الحرب تترك آثارها على سوق الجمعة في بنغازي.. لكن الصحافة تزدهر

الإذاعة تتغنى بالثورة.. والمجلس الوطني يعمل على إنشاء قناة تلفزيونية

TT

تحت السطح الصاخب لسوق الجمعة في بنغازي بدأت الآثار الاقتصادية للحرب المستمرة منذ ثمانية أسابيع في الظهور.. ولكن في المقابل، هناك أشياء أخرى تزدهر ومن بينها «الصحافة»، التي تزخر بها أكشاك بنغازي، فيما تتغنى الإذاعة المحلية التي تجد رواجا، بمزايا الثورة التي يعكف قادتها على إنشاء قناة تلفزيونية في «ليبيا الحرة».

وما زال الباعة في سوق الجمعة يضعون الصناديق الكرتونية والطاولات المصنوعة من رقائق الخشب على الأرض المغبرة لأطراف بنغازي معقل المعارضة المسلحة في الشرق وهم ينادون على بضائعهم المتنوعة بينما يتجول مئات المتسوقين بينهم.

لكن العمالة الوافدة التي كانت تملأ هذا السوق يوما ما غابت عنه بشكل كبير وارتفعت أسعار سلع كالبيض وزيت الطعام وأصبح العلم الملكي بألوانه الأحمر والأسود والأخضر إلى جانب بعض الشعارات القطرية من بين السلع التي تباع في السوق. وعزلت الحرب السوق عن مسارات إمداده التقليدية إلى العاصمة طرابلس وغيرها من المدن الغربية واختفى الباعة الذين يأتون لبيع وشراء الماشية الحية.

وقال أحمد العروفي، 55 عاما، والذي يعمل مزارعا، لـ«رويترز»: «اعتاد التجار القدوم من طرابلس لشراء الخراف. كانت عشر سيارات كبيرة تغادر يوميا.. الآن لا يوجد شيء من هذا». ويشتري مزيد من التجار المحليين الأغنام الآن ويرجع السبب في ذلك غالبا إلى صعوبة الحصول على الأبقار والدجاج لكن العروفي قال إن ذلك لم يمنع من تدني دخله الشهري إلى النصف تقريبا. كما توقفت إمدادات البيض التي كانت تأتي من مدينة مصراتة المحاصرة حاليا. وقال التجار إن ثمن كرتونة البيض ارتفع من خمسة دنانير ليبية (4.17 دولار) إلى سبعة.

ويواجه المجلس الوطني الانتقالي الليبي المعارض الذي يتخذ من بنغازي مقرا له صعوبات في الحفاظ على طبيعية الحياة في الشرق بعد أن تخلص من حكم القذافي في فبراير (شباط) الماضي. وما زالت الرواتب التي تصل إلى 700 دينار شهريا تدفع ويسمح بسحب مبلغ مساو من البنوك لكن الكثير من العمالة الوافدة التي كانت تطهو الطعام وتنظف الشوارع وتعمل في محطات الوقود وتبني المساكن قد فر. وخلف التهديد المستمر بتجدد الحرب المحال وغيرها من المصالح في بنغازي مغلقة.

وقال أحد مربي الدواجن أعد أطباق البيض فوق مقدمة سيارته لـ«رويترز»: «كان هنا الكثير من الأجانب - من بنجلاديش وتركيا. كانوا يأتون من الشركات ليشتروا أشياء من هنا لكنهم ليسوا هنا الآن». وعرقلت الحرب بشكل كبير صناعة النفط المربحة في ليبيا. واضطرت المعارضة إلى وقف الإنتاج بعد أن هاجمت القوات الموالية للقذافي حقول النفط التي يسيطرون عليها الأسبوع الماضي مما قطع مصدرا حيويا للدخل في الشرق.

وقال محيي الدين البجو، 52 عاما، ويعمل مهندسا إنه جاء إلى بنغازي بعد أن اضطر إلى ترك عمله في شركة سرت النفطية في بلدة مرسى البريقة حيث تحاول قوات المعارضة طرد قوات القذافي منذ أسبوعين. وذكر مثل آخرين في السوق أن أسعار السلع الغذائية كالسكر واللحم وزيت الطعام ترتفع منذ بدء الانتفاضة الشعبية.

