شباب العراق يصطدم بنخب المنفى التي عادت وراء الدبابات الأميركية

نائب يسعى لتشكيل تكتل من النواب الشباب: الزعماء العائدون أكثر منا مالا وسلطة

TT

على خلفية الانتفاضات الديمقراطية في مختلف أنحاء العالم العربي التي تضغط من أجل تحقيق تغيير، بدأ نواب في البرلمان العراقي يتنافسون في مواجهة نخبة سياسية متحجرة لا يزال يسيطر عليها المنفيون الذين تبعوا الدبابات الأميركية إلى داخل العراق ليقيموا نظاما ديمقراطيا هشا تأثر كثيرا بأعمال العنف.

وفي الشوارع أسكت الرصاص وهراوات وحدات أمنية نخبوية المحتجين الشباب والصحافيين. ويقول مسؤولون إن هذه الوحدات تستجيب فقط لرئيس وزراء يرسل أوامره بصورة شخصية عبر رسائل نصية.

هذا بالتأكيد ليس ربيع العراق.

وداخل دولة نسبة معدلات الأعمار فيها أصغر من دول مثل مصر وتونس وليبيا، تظهر موجة التغيير السياسي داخل المنطقة فجوة بين أجيال فرقت بينها مشاعر قديمة نشأت في ظل نظام ديكتاتوري وحرب واستيعاب الشباب للمخاطر داخل العراق الجديد. وقال البرلماني الكردي راواز خوشناو (32 عاما) خلال مقابلة أجريت معه مؤخرا: «الجيل الأصغر مستعد للمضي قدما. إنه أقل تذمرا».

ولكن تواجه قوى الشباب القوى نفسها التي سرقت المجتمع العراقي منذ فترة طويلة ولوقت طويل - أعمال العنف واقتصاد راكد وساحة سياسية ليس فيها حل وسط ومشاعر طائفية - وقد أعاق ذلك الوضع طبقة سياسية جديدة ومنعها من الظهور لتأخذ العراق إلى مستقبل جديد ديمقراطي.

وقد تبدت مشاعر مشتركة من خلال أكثر من 30 مقابلة شخصية أجريت مؤخرا مع شباب عراقيين بمختلف أنحاء العراق عبروا خلالها عن انفصالهم عن قادتهم السياسيين وعدم إعجابهم بالطريقة التي تسير عليها الديمقراطية في بلدهم. وقال سواش أحمد (19 عاما)، وهو طالب من كركوك يدرس القانون: «يعد الشباب طبقة مهمشة داخل المجتمع العراقي. ولذا، فقد بدأوا يتوحدون عبر موقع (فيس بوك)، أو شبكة الإنترنت، أو من خلال المظاهرات، وأمسيات المقاهي، والمنتديات، وفي داخل الجامعات. ولكن ليس لديهم السلطة».

وتظهر حكومة الوحدة العراقية علامات متزايدة على انقسام بشأن اتفاق المشاركة في السلطة الذي دعمته الولايات المتحدة. وإذا شهدت الحكومة انقساما، وسيطرت أغلبية ضعيفة لأحزاب شيعية تحت قيادة رئيس الوزراء نوري كمال المالكي، الذي كان يعيش في المنفى، ستكون النتيجة انقساما أكبر، ومن المحتمل أن يحدث مزيد من أعمال العنف.

وبالنسبة للشباب، ستكون هذه إشارة أخرى على صعوبة الحصول على منبر داخل الديمقراطية العراقية، ويأتي ذلك في مقابل التاريخ الجديد الواسع الذي يتشكل في أماكن أخرى في منطقة الشرق الأوسط.

وفي البصرة، قال صلاح محمود (18 عاما) إن السياسيين هنا انغمسوا في «حب السلطة». وأضاف: «ليس لدينا نظام ديمقراطي، ولا يعرف السياسيون ماذا يعني النظام الديمقراطي». ولكن ربما يعد من علامات التقدم الذي حدث أن هؤلاء الطلبة يستطيعون الحديث بحرية والانضمام إلى مظاهرات تجوب الشوارع. وتقول شيرين أحمد (19 عاما)، التي تدرس لتكون مدرسة في محافظة الأنبار: «لا أريد أن أكون سلبية بصورة مبالغ فيها. نعم نشهد أمامنا جزءا بسيطا من الديمقراطية ويظهر ذلك ما نراه من احتجاجات داخل العراق. عندما كان صدام هنا، لم يكن يجرؤ عراقي واحد على الخروج في مظاهرة لأنه كان سيتعرض للقتل».

