زعيم «الاشتراكي اليساري» التونسي: الإسلاميون لن يحصلوا على أكثر من 30% من الأصوات

الكيلاني لـ «الشرق الأوسط»: لن أترشح للرئاسة وتونس بحاجة إلى سلطة مضادة

TT

انضم السياسي التونسي، محمد الكيلاني، إلى العمل في صفوف اليسار منذ أكثر من 30 سنة، وهو بذلك من أقدم مناضلي اليسار الذين وقفوا خلال عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، وخصوصا في وجه اليمين المتطرف. إلا أنه اليوم يرى أن التونسيين لا يرفضون اليمين المتطرف فحسب بل يرفضون كذلك اليسار المتطرف، في إشارة إلى حزب العمال الشيوعي التونسي الذي يقوده حمة الهمامي. وقد تمكن محمد الكيلاني من الحصول على الترخيص القانوني للحزب الاشتراكي اليساري لأول مرة، إثر سقوط نظام الرئيس زين العابدين بن علي، وذلك بعد أكثر من خمس سنوات من العمل السياسي من دون ترخيص. ويعد هذا الحزب أول الأحزاب التي حازت ترخيصا قانونيا بعد الإطاحة بنظام بن علي. وحذر الكيلاني من المخاطر التي لا تزال تهدد الانتقال إلى الديمقراطية في تونس، ودعا إلى ميثاق وطني يحدد المشاركة بفعالية في الساحة السياسية. ولأول مرة يصرح بأنه مبدئيا لن يتقدم إلى الانتخابات الرئاسية. الكيلاني له مواقف سابقة من حزب العمال الشيوعي التونسي الذي وصفه أكثر من مرة بالراديكالية، ومن حركة النهضة الإسلامية وزعيمها راشد الغنوشي، وعن كل هذه المسائل وغيرها، تحدث محمد الكيلاني الأمين العام للحزب الاشتراكي اليساري إلى «الشرق الأوسط» الذي التقته في تونس، وكان هذا الحوار.

* ما تقييمكم للوضع السياسي، وما حظوظ الانتقال إلى الديمقراطية بعد أكثر من شهرين من الإطاحة بنظام بن علي؟

ـ لا شك أن تطورات هيكلية كثيرة قد طرأت على الساحة السياسية، ولكن أعتقد أن الأمور لم تستقر بعد. إلى حد الآن لا توجد قوانين وضوابط ضامنة للحريات والاستقرار فالشعب لم يقل كلمته بعد. واضح أنه لا السلطة مصدرها واضح ولا الشعب مؤطر بصفة فاعلة ولا تزال فضاءات الحرية هشة، وهي تخفي بين طياتها إمكانية الارتداد إلى نفس الوضعية السابقة.

* وعلى ماذا بنيت مثل هذا التحليل الذي لا يحمل الكثير من التفاؤل؟

ـ سنة 1987 عندما تولى بن علي السلطة، جهز القوانين وهادن الأحزاب السياسية والقوى الوطنية وتواصلت الحريات لمدة ثلاث سنوات، وبعدها كبس الأحزمة وأطبق على المجتمع بقبضة من حديد. لا شك أن الوضع الآن مختلف والإطار مغاير وأن إمكانية الارتداد ضعيفة لكنها تظل ممكنة لأن شروط حماية الثورة لم تتوفر بعد، وعلى الحركة الديمقراطية أن تكون متيقظة للأمر. الشارع التونسي أطاح بالديكتاتور، ولكنه لم يسن القوانين ويطرح مراجعة المؤسسات وتنظيم الدولة وضمان الإصلاح السياسي وتأمين الانتقال الديمقراطي.

* وكيف يمكن للسياسيين تجاوز حالة الاختلاف السياسي خاصة بين اليسار والتيارات الدينية؟

ـ نحن نعتبر أن المجتمع التونسي في حاجة ماسة لمناقشة القيم التي تقوم عليها الجمهورية. وعلينا أن نلتزم بالوفاق الوطني واحترام مبادئ الديمقراطية من تداول على السلطة واحترام الرأي الآخر والالتزام بأن الاقتراع العام هو المصدر الشرعي الوحيد للسلطة. المجتمع التونسي في حاجة إلى سلطة مضادة تضمن انتقاله من حالة الصوت واللون الواحد إلى حالة التطلع الجماعي للحرية. التونسيون كبتوا لمدة تزيد عن نصف قرن، وهم الآن في حالة من عسر التشكل السياسي والولادة القيصرية لعديد الاتجاهات السياسية.

