أكبر ديمقراطية في العالم تعاني من ممارسات غير ديمقراطية

سياسيون هنود يسعون لإغراء الناخبين بتلفزيونات وكومبيوترات وأبقار.. والسلطات تتوعدهم

نساء ينتظرن أمام مركز انتخابي في قرية شيناي التابعة لولاية تاميل نادو جنوب الهند (رويترز)
TT

أجهزة تلفزيون، وأجهزة كومبيوتر محمولة، ومواقد، وأرز ودراجات ومظلات وأبقار وماعز وذهب.. كلها أمور يجري إغراء الهنود بها حاليا من قبل السياسيين بهدف انتخابهم. ورغم سجل الهند غير المسبوق في احترام قيم العملية الانتخابية منذ الاستقلال، فإن المشهد السياسي في أكبر ديمقراطية في العالم (قياسا لتعداد السكان) يعاني من ممارسات غير ديمقراطية، تتضمن إغراء الناخبين بالمال والسلع المجانية.

ومع اقتراب موعد آخر للانتخابات، حيث تشهد 4 أقاليم ومنطقة موحدة، في الهند، انتخابات تشريعية قريبا.. وتشمل وعود السياسيين هذه المرة خصوصا تقديم أمور عدة، أبرزها أجهزة تلفزيون، لجذب الناخبين في ولايات تاميل نادو، وكيرالا، وأسام، وغرب البنغال، وبونديتشيري. وتعد ثقافة استمالة الناخبين بسلع مجانية، أوضح في ولاية تاميل نادو حيث تشمل برامج كل الأحزاب قطع وعود للناس بمنحهم أجهزة كومبيوتر محمولة وأغناما وأبقارا في حال انتخابهم.

وقدم حزب درافيدا مونيترا كازاغام (الحاكم) خلاطات أو ماكينات فرم للأسر الفقيرة وبرامج تأمين للصيادين وأجهزة كومبيوتر محمولة لطلبة كلية الهندسة. وصرح الحزب بأنه سيقدم غسالات وثلاجات لفئات لم يحددها. لكن الأمر لم يقف عند هذا الحد، وإنما وعد الحزب الحاكم أيضا بتوفير منازل لسكان العشوائيات واشتراكات في الحافلات وأجهزة تلفزيون ملونة لأكثر من 60 شخصا وتم توزيع 16 مليون جهاز تلفزيون ملون لسكان ولاية تاميل نادو منذ الانتخابات الأخيرة عام 2006 بتكلفة 900 مليون دولار بتمويل من الشركات المنتجة للقهوة في الولاية. ويقدم الحزب أيضا وعودا بمنح جهاز كومبيوتر محمول لكل طالب جامعي في الولاية، وهو ما يمكن أن تتعدى تكلفته 226 مليون دولار.

ومن المثير للاهتمام تجمع الجيران حول صندوق كارتوني يحتوي على جهاز تلفزيون ملون، وهو واحد من ضمن عدد كبير من الأجهزة التي تم توزيعها مؤخرا في قرية شيناي في ولاية تاميل نادو الجنوبية.. لكن هناك مشكلة واحدة هي عدم وجود أي شخص يمكنه استخدامها. وقالت ريكا بانو بريا، 32 عاما، التي كانت ترتدي ساريا هنديا وردي اللون: «لقد أخبرنا الحزب الحاكم بأنه سيقدم لنا أجهزة تلفزيون إذا انتخبناهم، لكن ما فائدتها؟ لا يوجد لدينا تيار كهربائي وهو أمر ننتظره منذ أربعين عاما».