النائب البرلماني طلال الزوبعي (41 عاما) قرر تشكيل تكتل للشباب من أعضاء البرلمان. وينتمي الزوبعي إلى القائمة العراقية بزعامة إياد علاوي، الذي اختاره الأميركيون ليكون رئيس الوزراء عام 2005، وكان قد تعرض في المنفى لهجوم من قبل عناصر أرسلها صدام حسين لاغتياله. ويقول الزوبعي إن هناك ستة انضموا إلى هذا التكتل، وإن 20 آخرين عبروا له في السر عن اهتمامهم، ولكن يخشون الإعلان عن الأمر لأنهم «في الوقت الحالي يخشون من قياداتهم».

وليس لدى الزوبعي هذا الخوف، وتحدث صراحة عن احتقاره للنخبة السياسية خلال مقابلة داخل ردهة مكتب القائمة العراقية في البرلمان. ويفخر الزوبعي، وهو سياسي سني، بأنه تعرض لثلاث محاولات اغتيال ونجا منها، وكانت هذه المحاولات باستخدام سيارة مفخخة، وقنبلة ذرعت على جانب الطريق، ومدفع رشاش. وأضاف البرلماني، الذي يسعى لإتمام الدراسات العليا بإحدى الكليات داخل بغداد: «تكمن المشكلة في أن هؤلاء الزعماء لديهم سلطة أكبر مما لدينا. ولديهم قدر أكبر من الأموال يستطيعون استخدامه في الانتخابات. ولديهم سلطة أكبر لاستخدام الجيش والشرطة من أجل تعزيز سلطتهم».

وتتجلى الاتجاهات الديموغرافية، التي ميزت الانتفاضات الديمقراطية وغيرت من اتجاهات السلطة بمنطقة الشرق الأوسط، في العراق أكثر من دول أخرى. ويبلغ متوسط الأعمار داخل العراق 21 عاما، وفقا لما جاء في كتاب «حقائق العالم» التابع لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية. وفي مصر يبلغ متوسط الأعمار 24 عاما، فيما يبلغ في تونس 30 عاما. ويبلغ قرابة 40 في المائة من السكان في العراق 14 عاما أو أقل، بالمقارنة مع 33 في المائة في مصر وليبيا و23 في المائة في تونس. وتتشابه هذه المقارنات مع البحرين وسورية.

وفي وقت قريب، تجمعت داخل بغداد مجموعة من العراقيين الشباب الذين استخدموا «فيس بوك» من أجل تنظيم احتجاجات في فبراير (شباط) لطلب خدمات أفضل بالقرب من كنيسة قتل فيها أكثر من 60 مسيحيا نهاية العام الماضي. وتحدث المنظمون عن تعرضهم للاعتقال والضرب على يد قوات أمنية عقب الاحتجاجات، وأنهم اتهموا بالمثلية الجنسية والتبعية للبعثيين. وتحدث علي عبد الزهرة، وهو صحافي، عن صديق له تعرض للضرب أمام عينيه، وسأله الضابط: «هل أنت من شباب (فيس بوك)؟» واستطرد الضابط قائلا: «ترغب في الحرية؟ سأريك الحرية»، بحسب ما قاله عبد الزهرة.

وتتشابك أعمال العنف مع السياسية داخل بغداد على الرغم من مرور ثمانية أعوام على الغزو الأميركي وستة أعوام على إقرار الدستور وبعد انتخابات محلية وعامة عدة وصفتها مؤسسات دولية بأنها حرة ونزيهة. وقد خلف هجوم وحشي مؤخرا على مقر الحكومة المحلية في تكريت، مسقط رأس صدام حسين، قرابة 60 شخصا قتيلا، من بينهم ثلاثة أعضاء بالمجلس المحلي. ويعطي هذا التمرد العنيد مساحة لقادة مثل المالكي كي يركزوا السلطة، لا سيما على القوات الأمنية، بحسب ما يقوله منتقدون. وعلى سبيل المثال، قال علاوي في مقابلة إنه في إطار اتفاق المشاركة في السلطة لتشكيل الحكومة العام الماضي «تم التوافق على أنه يجب انفصال الوحدات المرتبطة برئيس الوزراء». ولكن لم يحدث ذلك. وأضاف قائلا: «لا توجد مشاركة في السلطة، ولا توجد ديمقراطية».

وأوضح خوشناو، المشرع الكردي، قائلا إن «الفجوة بين أجيال القيادات على هذا النحو: الجيل الأقدم الذي عانى تحت وطأة حكم صدام حسين وناضل ضده في المنفى (يشعرون بالاستياء الشديد)». وأضاف: «لقد سئم المواطنون الوجوه التي يشاهدونها على شاشات التلفزيون على مدار الأعوام الـ8 الماضية».

* خدمة «نيويورك تايمز»