في المقابل، تزخر أكشاك بنغازي بالصحف التي تزدهر حاليا، إثر أجواء الحرية في الشرق الليبي. ويقول سليم الفكهي الذي عمل طيلة 35 سنة في التلفزيون الرسمي الليبي، لوكالة الصحافة الفرنسية، إن «القذافي احتكر التلفزيون طيلة 42 سنة، كنا نعمل فيه لأننا في حاجة لرواتب تضمن لنا قوت عائلاتنا لكن القلب لم يكن مطمئنا».

ويعكف هذا الرجل (54 سنة) الذي طغى الشيب على شعره مع زميله عبد الرحيم الفروي على إعداد أول برامج قناة تلفزيونية أطلق عليها اسم «ليبيا الحرة».. يجري الإعداد لها تحت إشراف المجلس الوطني الانتقالي الهيئة الرسمي للثورة الليبية التي تسيطر على شرق البلاد. ولا تملك السلطات الجديدة بثا على قمري «نايل سات» و«عرب سات» لانطلاقة قناتها لكنها تعمل على برمجة المحطة المستقبلية.

وقال محمد فنوش المشرف على وسائل الإعلام في المجلس الانتقالي للوكالة الفرنسية: «طيلة 42 سنة كانت هناك مسرحية بممثل واحد لكننا الآن نمنح حرية التعبير والنشر لكافة الآراء»، وبشأن موقفه من الآراء الموالية للقذافي قال: «في المستقبل (ستبث) تلك الآراء لكن طالما الحرب دائرة لا». ويبث فرع الإذاعة الوطنية في بنغازي الذي تحول إلى إذاعة «ليبيا الحرة» منذ انتفاضة منتصف فبراير (شباط) على موجة إف إم في شرق البلاد وإيه إم لإبلاغ السكان المقيمين في المناطق «المحررة» بأخبار الثورة.

وهيأت «ليبيا الحرة» استوديو جديدا في إحدى ضواحي بنغازي لإنشاء قناة إف إم ثانية لتلاوة القرآن. وأقصي المذيعون الذين كانوا مقربين من النظام السابق من الإذاعة التي تبث آخر أخبار الثورة تتخللها أغاني فيروز ولطيفة! وتلاوة الشعر. لكن يتعين على هذه الإذاعة أن ترقى بمستواها الإنتاجي كي تأمل منافسة إذاعة «الجزيرة» العربية الإخبارية المتواصلة التي تبث باستمرار منذ الشهر الماضي على موجة إف إم في بنغازي.

وقال عبد الرحمن سائق سيارة الأجرة في بنغازي الذي يفضل القناة القطرية، إن «الناس يستمعون إلى الإذاعتين ليبيا الحرة والجزيرة». وكثرت الصحف في أكشاك بنغازي منذ بداية الثورة «الصوت» و«ليبيا الحرة» و«ليبيا الحرية» و«برنيق».. وكثر إنتاج رسامي الكاريكاتير الذين يسخرون من صورة القذافي وكأن الأفكار المتراكمة المدروسة بعناية طيلة عقود أخذت تتبلور في ريشة الرسام.

وقال فاتح الكاشمي مسؤول موقع «برنيق»، (اسم بنغازي سابقا باللغة اليونانية) على الإنترنت: «في الماضي كان يستحيل انتقاد القذافي كان فوق القانون وفوق الجميع وكأنه إله». ونشأت برنيق في الأيام الأولى من الثورة مما تبقى من صحيفة «القرينة» التي أسسها نجل القذافي سيف الإسلام قبل أربع سنوات واستعادت محلات الصحيفة السابقة ووجدت ممولين. وفي «ليبيا الحرة» ليست هناك قوانين بما للكلمة من معنى حيث لا شيء يؤطر الصحف وتباع الصحف بعشرين سنتا، وقد تبنت الصحف المثل الديمقراطية للثورة وتريد فتح المجال أمام التعبير الفردي. ووقع شاب مقالته في «برنيق» قائلا: «لأول مرة في حياتي أمارس حرية التعبير.. أقولها لك، إنه لأمر رائع».