتراك في منتدى انتقالي واسع لتشكيل حكومة ليبية ديمقراطية في طرابلس تحظي باعتراف ودعم دولي. وبحث لقاء الدوحة إقامة صندوق من الأصول المجمدة لمساعدة المعارضة على الإطاحة بالقذافي، حسب وكالة «رويترز».

وقال دبلوماسي إيطالي «القضية المالية مهمة، وعلينا الحصول على بعض المال من الأصول المجمدة. نؤيد هذا وسنحث عليه في المناقشات».

وزاد قائلا: «نريد برنامجا للنفط مقابل الغذاء مثل الذي كان مطبقا في العراق.. صندوق مثلا يحول بعض المال من الأصول المجمدة إلى المعارضين».

وكان وليم هيغ، وزير خارجية بريطانيا والرئيس المشارك في الاجتماع الأول لمجموعة الاتصال، قد دافع عن العمل العسكري الذي تقوم به قوات الناتو ضد قوات العقيد معمر القذافي. وقال هيغ، في كلمة أمام الجلسة الافتتاحية للاجتماع وسط حضور كبير «إن عملياتنا العسكرية ضرورية وقانونية وسليمة، وإنها تستند إلى قرارات مجلس الأمن، الذي منحنا السلطة القانونية والأخلاقية لتطبيق القرارات». وأضاف: «سنستمر في عملنا وتطبيق القرارات حتى نضع حدا لجميع الهجمات والانتهاكات التي تمارس ضد المدنيين، والوصول إلى وقف حقيقي لإطلاق النار وانسحاب قوات القذافي من كل المدن وجعل من الممكن تدفق وتسيير المساعدات الإنسانية للشعب الليبي». وقال هيغ «لقد منعنا (الدول المشاركة في الاجتماع) القذافي وقواته من قصف المدن والمواطنين الليبيين جوا، وأوقفنا قواته من استهداف مختلف المدن والمناطق في ليبيا. وأضاف «إذا لم ننجح في وقف قوات القذافي لارتكبت مجازر، وتسببت في موت لا حدود له، ولأحدثت كارثة إنسانية تتعدى آثارها ليبيا إلى الدول المجاورة، ولعصفت بالطموحات في الحرية السياسية والاقتصادية في كل المنطقة»، متهما المجتمع الدولي بعجزه عن حماية أرواح الأبرياء.

وقال هيغ إن بريطانيا تأمل في أن تخرج محادثات الدوحة باتفاق على ثلاثة أهداف رئيسية تشمل مواصلة الضغوط على نظام القذافي من خلال تطبيق قرارات مجلس الأمن وتطبيق العقوبات، وأن يحدد بوضوح أن على القذافي الرحيل عن السلطة حتى يفسح المجال أمام الشعب الليبي لتحديد مستقبله، والاتفاق على خطة لدعم الاستقرار وبناء السلام في ليبيا.

ودعت بريطانيا لوضع آلية مالية مؤقتة للمساعدة في سداد نفقات القطاع العام في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في ليبيا. وقال هيغ «ينبغي أن نمضي قدما سريعا لضمان أن الدول التي ترغب في دعم المجلس الوطني الانتقالي ليسدد نفقات القطاع العام يسعها أن تفعل ذلك بشكل يتسم بالشفافية».

وقال «آمل أن نتفق على وضع آلية مالية مؤقتة في المنطقة لمصلحة المناطق التي يسيطر عليها المجلس الوطني الانتقالي في ليبيا».

وبدورها، دعت قطر إلى تمكين الشعب الليبي من الدفاع عن نفسه في وجه نظام القذافي.

ومن جهته، قال ولي العهد القطري، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، في كلمة افتتاحية «حان الوقت لتمكين الشعب في ليبيا من الدفاع عن نفسه وحماية المدنيين الليبيين». وأشار الشيخ تميم إلى أن الثوار في ليبيا «مدنيون حملوا السلاح للدفاع عن أنفسهم في ظروف صعبة من عدم التكافؤ» مع قوات القذافي، التي قال إنها تستخدم ترسانة جمعت بأموال الشعب الليبي. واعتبر أن ذلك «يجب أن يتم بموازاة الدعم الإنساني والسياسي لهذا الشعب».

إلى ذلك، دعا الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون المجتمع الدولي إلى «التكلم بصوت واحد» إزاء الأزمة في ليبيا، مشيرا إلى أن 3.6 مليون شخص في هذا البلد قد يحتاجون إلى دعم إنساني.

وقال كي مون «من المهم أن نتكلم بصوت واحد»، وذلك في وقت تظهر فيه تباينات بين الحلفاء الغربيين حول الاستراتيجية التي يتعين تبنيها بالنسبة لليبيا.

