انقسام في الطبقة السياسية الجزائرية إزاء خطاب بوتفليقة

بلخادم: الإصلاحات تأتي استجابة للتطلعات * بن بيتور: لا توجد إرادة للتغيير الحقيقي

TT

اختلفت ردود الفعل في الجزائر حيال الخطاب الذي ألقاه الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الليلة قبل الماضية، وتعهد فيه بإجراء إصلاحات سياسية تتضمن خصوصا تعديلا مرتقبا للدستور وقرارات أخرى تتصل بالإعلام والأحزاب والممارسة السياسية. ففيما قال مؤيدو وحلفاء الرئيس إن خطابه «جاء معبرا عن تطلعات المواطنين»، ذكر معارضوه أنه «لا يعكس إرادة سياسية حقيقية في التغيير».

وأفاد عبد العزيز بلخادم وزير الدولة وأمين عام حزب الغالبية البرلمانية «جبهة التحرير الوطني»، بأن إعلان الرئيس بوتفليقة عن تكليف «هيئة» تبلور له مقترحات حول ما ينبغي تغييره في الدستور، لـ«يستجيب لتطلعات الطبقة السياسية». وقال بلخادم في اتصال مع «الشرق الأوسط»: «لقد أعلن الرئيس عن حزمة من الإصلاحات الدستورية والسياسية وفي مجال الحريات والإعلام، وذلك يعكس بوضوح أنه ينصت لانشغالات الطبقة السياسية والمواطنين».

بدوره، ذكر حزب «حركة مجتمع السلم» الإسلامي المشارك في التحالف الرئاسي، في بيان، أنه «يبارك شجاعة الإعلان عن هذه السلسلة من الإصلاحات المأمولة، ويدعو إلى تحديد سقفها الزمني وأولوياتها وآليات تنفيذها عاجلا، لتجنيب الجزائر السقوط في توترات جديدة دفع الشعب ثمنها باهظا منذ أزيد من 20 عاما». وذكر حزب حركة مجتمع السلم أن الإصلاحات التي كان طالب بها «نابعة من قناعاته بأن جزائر ما بعد حالة الطوارئ تستأهل أن تكون رائدة في التأسيس لنظام ديمقراطي حقيقي، نابع من قناعة شعبها بأن التضحيات التي، قدمها خلال ثورة التحرير المباركة 54 - 62، وكذلك معاناته خلال سنوات المأساة الوطنية، تفرضان على الإرادة السياسية أن تستجيب للطموحات المشروعة بما يتناسب وعظمة هذه التضحيات».

أما أحمد بن بيتور رئيس الحكومة الأسبق، والذي يعد من أبرز معارضي بوتفليقة حاليا، فقال في اتصال أجرته معه «الشرق الأوسط»، إن الخطاب «لم يأت بالتغيير المنشود. المطلوب هو إصلاحات في العمق تتضمن تداولا حقيقيا على الحكم وليس تناوبا على المناصب داخل السلطة». وأبدى بن بيتور تشاؤما بخصوص «توفر إرادة حقيقية في الاستجابة لانشغالات الجزائريين»، مشيرا إلى أن الرئيس «غض الطرف عن الاحتجاجات التي تهز كل قطاعات النشاط في البلاد، والتي تعبر عن فشل سياسته». واشتغل بن بيتور تحت إشراف بوتفليقة لمدة سنة (99 - 2000)، واستقال من رئاسة الحكومة بسبب خلاف معه حول تسيير الاقتصاد.

بدوره، قال مصطفى بوشاشي رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان وأحد مؤسسي «التنسيقية الوطنية للتغيير» التي تحاول كل سبت، منذ أسابيع، تنظيم مسيرة في العاصمة للمطالبة بالتغيير: «أصبنا بالإحباط لأننا كنا ننتظر أن تتم مراجعة القوانين من طرف مؤسسات منتخبة فعلا، وليس مؤسسات ترمز للتراجع الديمقراطي في الجزائر». ورأى بوشاشي أن «تغيير النصوص أو تعديل الدستور ليس الطريقة المثلى لتغيير النظام في الجزائر لأن المشكل هو أن المؤسسات المدنية والعسكرية تعمل خارج القانون».

