مؤرخ حزب الدعوة: المالكي حول الحزب إلى جسر لبلوغ السلطة.. وإيران تتعامل مع جماعة

سليم الحسني في حديث لـ «الشرق الأوسط»: التنظيم يبتعد عن ثوابته ولا بد من تصحيح مساره وإعادته إلى خطه الأصيل

سليم الحسني (تصوير: حاتم عويضة)
TT

يصر الدكتور سليم الحسني، مؤرخ حزب الدعوة وأحد أبرز قيادييه والذي انتمى للحزب عام 1973، على أن يسمي حزبه اليوم «حزب المالكي» أو «الحزب الحاكم» كونه يعتقد أن المالكي «استغل الحزب وحوله إلى جسر عبر من خلاله إلى السلطة».

والحسني باحث إسلامي صدر له 22 كتابا في مجالات الفكر والتاريخ والسياسة، وعمل سنوات عديدة رئيسا لتحرير جريدة «الجهاد» الناطقة باسم حزب الدعوة الإسلامية، إلى جانب مهام أخرى، منها توثيق وأرشفة التاريخ الخاص للحزب على مدى سنوات طويلة، ويعمل حاليا حسبما يؤكد «مع مجموعة من قدماء الكوادر والقيادات على تصحيح مسيرة الحزب من خلال مؤتمر عام يهدف أيضا إلى عزل الأمين العام، وضمن مشروع فكري يهدف إلى طرح الإسلام المعتدل»، لهذا نجده أفضل من يستطيع أن يتحدث عن تاريخ وحاضر الحزب الذي يحكم العراق بواسطة أمينه العام نوري المالكي، رئيس الحكومة العراقية، منذ ما يقرب من سبع سنوات. «الشرق الأوسط» حاورت الحسني في لندن لتتبع خارطة الحزب الذي انشق لعدة مرات قبل أن يحمل أحد قيادييه إلى كرسي السلطة. وفيما يلي نص الحوار:

* بداية هل لنا أن نعرف ظروف تأسيس حزب الدعوة الإسلامية؟

- تعود فكرة تأسيس حزب الدعوة الإسلامية إلى سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية، حيث شعرت مجموعة من علماء الدين والشخصيات الإسلامية أن الموجة التغريبية بدأت تغزو الساحة العراقية، فكانت هناك محاولات متفرقة نحو عمل حركي، غير أنها لم تسفر عن نتيجة مؤثرة، لعدم امتلاكها رؤية بعيدة المدى، كما أن الجو التقليدي الذي كان يسود الأوساط الإسلامية الشيعية ينظر إلى فكرة الحزب نظرة متحفظة، مما أعاق انطلاقة المشروع الحزبي عدة سنوات، لكن أصحاب هذه المشاريع، بدأوا يلتقون فيما بينهم لتوحيد جهودهم، وكان لوجود المفكر الكبير السيد محمد باقر الصدر، دور بالغ في رسم المعالم الفكرية لطريقة التحرك، وهو ما أسفر عام 1957 عن تأسيس حزب الدعوة الإسلامية، بعد نقاشات مطولة راجعت الإخفاقات الحركية السابقة، ووضعت مجموعة من الأسس الثابتة التي كتبها الصدر، والتي عرفت فيما بعد باسم «أسس حزب الدعوة الإسلامية» وكان عددها تسعة بنود، تحدد معالم الحزب وتوجهاته العامة وخطوطه الفكرية.

* هل كان الحزب قد وضع ضمن أهدافه الوصول إلى السلطة في العراق؟

- لم يكن ضمن أهداف الحزب الوصول إلى السلطة بل هو حزب فكري، وقد تميز باهتمامه الكبير بالجانب الفكري، ولذلك ضم في عضويته شخصيات فكرية كبيرة، وكان القياديون هم من أكثر أعضائه قدرة فكرية، لكن هذا الحال تغير كثيرا في السنوات الأخيرة، فلم يعد للمستوى الفكري أية أهمية في تشكيلاته، ومعظم القياديين لا يمتلكون المستوى المقنع من الناحية الفكرية، بل إنهم يعجزون عن تقديم رؤية ثقافية تجاه كثير من القضايا، لقد كان قادة الحزب التاريخيون يكتبون نشراته، أما الآن، فإن معظم قياداته عاجزة عن كتابة مقالة ثقافية، أو الإدلاء بحديث فكري يقنع السامع.

