نزيف عقول داخل وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية

91 من كبار المحللين اتجهوا إلى العمل بالقطاع الخاص

TT

خلال العقد الذي تلى هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، قامت شركات استخبارات خاصة وشركات استشارات أمنية باجتذاب خبراء رفيعي المستوى من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، من خلال توظيف عدد لا حصر له من المسؤولين العاملين منذ وقت طويل بالوكالة كي يتسنى لهم الدخول إلى عالم شركات الاستخبارات المتنامي.

وترك 91 على الأقل من المديرين المحللين رفيعي المستوى العمل بوكالة الاستخبارات الأميركية متجهين إلى العمل بالقطاع الخاص خلال السنوات العشر الماضية، وذلك وفقا لبيانات جمعتها صحيفة «واشنطن بوست». وشهدت الكثير من المناصب الرفيعة تغيرات مرات عدة أثناء تلك الفترة، فبالإضافة إلى ثلاثة مديرين، خسرت وكالة الاستخبارات الأميركية أربعة من نائبي مديري عملياتها، وثلاثة من المديرين بمركز مكافحة الإرهاب التابع لها، ورؤساء الأقسام الخمسة الذين كانوا في مناصبهم يوم وقوع هجمات 11 سبتمبر.

وفي الكثير من المواقع داخل واشنطن، ينتقل مسؤولون حكوميون إلى القطاع الخاص بشكل معتاد. وتقوم شركات الخدمات الاستشارية في مجال الدفاع بشكل منتظم بتعيين لواءات متقاعدين من وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)؛ كما يعمل بشركات الضغط في المدينة أعضاء كونغرس سابقون ومسؤولون إداريون سابقون.

غير أن موجة الرحيل من وكالة الاستخبارات المركزية قد سجلت نهاية ثقافة قديمة من التمييز والتقييد امتدت لعقود، والتي لم ينضم فيها المسؤولون المتقاعدون إلى المتعاقدين الذين يؤدون أعمالا استخباراتية لحساب الحكومة. وقد أثيرت تساؤلات أيضا حول أثر الخسائر التي تتكبدها الوكالة؛ فالمسؤولون المخضرمون يتركون العمل بالوكالة ومعهم وفرة من المعلومات المؤسسية وكم هائل من العلاقات الشخصية وفهم عميق لشؤون العالم، وهي الأمور التي لا تتاح سوى لهؤلاء الذين يعملون في أكبر مستودع للاستخبارات في الدولة. وبين أبرز المسؤولين رفيعي المستوى الذين خسرتهم وكالة الاستخبارات المركزية ممن التحقوا بالعمل في القطاع الخاص ستيفن كابس، الذي كان عميلا بارزا للوكالة في موسكو، وساعد في إتمام مفاوضات نزع السلاح في ليبيا في عام 2003، وهنري كرامبتون، الذي كان أحد أوائل ضباط وكالة الاستخبارات المركزية في أفغانستان في أعقاب هجمات 11 سبتمبر؛ وكوفر بلاك، الذي شغل منصب مدير مركز مكافحة الإرهاب التابع للوكالة وقت أحداث 11 سبتمبر.

وقد كانت عملية الانتقال للعمل بالقطاع الخاص مدفوعة بالزيادة الهائلة في التعاقدات الاستخباراتية. وكجزء من تحقيقها الصحافي الذي ورد تحت عنوان «أميركا بالغة السرية»، أشارت صحيفة «واشنطن بوست» إلى أنه من بين الأفراد البالغ عددهم 854.000 الذين يحملون تراخيص شديدة السرية، هناك 265.000 فردا من المتعاقدين. ويعتبر 30% من القوة العاملة في وكالات الاستخبارات من المتعاقدين. ويقوم هؤلاء المتعاقدون بأنواع مختلفة من المهام، من بينها تقييم مخاطر التأمين وتحليل الاستخبارات وتقديم خدمات «تخفيف المخاطر» للدول الأجنبية.

