الأسد يأمر بإطلاق الموقوفين الذين لم يرتكبوا «أعمالا إجرامية» عشية «جمعة الصمود»

اتفاق في بانياس على انتشار الجيش لـ«حفظ الأمن» مقابل وقف الاعتقالات

صورة أرشيفية لسوريين يشاركون في مظاهرة بدمشق تأييدا للمظاهرات التي قام بها سوريون في مدينة درعا في مارس الماضي (رويترز)
TT

قبل يوم على خروج مظاهرات حاشدة متوقعة في أنحاء سورية، فيما سمي بـ«جمعة الصمود»، أعلن الرئيس السوري بشار الأسد أنه أصدر قرارا بالإفراج عن جميع الموقوفين على خلفية الأحداث الأخيرة «ممن لم يرتكبوا أعمالا إجرامية بحق الوطن والمواطن».

وقالت وكالة سانا السورية الرسمية: «بناء على اجتماعات السيد الرئيس بشار الأسد مع فعاليات دينية وشعبية في عدد من المحافظات والتي استمع خلالها إلى آراء الإخوة المواطنين ومقترحاتهم لتطوير العمل الوطني.. وحرصا من سيادته على تدعيم التلاحم بين أبناء الشعب.. وتقديرا منه لحرصهم على سلامة الوطن وأمنه واستقراره.. قرر الرئيس الأسد الإفراج عن جميع الموقوفين على خلفية الأحداث الأخيرة ممن لم يرتكبوا أعمالا إجرامية بحق الوطن والمواطن».

وكان الرئيس السوري بشار الأسد يواصل لقاءاته مع وفود من أهالي المناطق التي شهدت أعمال عنف دموية.

وفي مدينة بانياس، التي لا تزال محاصرة بالجيش، اجتمع ليلة أول من أمس وجهاء من المدينة مع اللجنة الحكومية المكلفة للبحث في أوضاع بانياس. وضم وفد الوجهاء كلا من عدنان الشغري رئيس البلدية والشيخ محمد يوسف وممثلين عن الشيخ أنس عيروط الذي تم اعتقاله في اليومين الماضيين. وخرج الاجتماع بالاتفاق على انتشار الجيش في أحياء المدينة كافة ودون استثناء وعلى إزالة الحواجز التي أقامها الأهالي عن هذه الأحياء، مقابل تعهد الجيش بعدم ملاحقة أي من أبناء بانياس، وإخراج عناصر الأمن المدنية وعدم القيام باقتحام للمنازل لتنفيذ اعتقالات، وإطلاق سراح كافة المعتقلين من أبناء المدينة. وتم بعد ذلك بالفعل إطلاق سراح نحو 300 معتقل، وهو ما أكدته مصادر حقوقية سورية.

وبعد ساعات على هذا الاجتماع الذي عقد في بانياس، بعد مظاهرة حاشدة لنساء القرى اللاتي خرجن ظهر أول من أمس للمطالبة بالإفراج عن رجالهن، تجددت أعمال العنف في بانياس يوم أمس. وصرح مصدر مسؤول بأن «مجموعة مسلحة من القناصة أطلقت النار يوم أمس على عدد من عناصر الجيش خلال قيامهم بدورية حراسة في مدينة بانياس، مما أدى إلى استشهاد العنصر فادي عيسى مصطفى وجرح العنصر تيسير عمران برصاص المجموعة الإجرامية»، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء السورية (سانا) على لسان المصدر المسؤول.

في تلك الأثناء كان الجيش يتحرك لمحاصرة بلدة تلبيسية التي تبعد 5 كيلومترات شمال حمص على الطريق الواصلة بين حمص وحماه. وقالت مصادر محلية إن مجموعة مجهولة قامت بقطع أحد مسارب الطريق الدولي عند بلدة تلبيسية، التي شهدت يوم أول من أمس تشييع امرأة وطفلها من عائلة الفياض، قتلا في بانياس حيث كانت تقيم العائلة. وقالت المصادر إن العائلة كلها تعرضت للعنف (الأب والأم وولديهما)، وفيما تم تسلم جثماني الأم وأحد الأبناء ما زال مصير الأب والولد الثاني مجهولا.

وتحولت الجنازة إلى مظاهرة غاضبة نادت بالحرية ورفع الظلم. ومع حلول المساء تزايدت الكثافة الأمنية في المنطقة مع ملاحظة لوجود الجيش عند مدخل البلدة، بحسب الشهود. كما قالت مصادر محلية أيضا إن وجودا للجيش لوحظ عند مدخل مدينة الرستن الواقعة على الطريق بين حمص وحماه مساء أول من أمس. ومدينة الرستن التي هي مسقط رأس العماد مصطفى طلاس، تشهد منذ ثلاثة أسابيع مظاهرات احتجاجية بعيدا عن الأضواء، حالها حال بلدة تلبيسية والعديد من البلدات في ريف حمص، حيث يصر الأهالي على إزالة الصور والتماثيل التي تمثل رأس النظام رغم كل محاولات التهدئة.

