الحكومة الأردنية تفتح ملفات الفساد لتهدئة الشارع رغم خطورة ارتدادها عليها

توقيف مسؤولين أردنيين سابقين بتهم الاحتيال والمساس بالمال العام

TT

فتحت الحكومة الأردنية ملف الفساد على مصراعيه، في محاولة لتهدئة الرأي العام الداخلي وإثبات جديتها في الإصلاح السياسي والاقتصادي لدى الشارع الأردني، حيث بدأت هيئة مكافحة الفساد الأردنية التحقيق في أكثر من ملف يتعلق بتكنولوجيا الاتصالات، وآخر له علاقة بشركة «موارد» التي تدير أراضي معسكرات القوات المسلحة الأردنية في عمان والزرقاء، وملف له صلة مباشرة بمشروع «الديسي» المائي الضخم، وبملفات أخرى متعددة في قطاع الإسكان والسياحة. وخلال الأسبوع الماضي بدأت سلطات التحقيق الإدارية والقضائية حملة تحقيقات ضخمة في ملفات فساد يطالب الشارع الأردني بفتحها، وطالت شخصيات سياسية واقتصادية ووزارية بارزة، حيث ترد فيها أسماء وزراء سياحة وأشغال واتصالات سابقين. وفي هذا السياق جرى التحقيق مع مسؤولين من رتبة مدير عام وإداريين، إضافة إلى ضباط عسكريين كبار أحيلوا مؤخرا إلى التقاعد.

وقررت النيابة العامة لمحكمة أمن الدولة الأردنية توقيف المدير المالي السابق لشركة «موارد» زياد العقباني، لمدة 15 يوما في مركز إصلاح وتأهيل «أرميمين»، على ذمة التحقيق بعد مجريات تحقيق استمرت 11 ساعة، في إطار شبهة فساد على خلفية قضية دراسات الجدوى الاقتصادية والمالية لمشروع جر مياه «الديسي»، أحد المشروعات الضخمة التي تقيمها الأردن لجر مياه حوض «الديسي» الجوفي على الحدود السعودية إلى عمان.

وقال النائب العام العسكري لدى محكمة أمن الدولة، اللواء القاضي يوسف الفاعوري، في تصريح صحافي أمس، إن النيابة وجهت للعقباني ست تهم، هي الاختلاس بالتزوير بالاشتراك، والاحتيال بالاشتراك، والمساس بالمال العام، واستثمار الوظيفة، وإساءة استخدام السلطة، والإخلال بواجبات وظيفته. وكانت نيابة أمن الدولة الأردنية قد أوقفت منذ ثلاثة أيام المدير العام السابق لشركة «موارد» أكرم أبو حمدان لمدة 15 يوما، في مركز إصلاح وتأهيل «أرميمين»، على ذمة التحقيق، بعد تحقيق استمر عدة ساعات، في إطار شبهة الفساد على خلفية قضية دراسات الجدوى الاقتصادية والمالية لمشروع جر مياه «الديسي»، حيث وجهت له تهم التزوير، والاحتيال، والاستثمار الوظيفي، والإخلال بواجبات الوظيفة، وإساءة استعمال السلطة.

وأصدرت محكمة أمن الدولة في وقت سابق قرارا بالحجز التحفظي على الأموال المنقولة وغير المنقولة لأصول وفروع وأزواج كل من المدير العام السابق لمؤسسة «موارد» أكرم أبو حمدان، والمدير المالي السابق في المؤسسة زياد العقباني، والمستثمر خالد شاهين، على خلفية قضية دراسات الجدوى الاقتصادية والمالية لمشروع جر مياه «الديسي»، كما قررت منعهم من السفر.

وكان رئيس الوزراء الأردني معروف البخيت قد مثل يوم الأحد الماضي أمام هيئة مكافحة الفساد الأردنية، للاستماع إلى أقواله في قضية مشروع «الكازينو» التي أقرتها حكومته الأولى عام 2007، في خطوة أكد خلالها رئيس الهيئة سميح بينو أنها تأتي لتأكيد الحرص على ترجمة رؤى وتطلعات العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، وترسيخ دور الهيئة الوطني في التحقيق بقوة وشفافية عالية في كل قضايا الفساد.

