ساحات الثورة في اليمن منطقة آمنة ومنزوعة السلاح

رجال القبائل التزموا بعدم حمل أسلحتهم في الساحة

يمنيات يشاركن في مظاهرة بمدينة تعز تطالب بتنحية الرئيس علي عبد الله صالح أمس (رويترز)
TT

يكرر شباب الثورة في اليمن عبارتهم المشهورة «ثورتنا ثورة سلمية»، وتبدو هذه العبارة في ظل المجتمع اليمني المسلح حالة تتناقض مع الصورة التي رُسِمت عنه في الخارج، فالهدف لهم، كما يقولون، بناء مجتمع مدني بعيدا عن السلاح والصراع القبلي. فلم يعد عبد الله الشريف من قبائل مأرب، يحبذ الوقوف مع أفراد قبيلته بسلاحه «إف إن» وسط الطريق العام للمطالبة بحقوق أو مطالب قبلية، فهو اليوم يقف أمام المدخل الشرقي لساحة التغيير بصنعاء لمنع ومراقبة أي شخص يحمل سلاحا.

كثير من التقارير عن سلاح اليمنيين تجعل الصورة تبدو مخيفة، فبحسب تقارير رسمية، فإن أكثر من 60 مليون قطعة سلاح موجودة في البلاد، بمعدل ثلاث قطع سلاح لكل مواطن، كما توجد أسواق لبيع وشراء السلاح بمختلف أنواعه وتم إغلاق بعضها في السنوات الماضية، إضافة إلى أن اليمنيين يمتلكون مختلف أنواع الأسلحة أبرزها المسدسات والكلاشنيكوف، والرشاشات والقاذفات الصاروخية، والمدافع ومضادات الطائرات.

لقد تحول موضوع السلاح وتنظيم حيازته وحمله في اليمن منذ عشر سنوات إلى جدل بيزنطي؛ بين السلطة من جانب ورجال القبائل وأطراف أخرى من جانب آخر، فمنذ إقرار مجلس النواب عام 1992، لقانون تنظيم حمل السلاح رقم 40، وهو لا يطبق بشهادة رسمية، كما قامت الحكومة بتقديم مشروع تعديلات له طوال العشر السنوات الماضية، لكنه توقف داخل إدراج مجلس النواب، على الرغم من أن الحكومة لديها أغلبية مريحة تمكنها من إقراره. ويؤكد أحمد غالب وهو من قبيلة بني ضبيان - أشهر القبائل المسلحة - أن قبيلته بمختلف قراها تركت سلاحها وجاءت إلى ساحة التغيير تحت شعار «الثورة السلمية»، متهما الحكومة بأنها كانت السبب في انتشار السلاح بين القبائل والتسبب في الصراعات بينهما، ويقول غالب لـ«الشرق الأوسط»: «لقد كانت الحكومة، والحزب الحاكم، تكرر على مسامعنا أن رجال القبائل كانوا السبب في عدم تطبيق قانون تنظيم حمل السلاح النافذ، والحقيقة أنها لم تطبقه لأنها لا تريد ذلك، وكثير من جرائم القتل حدثت داخل العاصمة صنعاء، بل إن بعضها وقع بالقرب من المقر الرئيسي لمعسكر الأمن المركزي».

وفي ساحة التغيير يتساءل الكثير من المعتصمين عن سبب نجاح شباب الثورة في جعل رُفقاء السلاح من القبائل يأتون إليهم بصدورهم العارية، كما يقول بجاش الشرعبي، ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «لماذا فشل النظام اليمني في تطبيق حمل السلاح وجعل المدن اليمنية منزوعة السلاح؟ وكيف استطاعت الثورة الشبابية أن تجعل شوارع الساحة منطقة آمنة منزوعة السلاح على الرغم من وجود مختلف القبائل التي اشتهرت بامتلاكها مختلف أنواع الأسلحة؟!».

ويجيب على ذلك عبد الله الشريف: «لأننا مللنا الحروب وأرهقتنا الصراعات والثارات»، ويوضح الشريف لـ«الشرق الأوسط»: «أمضينا معظم سنوات عمرنا في قتال، وكانت الدولة تدعمنا من مخازنها بالسلاح من أجل استمرار هذا الصراع تطبيقا لقاعدة (فرِّق تسد)، والآن نحن مع غرمائنا في خيمة واحدة تجمعنا الثورة السلمية».

لقد كان الخوف من الحرب الأهلية هو هاجس المراقبين محليا وخارجيا، حتى أثبت اليمنيون في ساحات التغيير عكس ذلك، كما يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء، الدكتور محمد الظاهري، الذي اعتبر ما يحدث فيها صورة إيجابية للمجتمع القبلي. ويؤكد الدكتور الظاهري لـ«الشرق الأوسط»، قائلا: «تتشكل الآن في ساحات التغيير والحرية في المدن اليمنية ثقافة الدولة المدنية الحديثة القائمة على التسامح، بعد أن ترك رجال القبائل سلاحهم، ورفضوا استخدام السلاح لتحقيق مطالبهم». ويشير إلى أن «الصورة السائدة عن المجتمع اليمني أنه مجتمع قتالي وحربي، وكان النظام يوظف ذلك في مصلحته، فكان يدعم ذلك ويغذي أطراف الصراع القبلي». ويوضح: «لقد أحصيت في أواخر القرن العشرين أكثر من 400 حرب قبلية خلال عشر سنوات فقط، أي بمعدل 40 حربا كل عام».

ويتهم الحكومة بأنها لم تكن لديها الجدية في تطبيق قانون حمل السلاح، ويقول: «لم تكن هناك جدية في محاصرة انتشار السلاح، بسبب البعد السياسي للنظام، من خلال الاستفادة من هذه الصراعات لتخويف المواطنين».

ويلفت إلى أن «شباب الثورة الآن نجحوا في زرع الثقافة السلمية بين أوساط المجتمع، وانضم تحت قيادتهم مشايخ القبائل الذين استعصوا على النظام، وفشل في أن يحرضهم على الشعب».