وفي المدن التي لا توجد فيها كهرباء، لا يمكن إغراء الناخبين الفقراء بجهاز تلفزيون ملون. وقال أحد الناخبين بغضب: «ما جدوى امتلاك جهاز تلفزيون دون أن يكون هناك تيار كهربائي». وسعيا للوصول بحرب السلع المجانية إلى مستوى متقدم، حاول الحزب المعارض والمنافس الأكبر للحزب الحاكم أول إنديا أنا درافيدا مونترا كاجاغام تحت قيادة الممثلة المعتزلة، جيه. جايالاليثا، الاستفادة من الفراغ لتولي رئاسة الحكومة الجديدة. وقد وعد حزبها بتقديم مراوح وخلاطات وماكينات فرم لربات البيوت وتوصيل أجهزة التلفزيون بالكهرباء وأربعة غرامات من الذهب كشبكة للعرائس الفقيرات. ويتضمن برنامج الحزب توزيع 60 ألف بقرة في 6000 قرية و4 شياه لكل أسرة فقيرة. ونظمت أمهات الفتيات اللاتي وصلن إلى سن الزواج ووعدن بالحصول على شبكة و25 ألف روبية (550 دولارا) كمساهمة في نفقات الزواج احتجاجات مؤخرا. وقالت امرأة تعمل في الصيد: «هل يعتقدون أننا فقراء لنزوج بناتنا بـ25 ألف روبية فقط؟!». وقالت إحدى الفتيات التي لم تتزوج بعد وتنتظر الزواج منذ وقت طويل: «إن منح المال ليس كافيا. فهؤلاء في حاجة إلى عرسان أيضا». ويتزامن ذلك مع هجرة أعداد كبيرة من الناس من الولايات الأخرى للحصول على الهدايا. وقال نيرمان ياداف: «لقد حصلت ابنتي على دراجة في ولاية بيهار العام الماضي وبعد الحصول على أغطية مجانية في ولاية أسام، انتقلت إلى تاميل نادو للحصول على بقرة مجانا». وأضاف أنه سيذهب إلى غرب البنغال للحصول على مسدسات.

أما في ولاية كيرالا بجنوب الهند، فقد صدم أحد المرشحين المستقلين الجميع من خلال وعده الناخبين بمنحهم سيارة «تاتا نانو» ثمنها 2500 دولار وهاتفا جوالا ومولدا كهربائيا ووصلة تلفزيون بالمجان إذا انتخبوه. وقدم الحزب الشيوعي (الحاكم) كيلوغراما من الأرز مقابل روبية واحدة لكل من هم دون خط الفقر. كما قام التحالف الذي يقوده الحزب بعملية توزيع الأرز بروبيتين (نصف سنت) للكيلوغرام، إلى الجميع. وتقليدا للأحزاب السياسية في الولايات الجنوبية، قدمت منظمة سياسية في ولاية بونديتشيري وعدا بمنح غسالات ملابس مجانا لكل أصحاب البطاقات التموينية إذا انتخبوهم.

لكن الناخبين الهنود يبدون أذكى من أن يخدعوا بهذه السلع المجانية، حيث يبقون على الأشخاص الذين سينتخبونهم سرا. ويقول كمال حسن، وهو سائق سيارة أجرة في شيناي: «ما ضرر الحصول عليها؟ إن أجهزة التلفزيون والخلاطات التي يقدمونها ليست جيدة ولدي أفضل منها، لكنني آخذها على أي حال». وقال ضاحكا إنه لن يصوت لصالح الحزب الذي يقدم هذه الهدايا، بل للشخص الذي يستحق الوصول إلى السلطة. وكانت حكومات الولايات تمنح كتبا مدرسية وزي المدارس للطلبة ومعاجين أسنان ونظارات شمسية وأباريق بلاستيكية للفقراء خلال السنوات الماضية. كما كانت تقدم وجبات غداء مجانية للطلبة في المدارس للحد من معدل التسرب من التعليم.

ويرى خبراء الاقتصاد أن مبادرات الرخاء الاجتماعي تدنت إلى مستوى شعبي رخيص على حساب دافعي الضرائب. ويقول الخبير الاقتصادي سرينيفاسان كومار: «إن الاندفاع نحو تقديم السلع المجانية أمر سخيف. لقد كان ذا معنى في الماضي حين كان يساعد الفقراء على إلحاق أبنائهم بالمدارس. إنهم يتحدثون الآن عن تقديم أجهزة تلفزيون ملونة مجانا دون وضع التكلفة أو قدرتهم على توفير هذا العدد الكبير من الأجهزة في الاعتبار».

لكن لجنة الانتخابات الهندية أصدرت تحذيرا صارما من توزيع مثل هذه السلع المجانية على الناخبين. وقال برافين كومار، رئيس اللجنة الانتخابية: «إن لجنة الانتخابات الهندية تشعر بالقلق إزاء هذه الممارسات التي لا تتسق مع الانتخابات الحرة والنزيهة». وأضاف أن اللجنة «تراقب الموقف عن كثب، وفي حال تكرار أي من هذه الأفعال، فإنها ستتخذ إجراءات صارمة كما يقتضي الحال». وأشار إلى مصادرة ملايين الروبيات في ولايات مختلفة.