«السلفية الجهادية» في غزة.. أكثر ما ينغص على حماس

متشددون خرجوا من رحم الحركات الإسلامية.. ويكفرون حماس والسلطة وغير المسلمين

TT

تشكل السلفية الجهادية صداعا مستمرا لحركة حماس الحاكمة في قطاع غزة، بعدما ظنت أنها أصابتها في مقتل، عندما قضت عام 2008 على أول «إمارة إسلامية» تعلنها السلفية في القطاع.

غير أنه اتضح أن الجماعة السلفية راحت بعدها تكبر وتتسع وتنفذ بعض العمليات ضد إسرائيل، وبعض العمليات التفجيرية الداخلية التي استهدفت مؤسسات ومحالا، وعينها على حكم غزة «بما أنزل الله» والانتقام من حماس.

وعلى مدار عامين لاحقت حماس، التي تصف نفسها بأنها تمثل «الإسلام الوسطي»، السلفية الجهادية «المتشددة» بكل قوة، حظرت كل نشاطاتها واعتقلت أبرز قادتها وما زالت تلاحق المزيد، تحت شعار محاربة «المنحرفين فكريا». غير أنها لم تستطع كبح جماحهم تماما كما فعلت مع حركة فتح من قبل، فرد السلفيون بتكفير حكم حماس، وتفجير محال ومؤسسات، وتجرأوا مؤخرا على خطف متضامن إيطالي وقتلوه، محملين سياسة حماس المسؤولية.

فمن هم السلفية الجهادية؟

يمكن فهم كيف يفكرون من خلال إجابة أحد أبرز قادتهم المعتقلين لدى حماس الآن، وهو محمود طالب، في حوار سابق مع «الشرق الأوسط» عندما قال إنه اختار السلفية الجهادية لأنه يراها على شرع الله وسنة رسوله ومن بعده من السلف الصالح.

وعبر طالب عن ولاء السلفيين إلى زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن، واصفا إياه بأمير الجماعة، ومتوعدا بالانتقام من حماس عبر القصاص لدماء السلفيين الذين قتلتهم الحركة.

أما رأيه الشرعي في حكم حماس في غزة، والسلطة في الضفة الغربية، فجاء بتكفير الاثنين، وقال «نحن نؤمن بأن الجماعات الإسلامية التي تدخل الانتخابات والمجالس التشريعية هي جماعات بدعية، نبرأ إلى الله من أفعالها، كما نؤمن أن العلمانية على اختلاف راياتها ومسمياتها وأحزابها هي كفر بواح مخرج من الملة، ونؤمن أن الحاكم بغير ما أنزل الله وطائفته المبدلين للشريعة هم كفار مرتدون، والخروج عليهم بالسلاح والقوة فرض عين على كل مسلم، ونؤمن أن الديمقراطية فتنة العصر، تكرس ألوهية المخلوق وحاكميته، وترد له خاصية الحكم والتشريع من دون الله، فهي كفر أكبر مخرج من الملة، فمن اعتقدها بمفهومها هذا أو دعا إليها أو ناصرها أو حكم بها فهو مرتد، مهما انتسب إلى الإسلام، وزعم أنه من المسلمين». وأكد طالب مؤخرا أن إقامة الإمارة الإسلامية وعد سيتحقق.

هكذا يمكن اختصار الأفكار التي يؤمن بها السلفيون الجهاديون.

وتنقسم الجماعات السلفية في الأراضي الفلسطينية إلى «دعوية»، وهذه تنتشر في الضفة والقطاع، و«جهادية»، وتلك تقتصر على القطاع، وأبرزها، جماعة التوحيد والجهاد، وجماعة أنصار السنة، وجيش الأمة، وجماعة جند أنصار الله. وعمليا برزت الجماعات السلفية في فلسطين بعد منتصف الثمانينات عبر طلاب تلقوا تعليمهم في الخليج، وعادوا لنشر الدعوة، التي وصفوها بأنها تمثل الإسلام الصحيح.

غير أن دعوتهم ظلت حبيسة المساجد، ولم تنتشر أو تكتسب شعبية كبيرة، حتى اختار غالبية رواد المساجد الانضمام إلى حماس والجهاد الإسلامي.

ويمكن القول إن السلفية «الدعوية» ظلت محاصرة وضعيفة، حتى بدأت تتحول إلى سلفية «جهادية»، وساعد على ذلك، أن تنظيم القاعدة الذي أعلن حربا على «الكفار» مع بداية الألفية الثانية، أخذ يشد البعض، في الوقت الذي كانت فيه حماس تتحول، من وجهة نظرهم، من حركة مقاومة دينية إلى ما يشبه الحزب السياسي. ومع ضعف السلطة الفلسطينية، ودخولها في مواجهة مسلحة مع حماس في أواسط 2006، راحت جماعات لا تؤمن بنهج حماس تتحول إلى السلفية الجهادية مستغلة حالة المواجهة بين حماس والسلطة.

وشيئا فشيئا، صار هؤلاء، يملكون جماعات مسلحة تبنت عمليات ضد إسرائيل وتفجير مقاه ومحال للإنترنت، وصالونات شعر السيدات، ومؤسسات مسيحية في غزة. كان هذا يمر مرور الكرام أثناء الاقتتال الداخلي بين حماس وفتح، لكن الحال تغير بعد سيطرة حماس، فتنبهت الحركة الإسلامية إلى خطرهم، متهمة إياهم بالمنحرفين فكريا. وواجهت حماس هذه الجماعات، بالقوة، واشتبكت معهم أكثر من مرة، كان أعنفها عندما قضت على أول «إمارة إسلامية» تعلنها السلفية في مدينة رفح جنوب القطاع، وقتلت أميرها الذي أعلن الإمارة، عبد اللطيف موسى «أبو النور المقدسي»، ورفاقه، وهو ما قاد إلى «حرب مفتوحة» مع السلفيين.

ويمكن اعتبار مقتل الناشط الإيطالي فيتوريو أريغوني الذي خطفته جماعة سلفية مساء الخميس وقتلته أول من أمس، بعدما طلبت من حماس الإفراج عن معتقليها، أهم ضربة توجهها هذه الجماعات لحماس، باعتبارها تمس الأمن وقدرتها على تحقيقه، وتهدد أيضا حالة التضامن الدولي مع غزة.

ورغم أن السلفيين نفوا تماما علاقتهم بقتل أريغوني، فإن بيان النفي كان يحمل في طياته تهديدا بعمليات أكبر ضد حماس. واتهم البيان حماس بالتعاطف مع «النصارى والشيعة والعلمانيين»، في وقت تواصل فيه «التضييق والملاحقة والتنكيل بكل من يثبت صلته بأي عمل جهادي سلفي». وأخذوا عليها ما وصفوه بـ«قتل روح الجهاد حفاظا على حكومتهم التي استبدلت الشريعة الإسلامية بأرجاس القوانين الوضعية الوضيعة». ووصف السلفيون مقتل أريغوني بأنه نتاج طبيعي للسياسة القمعية التي تنتهجها حماس وحكومتها ضد السلفيين. وحذروا من «أن حالة الصبر والحكمة التي تنتهجها ليست نهاية المطاف». وهددوا حماس وحكومتها إذا استمرت سياسة الصلف والعناد بتحمل نتائج تكبرها وتسلطها على عباد الله، «ولتتحمل كامل المسؤولية عن تفلت عقال الصبر وطياش صوت القادة، وسط ضجيج الفعل ورد الفعل».