مخاوف الهجرة تعمق الانقسام بين الأوروبيين

إيطاليا تتساءل عن جدوى بقائها في الاتحاد الأوروبي إثر رفض شركائها قبول من يصلون إليها من المهاجرين

صورة أرشيفية لوزير الداخلية الإيطالي ماروني وهو يشرح عملية إنقاذ أكثر من 200 مهاجر في البحر المتوسط (ا.ب)
TT

منذ الأزمة المالية العالمية، حدث انقسام داخل الاتحاد الأوروبي حول السياسة الاقتصادية. ومع التدخل في ليبيا، بات الانقسام متعلقا بالسياسة الخارجية، غير أنه في الوقت الراهن فإن هناك أمورا محدودة تحدث انقساما داخل الاتحاد الأوروبي أكثر من قضية الهجرة.

وقد اتضح ذلك جليا بدرجة كبيرة هذا الأسبوع، حينما رفض الاتحاد الأوروبي، المؤلف من 27 دولة، اقتراحا إيطاليا يقضي بتمكين المهاجرين الذين يصلون للمرة الأولى إلى إيطاليا، من السفر إلى أي مكان في أوروبا بسهولة. وفي الوقت الذي لم تظهر فيه أي إشارات تشير إلى انحسار موجة المهاجرين النازحين من منطقة شمال أفريقيا المضطربة، فقد زاد الاعتراض من احتمال وضع قيود تعوق الانتقال بسلاسة بين حدود الدول الأوروبية، وبعضها للمرة الأولى منذ أن ظهر نظام السفر دون تأشيرة في التسعينات من القرن الماضي.

وقد بدأت صور الاستياء تتعاظم منذ أسابيع، وبنهاية الأسبوع أشار رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني إلى ضرورة وضع حد للمشكلة. فأثناء قيامه بزيارة جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، التي تعد نقطة وصول آلاف المهاجرين من شمال أفريقيا إلى أوروبا، قال برلسكوني «إما أن تكون أوروبا أمرا حقيقيا وملموسا أو لا تكون. وفي تلك الحالة، من الأفضل أن نعود مجددا ليمضي كل منا في طريقه الخاص وأن ندع الجميع يتبعون سياساتهم الخاصة».

وقد ألقى حديث برلسكوني، الذي ردده أعضاء آخرون في حكومته وقوبل بالنقد من نظرائه الأوروبيين، الضوء على نهاية وشيكة في أوروبا بشأن التعامل مع المهاجرين البالغ عددهم 23000 الذين قد وصلوا إلى إيطاليا منذ يناير (كانون الثاني). وقد عمقت المخاوف من المهاجرين، التي زادت من حدتها أحزاب اليمين وعدم رضا الناخبين عن الضائقة الاقتصادية الحالية، من الانقسامات في أوروبا. ويشير خبراء إلى أن الأمر يبدو على الأقل صعبا - وربما مسببا لحالة من عدم الاستقرار - تماما كسعي أوروبا المضني من أجل التعامل مع سلسلة من الأزمات المالية المتلاحقة. وعلاوة على ذلك، فإنه يضيف مصدرا جديدا للانقسام بشأن تدخل حلف شمال الأطلسي في ليبيا.

ويعتبر السواد الأعظم من الأفريقيين طالبي العمل أو المأوى في أوروبا من التونسيين، غير أن عددا كبيرا من المهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى الفارين من ليبيا. ولتخفيف حدة التوترات في مخيمات الإيواء المؤقتة في إيطاليا، حيث قام المسؤولون بنقل المهاجرين الذين وصلوا أولا إلى لامبيدوزا، ذكر مسؤولون إيطاليون أنهم سيصدرون تصاريح إقامة مؤقتة للمهاجرين المؤهلين.

وقد طلبت إيطاليا من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي اعتبار التصاريح تأشيرات دخول سارية - على نحو يسمح في الأساس بدخول المهاجرين إلى فرنسا وما وراءها. وفي اجتماع لوزراء الداخلية بالاتحاد الأوروبي في لوكسمبورغ يوم الاثنين، أبدت دول أعضاء أخرى، على رأسها فرنسا وألمانيا، رفضها. واستجابة لهذا الرفض، تساءل وزير الداخلية الإيطالي، روبرتو ماروني، قائلا «أتساءل هل من المنطقي البقاء داخل الاتحاد الأوروبي؟».

وبينما انتقدت الدول الأوروبية المجاورة الإيطاليين لتعاملهم السيئ مع قضية المهاجرين، انتقدت شخصيات بارزة في حزب رابطة الشمال الذي ينتمي إليه ماروني، المعروف بموقفه المعادي للمهاجرين والمتشكك بحدة في النوايا الأوروبية، وزير الداخلية الإيطالي لعدم كونه حازما بالقدر الكافي. وكما هو الحال في الانقسامات بشأن السياسات الاقتصادية والمالية بمختلف أنحاء أوروبا - التي برزت بقوة في الأسبوع الماضي عندما قام البنك المركزي الأوروبي برفع معدلات الفائدة، مما أدى إلى تفادي التضخم في ألمانيا لكنه وضع ضغوطا في الوقت نفسه على الدول الجنوبية التي تواجه مشكلات الديون - فقد أظهر النزاع بشأن مشكلة الهجرة مجددا مشكلات في المشروع الأوروبي.