وعن الوضع الإنساني في هذا البلد الذي يقطنه ستة ملايين نسمة، قال الأمين العام للأمم المتحدة، إنه «في أسوأ الحالات، قد يحتاج 3.6 مليون شخص لمساعدات إنسانية».

وفي الاجتماع أيضا، قال أندريس فوغ راسموسن، أمين عام حلف شمال الأطلسي (الناتو): «من الواضح عدم وجود حل عسكري. يجب أن ندفع بعملية سياسية».

ودافع راسموسن عن عملية الناتو الراهنة في ليبيا، وقال إن أكثر من 900 طلعة جوية نجحت في تعطيل ثلث الآلة العسكرية للقذافي. ومن جهته، أكد وزير الخارجية الألماني غيدو فيسترفيله أنه لن يكون هناك حل عسكري للأزمة الليبية، مؤكدا أنه يتعين على القذافي أن يتنحى. وقال فيسترفيله للصحافيين «لا نرى حلا عسكريا في ليبيا» بل «سياسيا». وخلص إلى القول «على القذافي أن يتنحي، لا مستقبل له في ليبيا».

ورفض فيسترفيله في اجتماع الدوحة الانتقادات التي وجهت إلى بلاده على خلفية امتناعها عن التصويت على قرار مجلس الأمن بشأن فرض حظر جوي فوق ليبيا.

وأكد أن ألمانيا «ليست معزولة دوليا»، وقال: «يزيد عدد الدول، حتى التي أيدت التدخل العسكري، التي ترى أنه لن يتم حل الأمر عسكريا».

وقال فيسترفيله إن جميع المشاركين في الاجتماع اتفقوا على أن ليبيا سيكون لها مستقبل فقط دون «نظام القذافي».

وطالب الوزير الألماني بالمزيد من التفهم لوضع إيطاليا، وذلك على ضوء الخلافات بشأن اللاجئين الأفارقة الذين يصلون إليها، حسبما قالت وكالة الأنباء الألمانية. وقال: «أنصح بألا يتم هنا الهجوم على أعضاء آخرين في الاتحاد الأوروبي»، مشيرا إلى أن حل المشكلة من الممكن أن يتم فقط في «إطار أوروبي».

وكانت إيطاليا قد أعلنت الأسبوع الماضي عزمها منح اللاجئين تصاريح إقامة مؤقتة تسمح لهم بالسفر لدول أخرى في الاتحاد الأوروبي. وعن هذا الأمر قال فيسترفيله: «لا يمكن ترك أي دولة وحدها في مثل هذا الموقف، ومن الناحية الأخرى معروف تماما أنه لا يمكن لأي دولة تجاهل القانون الأوروبي». وعلى صعيد ذي صلة، أكد متحدث باسم الخارجية الإيطالية أمس على هامش الاجتماع أن بلاده تؤيد تسليح الثوار الليبيين بأسلحة دفاعية، موضحا أن هذا الأمر «مطروح على الطاولة»، وفق وكالة الصحافة الفرنسية. وقال ماوريتسيو مساري أن «النقاش حول تسليح الثوار مطروح بالطبع على الطاولة لحماية أنفسهم». وأضاف أن قرار مجلس الأمن حول ليبيا «لا يمنع تسليح الثوار الذين يقاتلون قوات القذافي»، مشيرا في الوقت نفسه إلى أنه ليس من المرجح أن يخرج اجتماع الدوحة بقرار في هذا الخصوص.

وقال مساري «علينا أن نؤمن للثوار كل السبل الدفاعية الممكنة»، مشيرا بشكل خاص إلى معدات الاتصالات والاستخبارات. وحول المخاوف من إمكانية وصول الأسلحة إلى الأيادي الخطأ، قال المتحدث «علينا أن نكون حذرين» لكنه أبدى ثقة بالمجلس الوطني الانتقالي. وقال «نعتقد أن جماعة بنغازي أشخاص جديرون بالثقة». وعن العملية السياسية في هذا البلد، قال المتحدث إن «الشرط المسبق لبدء العملية السياسية هو رحيل القذافي». وبدوره، قال وزير الخارجية البلجيكي، ستيفن فاناكيري، إن قواعد الأمم المتحدة تحول دون تسليح المعارضين في ليبيا.

وأجاب ردا على سؤال للصحافيين عما إذا كان تسليح المعارضين خيارا «لا منطق من تسليح المدنيين وفقا لقرار الأمم المتحدة 1973». وفي سياق ذلك، قال المجلس الوطني الانتقالي الليبي إن المعارضين لا يسعون من خلال اجتماع الدوحة الحصول على أسلحة. وتابع علي العيساوي، وزير خارجية المجلس الانتقالي للصحافيين أن التسلح ليس أولوية.