أما في دمشق، فقد التقى الأسد أمس وفدا من أهالي محافظة درعا ضم ممثلين من مختلف القوى والفئات الاجتماعية في المحافظة لبحث الأحداث الدامية التي تشهدها المدينة منذ نحو شهر، بحسب ما ذكرته مصادر إعلامية شبه رسمية في دمشق. وقالت إن الوفد تحدث أمام الأسد عن «طلبات المحتجين وكرروا أمامه ضرورة الإصغاء لها والعمل على تنفيذها لما فيها من فائدة على مصلحة البلد»، وأن الوفد بيّن أن هذه المطالب تتمثل في «إلغاء قانون الطوارئ وإطلاق الحريات السياسية والإعلامية ومكافحة الفساد، إضافة إلى مطالب خاصة بمحافظة درعا منها سحب القوات العسكرية والأمنية من المدن وإطلاق سراح المعتقلين على خلفية التظاهرات والأحداث الأخيرة». وقالت المصادر إن هذه «المحادثات تهدف إلى إيجاد تسوية لوضع المدينة المتأزم منذ ثلاثة أسابيع». وقد سبق اجتماعهم مع الرئيس الأسد لقاء مع نائبه فاروق الشرع يوم الثلاثاء الماضي، ولقاء آخر مع رئيس الحكومة المكلف عادل سفر للنظر في إمكانية النظر في تنفيذ «ما هو محق من مطالب المدينة».

ونقلت قناة «الإخبارية» السورية عن الشيخ مصلح عياش، الذي كان ضمن وفد أهالي درعا الذين قابلوا الأسد أمس، أن «الرئيس ينظر في قضية الموقوفين على خلفية الأحداث في جميع المناطق وسيصدر ما ينهي هذه القضية، وأن كل من سقط في أحداث درعا هو شهيد وكل من أطلق النار سيعاقب». ونقلت «الإخبارية» أن النائب ناصر الحريري قال «إن الرئيس الأسد استجاب لجميع الأطراف وأن أبواب الرئيس مفتوحة لكل السوريين وأول زيارة له بعد تشكيل الحكومة ستكون إلى درعا».

وقالت مصادر أيضا إن الرئيس السوري التقى للمرة الثانية وفدا من أهالي مدينة دوما ضم 16 شخصية من اللجان الشعبية للمدينة التي شهدت تظاهرات خلال الجمعتين الماضيتين سقط فيها 12 قتيلا، وكان الأسد قد استقبل ذويهم قبل أيام، إلا أن وفد دوما الذي التقى الأسد أول من أمس، مثل جميع شرائح المجتمع الأهلي في دوما من فلاحين وعمال وصناعيين ومحامين، بحسب المصادر الإعلامية التي قالت إن اللقاء استمر نحو ساعتين ونصف الساعة.وتركزت المطالب على «رفع حالة الطوارئ وتعديل الفقرة الخاصة بعقوبة الإعدام لمنتسبي جماعة الإخوان المسلمين في القانون 49، كما تم تأكيد ضرورة إقرار قانون للأحزاب وآخر يسمح بالتظاهر السلمي بعد أخذ الموافقات المطلوبة». وبينت المصادر أن الوفد تقدم أيضا بمطالب خدماتية من قبيل إقامة مصانع للألبان والأجبان في غوطة دمشق، وحل مشكلة وسائط النقل في دوما، الأمر الذي اعتبر الأسد أنه يجب أن يناقش مع وزير النقل، إضافة إلى تحسين شبكات مياه الشرب والصرف الصحي والهاتف في وقت قصير، وهي ذات المطالب التي تم رفعها في وقت سابق عبر مذكرات مكتوبة تسلمها القصر الرئاسي عبر مبعوثيه الخاصين إلى دوما. وقالت المصادر «إن موضوع الشهداء الذين سقطوا خلال التظاهرات لم يفتح في لقاء أول من أمس الأربعاء على اعتبار أنه نوقش في الاجتماع السابق مع ذويهم بكل أبعاده».

ونقلت المصادر عن الأسد تأكيده على دور اللجان الشعبية في «تسهيل التواصل بين القيادة والمواطنين مما سيدفع باتجاه عودة الحياة إلى طبيعتها في المدينة التي تعتبر مركز محافظة الريف». وبينت المصادر أن تنظيم اللقاء الثاني كسابقه جرى عبر القيادة القطرية لحزب البعث.

كذلك اجتمع الأسد أول من أمس مع وفد من مدينة حمص، قالت المصادر إنه «ضم فعاليات شعبية من مختلف أحياء ومناطق المحافظة». وبحسب ما ذكرته جريدة «الوطن» السورية القريبة من السلطة، نقلا عن مصدر مطلع، فإن اللقاء كان «حوارا مفتوحا من القلب إلى القلب عن الفترة التي مرت بها محافظة حمص والإشكالات التي حصلت مؤخرا». وقالت إن «الوفد صارح الرئيس الأسد بكافة الحوادث التي حصلت في المدينة وشرح طلبات المواطنين ومشاكلهم التي تجلت خلال التظاهرات». وأضافت أن الأسد من جانبه «أبدى تفهمه لواقع التظاهرات وأسبابها وطلب من كل منطقة تفاصيل الوقائع التي حصلت وأدت إلى سقوط ضحايا، واستمع إلى مطالب أهالي المحافظة التي تمثلت بحل مشكلة البطالة وخاصة بين الشباب، ومحاربة الفساد، والإفراج عن المعتقلين السياسيين، إضافة إلى رفع حالة الطوارئ، وسن قانون للأحزاب، وحرية الإعلام». وقالت «الوطن» إن الرئيس «أكد رغبته في لقاء أهالي شهداء حمص، مشددا على ضرورة الحفاظ على الوحدة الوطنية والنسيج الاجتماعي السوري».