وبعد الأزمة المالية، جاء كل من التدخل في ليبيا والتدفق اللاحق للمهاجرين «كسلسلة استثنائية من الاختبارات على جبهات مختلفة للوحدة والاستراتيجية الأوروبية، وجاءت النتيجة مختلطة تماما بشكل واضح»، وذلك حسبما ذكر ايان ليسر، أحد كبار الشركاء بمنطقة عبر الأطلسي، بصندوق «مارشال» الألماني. وأضاف «يعتبر الجزء الخاص بمشكلة الهجرة هو أصعب الأجزاء بصورة ما. ففيه، تعتبر الإجراءات مباشرة جدا؛ وهناك اتصال مباشر بالرأي العام والسياسات اليومية».

وتضع الدول الأوروبية سياساتها الخاصة المتعلقة بالتعامل مع المهاجرين واللاجئين وطالبي اللجوء السياسي كل على حدة. وبموجب القانون الأوروبي، تعتبر أول دولة وصل إليها اللاجئون مسؤولة عن تحديد وضعهم، وهو المبدأ الذي قد طلبت كل من إيطاليا ومالطا التنازل عنه (حتى الآن، قوبل طلبهما بالرفض).

وذكر هوغو برادي، الباحث بمركز الإصلاح الأوروبي في بروكسل، أن «حرية الحركة والسفر دون جواز سفر، والتي لم تكن موجودة داخل الدول الأوروبية منذ بضع سنوات مضت، إنجازان كبيران. وأن السؤال الذي يفرض نفسه هو: هل هذان الإنجازان عرضة للنقد؟».

ويوم الاثنين، لم ترفض فرنسا فقط فكرة إيطاليا بمنح تأشيرات مؤقتة، وإنما ذكر وزير الداخلية الفرنسي أن باريس ستستخدم «كل الوسائل القانونية المتاحة لنا» لزيادة الدوريات على الحدود بين فرنسا وإيطاليا. وفي الأسابيع الأخيرة، أعادت فرنسا ما يزيد على 1.000 مهاجر من شمال أفريقيا كانوا يحاولون عبور الحدود بين البلدين.

وقد انتقدت ألمانيا المسؤولين الإيطاليين بسبب تقويضهم اتفاقية «شنغن»، التي حددت مناطق إعفاء من التأشيرات، وذكرت أن إيطاليا يجب أن تتعامل مع مشكلة المهاجرين بمفردها. وذكر وزير داخلية ألمانيا، هانز بيتر فريدريك، في مقابلة تلفزيونية أجريت معه «في إطار التضامن الأوروبي، من الضروري لكل دولة فردية أن تواجه مسؤوليتها أولا».

وفي فرنسا، يخشى الرئيس نيكولا ساركوزي بشأن بزوغ نجم حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف، المعروف بموقفه المضاد للمهاجرين، في الوقت الذي تشكل فيه المخاوف بشأن قضية الهجرة السياسات الألمانية. فيما يعتمد ائتلاف برلسكوني اليميني على حزب رابطة الشمال.

وبينما اتسع نطاق الانقسامات داخل أوروبا، اتخذت الانتخابات الإقليمية دلالة أكثر شمولا داخل أوروبا، لا سيما في ألمانيا. ففي رد فعل على الضغوط السياسية القوية، تخلت المستشارة أنجيلا ميركل مؤخرا عن دعم حزبها لاستخدام الطاقة النووية - وخسرت الانتخابات في بادن فورتمبرغ، التي خضعت لسيطرة الديمقراطيين المسيحيين منذ 1953. وفي وقت سابق، أصرت على شروط صارمة - يراها كثير من الاقتصاديين محبطة للذات - في عمليات إنقاذ اليونان وآيرلندا من الأزمة الاقتصادية، لاسترضاء المصوتين الألمان الغاضبين الذين اعترضوا على دفع مقابل لما رأوه يعتبر نوعا من الإسراف والتبذير من جانب آخرين. هناك ثمة تناقضات واضحة أيضا. فترى كاثرين دي فندن، مديرة الأبحاث بمركز الدراسات الدولية والأبحاث بمعهد الدراسات السياسية في باريس، أنه «في ظل هذه الحالة من ترشيد استهلاك الدول الأوروبية وتعاظم حالة الخوف من الغرباء، باتت الحكومات شديدة الحذر من تدفقات المهاجرين الجدد». وأضافت قائلة «في الوقت نفسه، يبدو هذا متناقضا مع النماذج الأوروبية الليبرالية ومع احتياجات القوة العاملة في معظم الدول الأوروبية».

وبدلا من ذلك، كانت سياسة أوروبا ممثلة في الحلم بعدم قدوم المهاجرين ومحاولة إقناع دول شمال أفريقيا بإجبار مواطنيها على البقاء في أرض الوطن. وعلى الرغم من أن انهيار الحكومة في تونس ومصر، والاضطراب في ليبيا، قد تسببا في إبطال العديد من الاتفاقات الثنائية مع الدول الأوروبية، بما فيها الاتفاقات بشأن الهجرة، فإن هذه السياسة لا تزال سارية.

* خدمة «نيويورك تايمز»