مع اقتراب الساعة التاسعة صباحا، يستعد المعتصمون في ساحة التغيير لافتتاح يومهم الثوري بالوقوف احتراما للنشيد الوطني، مرددين كلماته، ويضعون يمناهم على قلوبهم مع تصفيقة حارة بعد انتهاء إذاعة المنصة من بث النشيد الوطني. الكثير من المعتصمين يقولون إنهم لم يكونوا يهتمون بالنشيد الوطني لبلادهم ولا يحفظون كلماته، على الرغم من تكراره لهم في مدارسهم، لكنهم، كما يقولون، لم يشعروا أن الوطن ملكهم إلا منذ أن بدأوا ثورتهم في ساحة التغيير. ويتحدث كثير منهم عن اكتسابهم الكثير من السلوكيات الثقافية التي كانوا لا يهتمون بها، مثل: حفظ النشيد الوطني، رفع العلم الوطني، واحترام الرأي الآخر، إضافة إلى تعزيز حبهم لبلادهم وتشجيع أبنائهم على ذلك؛ فالوطن، كما يقولون، ملك الشعب. ويؤكد فؤاد الشرعبي (34 سنة) أنه لم يكن يعرف معنى ألوان العلم الوطني قبل دخوله الاعتصام، ولم يكن يحفظ كلمات النشيد الوطني، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «بسبب ممارسات النظام طوال 33 عاما وانتشار الفساد في معظم مرافق الدولة أصبح المواطن لا يهتم بما يجري في بلاده، بل كان يخفي هويته اليمنية إذا أراد السفر إلى الخارج». ويضيف: «اليوم خرجنا نصيح بصوت واحد: الشعب يريد إسقاط النظام وبناء دولة مدنية تحافظ على وطنهم من الفساد والنهب والتدمير، وتجعل المواطن يحس أنه مسؤول عن وطنه بشكل مباشر». ولعل أهم ما يلاحَظ على اليمنيين اليوم هو رفعهم العلم الوطني بألوانه الثلاثة، الأحمر والأبيض والأسود، ويشترك في ذلك مؤيدو الرئيس صالح ومعارضوه، وهو موقف يدل على أن الوطن فوق الجميع وإن اختلف الطرفان في هدفهما من رفعهما، كما يقول محمد حاتم السريحي، وهو من مؤيدي النظام، ويؤكد لـ«الشرق الأوسط»: «الوطن للجميع ولكل هدفه ومطلبه، نحن نريد الأمن والاستقرار لبلادنا، لا نريد نشر الفوضى والتخريب، على الجميع أن يحترم خيارات الشعب والدستور والقانون». ومع اقتراب الساعة الرابعة عصرا في ساحة التغيير بصنعاء، لا يجد أحمد الخولاني - من قبيلة خولان المشهورة - حرجا من الخروج من خيمته مع أبناء قبيلته لترديد النشيد الوطني الذي يُبث مرة ثانية، على الرغم من انشغال معظم المعتصمين بمقايل القات، بينما تجد معظم رجال القبائل حاملين على أكتافهم العلم الوطني. يقول أحمد لـ«الشرق الأوسط»: «إن رجال القبيلة يحفظون الآن كلمات النشيد الوطني بل إنهم يحفظونه لأبنائهم، وعند بثه بشكل موحد في جميع ساحات الجمهورية تجدهم يخرجون من خيامهم ليقفوا احتراما وتقديرا له». ويؤكد: «ساحة التغيير جعلت الكثير منا يعرف معنى الوطن، وازددنا تواصلا مع أبناء الوطن الذين تعرفنا عليهم هنا». علماء الاجتماع اعتبروا ما يحدث على الساحة اليمنية ثقافة وطنية عفوية جعلت الكثير من اليمنيين يظهرون حبهم الحقيقي لوطنهم، ويؤكد أستاذ علم الاجتماع د. حمود العودي أن الولاء الوطني هو العامل المشترك الذي يلتف حوله جميع أبناء الوطن ومن خلاله يعززون الوحدة فيمن بينهم.
لكنه يؤكد أن «ذلك تغير اليوم؛ فقد ظهر الولاء الوطني من أعماق اليمنيين عندما خرجوا إلى ساحات التغيير والحرية، للتعبير عن حبهم للوطن بعد أن سنحت لهم الفرصة لذلك». ويشير إلى أن «العالم العربي الآن يشهد تاريخا جديدا واليمن جزء من ذلك، وظهر بوضوح الانتماء الوطني بعد أن توحد المواطنون حول كلمة واحدة، بينما تراجعت كل النزعات القبلية والمذهبية، والانفصالية.. كلها تلاشت؛ لأنها كانت صنيعة الفساد».