ويرى المراقبون أن مثول البخيت أمام هيئة مكافحة الفساد الأردنية واستجوابه من شأنه أن يفتح الباب لمثول عدد من رؤساء الوزراء السابقين والوزراء وبعض كبار المسؤولين أمام الهيئة في قضايا فساد شغلت الرأي العام الأردني طويلا، مثل قضية «موارد» و«الفوسفات» و«الاتصالات»، و«سكن كريم لعيش كريم»، وغيرها من القضايا. وكان العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني قد أكد في لقائه في مارس (آذار) الماضي مع رئيس وأعضاء هيئة مكافحة الفساد الأردنية، برئاسة سميح بينو، أنه لا تهاون في مكافحة الفساد واجتثاث جذوره، مشددا على أنه لا خطوط حمراء أمام عمل الهيئة، ولا حماية لفاسد في هذا الوطن. كما أكد أن جميع مؤسسات الدولة، بما فيها الديوان الملكي، خاضعة لمساءلة الهيئة التي يجب أن تعطى الدعم الحقيقي والمرونة «إذا أردنا أن نسير في الاتجاه الصحيح»، معتبرا أن مكافحة الفساد بكل أشكاله، وتحويل كل من تثبت إدانته بالفساد للقضاء، وتطبيق القانون على الجميع، أولوية وطنية وركيزة أساسية لتحقيق الإصلاح الشامل والتنمية المستدامة في مختلف المجالات.

يشار إلى أنه تم تشكيل الهيئة الأولى لمكافحة الفساد في الأردن عام2007، بهدف الكشف عن مواطن الفساد بجميع أشكاله، وتوعية المواطنين بمخاطره وتأثيراته الجسيمة على المجتمع ومسيرته.

وفرضت السلطات القضائية الأردنية حجز الأموال التحفظي على المزيد من الشخصيات البارزة في إطار تحقيقات جديدة في ملفات تشتبه الحكومة في فسادها، وسط تعهد البخيت مجددا بألا تتهاون حكومته مع ملفات وشبهات الفساد. وبدأت اعتبارا من الأسبوع الماضي تحقيقات وتدقيقات عبر لجنة وزارية وهيئة متخصصة، بما لا يقل عن خمسة ملفات لخمس شركات كبرى حصلت فيها شبهات إدارية ومالية.

ويرى المراقبون أن حكومة البخيت تواجه أزمة حاليا بسبب رجل الأعمال خالد شاهين المدان في قضية فساد، أو كما أطلق عليها قضية عطاء مصفاة البترول، والمحكوم عليه بالسجن لمدة ثلاث سنوات زمن حكومة سمير الرفاعي، وذلك بعد أن كشفت إحدى الصحف المحلية قبل أيام أن شاهين، الذي سمحت له السلطات الأردنية في فبراير (شباط) الماضي بمغادرة سجنه إلى الولايات المتحدة للعلاج، موجود في لندن. وذكرت الصحيفة نقلا عن مصادر وصفتها بالموثوقة أن شاهين شوهد في أحد مطاعم العاصمة البريطانية يتناول طعام الغداء مع أسرته، وأحرج ما جاء في الصحيفة الحكومة، التي انبرى عدد من وزرائها للدفاع عن قرار السماح لشاهين بالعلاج في الخارج. ونتيجة للتصعيد الإعلامي الذي رافق هذه القضية والمطالبة بإقالة الحكومة، جراء السماح لشاهين بمغادرة الأردن، قال البخيت في مؤتمر صحافي عقده مؤخرا مع وسائل الإعلام الأردنية والعربية والأجنبية، إن الحكومة تقوم بالاستقصاء حاليا لمعرفة مكان وجود شاهين، بعد توارد الأنباء حول وجوده في لندن. وشدد على وجود ضمانات لدى الحكومة لعودته، وأنه تم الحجز على الأموال المنقولة وغير المنقولة العائدة له أو لعائلته، مشيرا إلى أن قرار السماح بعلاجه في الخارج لا يعتبر عفوا عنه، حيث سيكمل فترة محكوميته.

وكانت محكمة أمن الدولة قد أصدرت في يوليو (تموز) الماضي حكما على شاهين وثلاثة مسؤولين سابقين، بالسجن ثلاث سنوات، بعد إدانتهم بالرشوة واستغلال الوظيفة العامة، في ما عرف بقضية عطاء «توسعة مصفاة البترول».

وكان مستشار الملك أمجد العضايلة قد قال إنه غاضب جدا من طريقة خروج شاهين من سجنه، وأوعز بإجراء تحقيق عن الكيفية والطريقة ومدى قانونية الأمر. ورد شاهين في بيان نقله موقع «عمون» الإخباري على الاتهامات، موضحا ملابسات خروجه من السجن للعلاج وانتكاسة حالته الصحية في لندن وعدم تمكنه من مواصلة رحلته لأميركا، وأنه حاليا في لندن في انتظار مراجعة عدد من الأطباء، وانه سيعود إلى الأردن فورا الانتهاء من العلاج.

ويبدو أن حكومة البخيت عزمت على فتح هذا الملف، حيث يرى مراقبون أن فتح جميع هذه الملفات في آن واحد قد يعجل برحيل الحكومة، لأنها ستثير مشكلات جديدة هي في غنى عنها في هذه المرحلة الحرجة والثورات في عدد من الدول العربية.