* قدمت استقالتك سنة 1992 من حزب العمال الشيوعي التونسي وأنت أحد أهم مؤسسي ذاك الحزب. ما دواعي استقالتك وهل ما زالت قائمة إلى الآن؟

ـ بالفعل اختلفت مع حمة الهمامي حول كيفية إدارة الحزب وخاصة في نقطتين مهمتين الأولى تهم التصرف في طاقات الحزب، فالهمامي كان ينادي بالمواجهة الكاملة مع السلطة وافتكاك الحق في الوجود بكل الوسائل الممكنة، في حين كنت أنادي بانتهاج سياسة لا تجعل الحزب مستهدفا من قبل السلطة القائمة. أما النقطة الثانية فهي موقف الحزب تجاه القوى السياسية والمجتمعية الأخرى، فحمة الهمامي يدعو إلى الحسم والقطع النهائي مع بعض القوى السياسية على غرار الإسلاميين، في حين كنت أعتبر ذاك الموقف متطرفا ودعوت إلى التعامل مع بعض القوى القريبة من السلطة، فهي وإن كانت مهادنة أو صامتة فهي مرغمة على ذلك ويمكن التعامل معها. وخلافا لما ادعاه الهمامي من أنني كنت أخاف المواجهة وأتحاشاها، فإنني أذكر كل من انتمى إلى الحزب أنني أول من تحمل العبء التنظيمي لحزب العمل الشيوعي التونسي سنة 1985. ولكن القضية بالنسبة لي كانت في ضرورة الحفاظ على طاقات الحزب، فهو طري العود ولا يمكنه الدخول في مواجهة مع السلطة وهو لا يمتلك لا الطاقة ولا القوة الكافيتين.

* لكن الخلاف كان أيضا حول موقف الحزب من الحركة الإسلامية التونسية؟

ـ كنت ضد التعذيب المسلط على قيادات حركة النهضة على وجه الخصوص في بداية عقد التسعينات من القرن الماضي، وكنا ضد القمع المسلط عليها، إلا أن بعض الأطراف داخل حزب العمال الشيوعي التونسي لم تحدد موقفها بصفة جلية ومن بينهم حمة الهمامي نفسه. كنا من ناحية أخرى نندد بما يمارس من عنف في الشارع التونسي. لكن الغريب أن موقف حزب العمال الشيوعي التونسي تطور بعد استقالتي في اتجاه التحالف مع حركة النهضة.

* بقيتم قرابة الخمس سنوات في انتظار الحصول على الترخيص القانوني، من كان برأيكم يعطل حصول الأحزاب على التراخيص القانونية؟

ـ أعتقد أن زين العابدين بن علي ذا التكوين الأمني الذي يشك في كل شيء من حوله، وعبد العزيز بن ضياء مستشاره الخاص ذا التفكير التقليدي الماضوي، هما من يتحملان مسؤولية تعطيل وعرقلة الحياة السياسية بأكملها. هذا الشخصان لا يريان معنى للحريات ولا أي دور للأحزاب في تأطير المجتمع.

* وهل ستتقدمون إلى الانتخابات الرئاسية؟

ـ لن أترشح إلى الانتخابات الرئاسية، والذي يهمني أكثر هو الاتفاق اليوم على نظام سياسي يضمن التوازن بين الرئاسة والبرلمان. حزبنا فتي ولا يمتلك عمليا الإمكانيات الكافية لخوض غمار انتخابات رئاسية. نحن سنساند ترشح العناصر الليبرالية والديمقراطية.

* وماذا عن الأحزاب الإسلامية، وما موقفكم منها؟

ـ أعرف جيدا التيارات الإسلامية فهي تقول شيئا وتضمر أشياء أخرى، وهذا ينطبق على حركة النهضة وزعيمها راشد الغنوشي. وأعتقد أن الساحة السياسية تضخم كثيرا حركة النهضة وتنفخ في صورتها، وهي حسب اعتقادي لن تحصل على أكثر من 30 في المائة من الأصوات مهما استعملت من وسائل. المجتمع التونسي في معظمه ضد التطرف، ويبتعد عن الحلول المتطرفة والمشاريع الاستبدادية. أعرف جيدا أن المجتمع التونسي مجتمع وسطي يرفض كل الأشكال الراديكالية وهذا يهم تطرف اليمين ممثلا في حركة النهضة وبقية التيارات الإسلامية وتطرف اليسار ممثلا اليوم في حزب العمال الشيوعي التونسي بزعامة حمة الهمامي. الهمامي أراد الآن التعتيم على تطرف اليسار الذي يمثله بتغيير اسم حزب العمال الشيوعي التونسي إلى حزب العمال التونسي عندما قدم ملف الحصول على الترخيص القانوني لوزارة الداخلية التونسية.