وذكر روبرت غرينيار، خبير عمل بالوكالة لمدة 27 عاما ويشغل الآن منصب رئيس «إي آر جي بارتنرز»، وهو بنك استثماري صغير متخصص في مجال الاستخبارات «منذ أحداث 11/9، خرجت إحصاءات العاملين بالوكالة عن نطاق السيطرة. فقد ترك عدد كبير من المسؤولين الكبار الوكالة بأسرع ما يمكن على نحو لا يمكنك توقعه، وأصبحت تضم عددا ضخما من العاملين الأصغر سنا». وأضاف «أصبح متوسط خبرة أي ضابط بالوكالة الآن أقل بكثير مما كان عليه من قبل، وقد كان لهذا تأثيرات واضحة على الوكالة».

بالنسبة للشركات الخاصة الساعية إلى الدخول في مجال التعاقدات الاستخباراتية المربح، من المفيد أن يكون لديها ضباط عملوا من قبل بوكالة الاستخبارات المركزية. وعلى الرغم من أن الوكالة تدفع رواتب ضخمة لكبار مديريها - يحصل الضباط الأبرز على راتب يقدر بنحو 180.000 سنويا - فإنه في وسع الشركات الخاصة في العموم منحهم رواتب أكبر. ويعتمد هذا التقرير على مقابلات تم إجراؤها مع مسؤولين حاليين وسابقين بوكالة الاستخبارات المركزية. وجمعت صحيفة «واشنطن بوست» قائمتها من أكثر من 90 مديرا رفيع المستوى من خلال تحديد موظفي الوكالة الذين تركوا العمل بها واتجهوا للعمل بالقطاع الخاص بعد عملهم بها كمديرين أو نواب مديرين أو رؤساء الأقسام المختلفة بوكالة الاستخبارات المركزية، بالإضافة إلى أعضاء آخرين بقيادة إدارة العمليات، الآن باسم الخدمة السرية الوطنية.

وذكر جورج ليتل، الناطق باسم وكالة الاستخبارات المركزية، أن «أي تلميح إلى عدم وجود أي خبراء كبار على مستوى عالمي بالوكالة خاطئ تمامًا». وأضاف «التقاعد واقع من حقائق الحياة المهنية. وقد وضعت وكالة الاستخبارات الأميركية آليات قوية لمساعدة ضباطها في البحث عن فرص عمل بعد التقاعد والمحافظة على معارفهم ومعلوماتهم قبل رحيلهم».

وقد أتت معظم الخسائر التي تكبدتها الوكالة ممثلة في حالات الانتقال من العمل بالوكالة إلى العمل بالقطاع الخاص في الفترة من 2002 إلى 2007، وذلك مع ازدهار التعاون مع المتعاقدين في مجال الاستخبارات. وفي العام المالي 2010، ذكر مسؤول أميركي كبير أن معدلات التناقص في عدد العاملين بوكالة الاستخبارات الأميركية وصلت إلى أدنى مستوياتها.

وقد تحدث بعض المسؤولين الذين تم الاستشهاد بأقوالهم في هذا التقرير شريطة عدم الإفصاح عن هويتهم نظرا للحساسيات التي تنطوي عليها مناقشة آليات العمل الداخلية الخاصة بالوكالة. وقد أشار قليل منهم إلى مشكلات بالوكالة باعتبارها السبب وراء تركهم العمل بها. لكنهم أوضحوا أن اختيارهم كان مدفوعا في الأغلب بأسباب مالية.

وذكر مسؤول كبير سابق كان قد عمل في الخدمة الحكومية لأكثر من 25 عاما أنه بحث عن فرص للترقية بالوكالة من جهة، ومن جهة أخرى، كان قلقا بشأن التكاليف الضخمة للتعليم الجامعي لأبنائه. ومن ثم، اختار العمل بالقطاع الخاص. وأوضح قائلا «كان أمرا عمليا».

وكشفت سنوات من الإصلاحات في مجال الاستخبارات أن وكالة الاستخبارات المركزية لم تكن مستعدة لمواجهة الأحداث التي أعقبت هجمات 11 سبتمبر (أيلول). ففي الفترة من 1990 إلى 1996، كان الكونغرس قد قام بخفض الميزانية المخصصة للاستخبارات سنويا، وفي الفترة من 1996 إلى 2000، لم يدخل تعديلات قوية على ميزانية الوكالة.

خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»