وكان الرئيس بوتفليقة قد أعلن الليلة قبل الماضية، في خطاب مسجل دام 20 دقيقة وبثه التلفزيون الحكومي، عن مجموعة من الإجراءات تناولت تعديل الدستور ومراجعة قانون الأحزاب وقانون الانتخابات، وإلغاء التجريم عن الكتابات الصحافية. كما ورد فيها إنشاء «قنوات موضوعاتية» ستكون مملوكة للدولة. وتعهد بوتفليقة في الخطاب الذي انتظره الجزائريون طويلا، على خلفية موجة التذمر الاجتماعي التي تعرفها البلاد منذ مطلع العام، بإحداث تعديلات تشريعية ودستورية. وقال: «استنادا مني إلى الدستور، سأعمد إلى استعمال الحق الذي يخولني إياه، وأطلب من البرلمان إعادة صياغة جملة العدة التشريعية التي تقوم عليها قواعد الممارسة الديمقراطية، وما هو مخول للمواطنين من حيث ممارسة اختيارهم بكل حرية. وإدراكا مني للمسؤولية الواقعة على عاتقي، واعتدادا مني بدعمكم، ومراعاة للحفاظ على توازن السلطات، سأعمل على إدخال تعديلات تشريعية ودستورية، من أجل تعزيز الديمقراطية النيابية ببلادنا». وتطرق أيضا إلى أصلاح النظام الانتخابي فقال: «إننا نطمح إلى الارتقاء بنظامنا الانتخابي إلى مصاف أحدث قواعد الديمقراطية النيابية، حتى يعبّر شعبنا، بكل سيادة ووضوح، عن صميم قناعته. ولهذا الغرض، سيتم إشراك كافة الأحزاب، الممثلة منها وغير الممثلة في البرلمان، واستشارتها من أجل صياغة النظام الانتخابي الجديد».

ولم تتضمن كلمة بوتفليقة تفصيلا حول التعديل الدستوري المرتقب، لكن يرجح أن الرئيس يتحدث عن ما يجري تداوله، من تغيير شكل النظام بتقليص صلاحيات مؤسسة الرئاسة، مقابل تعزيز سلطات مؤسسة البرلمان. ويدعو ذلك إلى الاعتقاد أن البلاد تتجه نحو إقرار نظام برلماني تكون فيه للحزب صاحب الأغلبية الحق في تشكيل حكومة، عكس ما هو معمول به حاليا إذ يتمتع رئيس الجمهورية بسلطات لا حدود لها.

وظهر بوتفليقة متعبا ويتحدث ببطء، أثناء قراءته الخطاب الذي كان مكتوبا ولم يرفع عينيه من الأوراق إلا ثلاث مرات. ومعلوم أن بوتفليقة خضع لعملية جراحية نهاية عام 2005، إثر نزيف حاد في المعدة. وتثير قدراته الجسمانية على الاستمرار في الحكم، جدلا محليا ولدى شركاء الجزائر الأساسيين وأهمهم فرنسا والولايات المتحدة.

وكشف بوتفليقة عن عزمه إنشاء «هيئة» من خبراء القانون ترفع له مقترحات بخصوص تعديل مرتقب للدستور، «سأتولاها بالنظر قبل عرضها بما يتلاءم مع مقومات مجتمعنا، على موافقة البرلمان أو عرضها لاقتراعكم عن طريق الاستفتاء». وعدل بوتفليقة الدستور في 2008، مما سمح له بالترشح لولاية ثالثة. وأعلن أيضا عن تعديل قانون الانتخابات «بما يستجيب لتطلعات مواطنينا في ممارسة حقهم الانتخابي». ووعد الرئيس بمراجعة قانون الأحزاب واستحداث قانون يتعلق بتمثيل النساء بالمجالس المنتخبة. وقال بوتفليقة إن تجريم كتابات الصحافيين سيلغى بمراجعة قانون الإعلام.

واللافت أن خطاب الرئيس، لم يتناول مطالب ترفعها المعارضة. أهمها الترخيص لإنشاء أحزاب ونقابات جديدة، يسمح بها القانون وكسر احتكار الدولة في مجال الإعلام السمعي البصري. وعلى هذا الصعيد، تحدث بوتفليقة عن وجود 30 حزبا مما يفهم أن الحظر على إنشاء أحزاب سيستمر. وذكر أن السلطات ستنشئ «قنوات تلفزيونية موضوعاتية» ستكون مملوكة للدولة. وفي ردود الفعل الدولية على خطاب الرئيس الجزائري، قال وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه أمس للصحافيين على هامش ندوة حول «ربيع العرب» نظمتها الخارجية الفرنسية في باريس إن «الرئيس بوتفليقة أعلن عددا من الإصلاحات تشمل الدستور والأحزاب السياسية والقانون الانتخابي، وكل هذا يجري في الإطار الصحيح». وأضاف أن «التطلع الشعبي الكبير نحو الحرية والديمقراطية الذي يشمل المغرب العربي وسواه (من المناطق) حتى الخليج، يعني أيضا الجزائر بالتأكيد».