بولندا تريد مساعدة العرب.. بالنظر إلى ماضيها الشيوعي

وزير خارجيتها متحمس لمساعدة الديمقراطيات الناشئة وينصح بالاستفادة من خبرات أحزاب الحكم إثر الإطاحة بها

راديك سيكورسكي
TT

على الرغم من الانتقاد المستمر الذي يتعرض له الاتحاد الأوروبي بشأن رد فعله المتأخر تجاه حالة الانتفاضات العارمة التي تجتاح العالم العربي، فقد صرح وزير الخارجية البولندي هذا الأسبوع بأن الأزمة قد منحت فرصة للاتحاد الأوروبي لمساعدة تلك المنطقة في طريقها نحو إرساء الديمقراطية.

ويمكن أن تقدم بولندا، التي سترأس الاتحاد الأوروبي في الأول من يوليو (تموز) المقبل، منظورا خاصا لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، على نحو من شأنه أن يمد يد العون لهذه المنطقة على وجه الخصوص «في المرحلة الانتقالية وعملية إرساء الديمقراطية»، حسبما أشار وزير الخارجية البولندي، راديك سيكورسكي، في لقاء أجري معه.

وتكمن الفكرة في أن بولندا، بوصفها إحدى الدول التي كانت شيوعية وعصفت بها اضطرابات اجتماعية واقتصادية وسياسية ضخمة خلال التسعينات من القرن الماضي، يمكنها مشاركة أفكارها مع القوى السياسية الناشئة في منطقة الشرق الأوسط. وقال سيكورسكي: «ترى بولندا أنها يمكن أن تجني فائدة إضافية من نقل التجربة الانتقالية التي مررنا بها إلى أصدقائنا في دول الجوار الجنوبية».

وقد أرسلت بولندا فريقا لتقصي الحقائق الأسبوع الماضي إلى تونس وبنغازي في ليبيا. وبينما يحتمل أن تكون تلك الجهود مدفوعة بنيات طيبة، يعتقد بعض النقاد أنها لن تفيد بدرجة كبيرة في تشكيل سياسة خارجية متماسكة للاتحاد الأوروبي.

وتركز بولندا الآن بقوة على شؤون الاتحاد الأوروبي، وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بكيفية تقوية سياسة الأمن والدفاع الخاصة بالاتحاد، إلى حد أن روابط الدولة القوية بحلف شمال الأطلسي (الناتو) يبدو أنها بدأت تأتي في المرتبة الثانية.

وليس هذا بالشيء الذي يمكن أن يعترف به سيكورسكي، الذي تربطه صلات قوية بواشنطن، ولا سيما قبل انعقاد اجتماع وزراء خارجية حلف الناتو يومي الخميس والجمعة المقبلين في برلين. وتمتلك بولندا في حقيقة الأمر خامس أكبر قوة طوارئ أوروبية ضمن قوة حلف الناتو في أفغانستان، بامتلاكها فرقا عسكرية يبلغ عددها 2,527 فرقة.

غير أن هذا التحول يتضح جليا في حقيقة عدم مشاركة بولندا في مهمة حلف الناتو العسكرية في ليبيا واستعدادها بدلا من ذلك لإرسال قوات للانضمام إلى المجموعات القتالية الخاصة التابعة للاتحاد الأوروبي والتي من شأنها أن توفر الحماية للمساعدة الإنسانية المقدمة من الاتحاد الأوروبي لليبيا.

وقال سيكورسكي، 48 عاما، في هذه المقابلة: «لا تلعب بولندا دورا عسكريا ضمن مهمة حلف الناتو في ليبيا». واستطرد قائلا: «لكننا لم نمنع حلف الناتو من تولي زمام هذه المهمة»، مشيرا إلى نقل الولايات المتحدة مسؤولية فرض منطقة حظر جوي على ليبيا إلى حلف شمال الأطلسي، وهو ما صدق عليه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الشهر الماضي.

كانت إجراءات السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، التي قادتها، كاثرين أشتون، بطيئة في الاستجابات للتغيرات التي تمر بها المنطقة. وكانت النتيجة أن تحولت تلك السياسة إلى عواصم الدول الأوروبية، حيث قام وزراء الخارجية برحلات خاصة وأدلوا بتصريحات سياسية كل على حدة حول كيفية الاستجابة للتغيرات التي تشهدها المنطقة.

وفي حالة بولندا، التي تعتبر إحدى دول الاتحاد الأوروبي متوسطة الحجم وواحدة من القلائل التي لم تتأثر بالأزمة المالية العالمية في الفترة من 2008 إلى 2009، فإنها واضحة بشأن دورها.

وقال سيكورسكي: «نحن نؤمن بأن لدينا الخبرة المناسبة عندما يتعلق الأمر بإجراء مثل هذا التحول الذي يحوي بين طياته أجندة عمل ضخمة ومعقدة». وأشار إلى موضوعات عدة سيتعين على الديمقراطيات الناشئة التعامل معها. وكان أحدها هو كيفية تنظيم العلاقة بين الدين والدولة - وهو موضوع وثيق الصلة ببولندا، بالنظر إلى كفاح الكنيسة الكاثوليكية الرومانية، التي كانت تلعب دورا مؤثرا أثناء الحقبة الشيوعية لأنها قد أتاحت مساحة مستقلة لأفراد الشعب، حاليا من أجل الاحتفاظ بمكانتها كقوة أخلاقية وسياسية داخل الدولة.

وذكر سيكورسكي أيضا أنه يتعين على الدول العربية التعامل مع الأحزاب التي كانت تتولى مقاليد الحكم في السابق ومع كيفية تنظيم الانتخابات وكيفية تحديد الإجراء اللازم للتعامل مع أجهزة الأمن التي كانت تعمل تحت الأنظمة السابقة وكيفية الرقابة على جهاز الشرطة والقوات المسلحة بشكل ديمقراطي.

وقال: «لكل دولة طريقتها الخاصة في التعامل مع هذه الأمور. ونحن نرغب في مشاركة خبراتنا». وأضاف سيكورسكي أن أشتون كانت تفكر في هذه الأمور وثيقة الصلة بالمرحلة الانتقالية.

ومن الصعب معرفة حجم التأثير الذي ستلقي به بولندا أو الاتحاد الأوروبي على عملية إرساء الديمقراطية. ولكن إذا كان لسيكورسكي طريقته الخاصة، فعندما تتقلد بولندا رئاسة الاتحاد الأوروبي، فستحث بروكسل على أن تولي مزيدا من الاهتمام إلى سياسة الجوار الأوروبية.

ومن المفترض أن تقرب تلك السياسة، من خلال حوافز اقتصادية وسياسية عدة، أرمينيا وأذربيجان وبيلاروسيا وجورجيا ومولدوفا وأوكرانيا من الاتحاد الأوروبي، ولكن دون أي وعد بالانضمام إلى عضويته. لقد احتلت بولندا بالفعل مركز الصدارة في دعم المعارضة الديمقراطية في بيلاروسيا. وأنهى سيكورسكي حديثه قائلا: «النقطة هي أنك ستواجه مزيدا من الثورات احتجاجا على جميع المشكلات السلبية ما لم تساعد في تقدم عملية التحول إلى نظام الحكم الديمقراطي».

* خدمة «نيويورك تايمز»