* هل تعني أن تغييرا حدث في بنية الحزب أم الأعضاء؟

- لا، لم يحدث أي تغيير في بنية وأفكار حزب الدعوة وإنما في سلوك بعض القياديين، فقد كان سلوك القياديين الكبار في الحزب يعطي مثلا في المجتمع عن التزامهم الإسلامي وتضحياتهم من أجل الفكرة التي آمنوا بها، بينما نرى اليوم أن سلوك بعض القيادات أو الأشخاص الذين تسلقوا على ظهر الحزب، تلاحقهم شبهات الصفقات التجارية والفساد المالي، وهذا ما نراه في ردة الفعل المفجعة التي تركها الإسلاميون المسيسون عموما في العراق، فالإسلامي أصبح إلى حد كبير يقترب من صورة المستغل والمتحايل والسارق، إنها صورة مؤسفة، عندما نقارنها بالسنوات التي سبقت سقوط النظام الدكتاتوري. إن من أسس العمل في الدعوة أن يكون الداعية العادي نموذجا للشخصية الرسالية، وأن يكون أول من يضحي وآخر من يستفيد، لكن «الدعوة» في ظل السلطة انتهى إلى وضع صار القياديون فيه نماذج للطبقة المستفيدة والبعيدة عن مواساة الناس والشعور بآلامهم. إن تحول القياديين إلى طبقة مترفة ومستفيدة من مواقع السلطة أسقط «الدعوة» من أعين الناس.

* ما علاقة حزب الدعوة بإيران؟

- بشكل عام لا تميل القيادات الرسمية وغير الرسمية في إيران لفكرة الحزب السياسي، وقد واجه حزب الدعوة في بداية هجرته إلى إيران عام 1979 هذه النظرة، واصطدم بعداء عام لفكرة الحزب، من قبل بعض المسؤولين آنذاك، ومنهم مهدي الهاشمي الذي كان يترأس مكتب حركات التحرر. لقد جرب المسؤولون الإيرانيون المناهضون للفكرة الحزبية عدة محاولات لإنهاء حزب الدعوة، لكنه كان يقاوم بصبر، مستفيدا من قوته التنظيمية، وتشكيلاته المتماسكة، حتى قررت إيران أن تطرح مشروع تشكيل «المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق» عام 1983، وكان الهدف الحقيقي من ورائه، هو تذويب حزب الدعوة، وقد قال أحد المسؤولين الإيرانيين: «لقد طرحنا مشروع المجلس الأعلى لإنهاء (الدعوة)، فإذا رفضته فستنتهي بسيف ولاية الفقيه، وإذا قبلت به فستنتهي أيضا في المجلس». لكن قيادة حزب الدعوة، استطاعت أن توازن بين مشاركتها في المجلس الأعلى، وبين الحفاظ على كيان الحزب، وربما ساعدها على ذلك، أداء المجلس الأعلى؛ حيث تحول بعد فترة وجيزة إلى مؤسسة سياسية عائلية مرتبطة بمحمد باقر الحكيم، كما تبين لاحقا من خلال ظاهرة التوريث في قيادته، إلى جانب كونه كيانا سياسيا يرتبط بإيران ارتباطا وثيقا.

* لكن إيران دعمت حزب الدعوة ولا تزال ومقراتكم كانت ناشطة هناك..

- لم تتغير نظرة إيران من حزب الدعوة إلا في فترة متأخرة، أي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001، حيث توجهت الولايات المتحدة لإسقاط نظام صدام حسين، فشعرت أنها تحتاج إلى تغيير موقفها من حزب الدعوة، بحكم المتغيرات الدولية المحيطة بالعراق، أما قبل ذلك فقد كانت تصر على إضعافه، بأي شكل، وربما فكرة الانشقاق كانت إحدى تلك الأساليب. وبعد سقوط صدام، حيث أصبح لإيران دورها المؤثر في العراق الجديد، وتغيرت العلاقة المتوترة بين حزب الدعوة وإيران، إلى نمط جديد من التنسيق على مسائل حساسة، لكن القضية التي تغيب عن الإيرانيين رغم مقدرتهم في إدارة الأزمات وتحريك الأطراف السياسية، أنهم يتعاملون مع جزء من حزب الدعوة، وهو ما يمكن أن نسميه «جماعة المالكي» أو حزب المالكي، فمكتب سليماني الذي يتولى الملف العراقي، يستقي معلوماته ويجري اتصالاته بهذه المجموعة، ظنا أنهم حزب الدعوة كله دون علم بالتغيرات التي تجري بصورة تراكمية داخل الدعوة، ويجهد جماعة المالكي على إخفاء حالات التذمر بين أعضاء وكوادر الحزب، لأن هذه الحقيقة لو وصلت إلى الأجهزة الإيرانية، لفقدوا الكثير من الدعم الإيراني.

وفي هذا السياق نتلقى رسائل مباشرة وغير مباشرة من بعض القياديين، تدعونا إلى الصمت، وغض الطرف عما يجري داخل صفوف الحزب، والابتعاد عن فكرة التصحيح عبر موقع «وسط أون لاين»، لأن هذا الصوت يكشف حقائق تضر بهم.

* ماذا تعني بـ«جماعة المالكي» أو «حزب المالكي» أليسوا من حزب الدعوة؟

- لا يعرف كثير من العراقيين، كما لا يعرف قسم من أعضاء «حزب المالكي» أنهم ينتمون حاليا إلى حزب لا علاقة له بمنهج حزب الدعوة الإسلامية الذي وضع أسسه محمد باقر الصدر، والذي يقوم على دعوة الناس إلى رسالة الإسلام وفق فهم عصري - حداثي في آن، فرسالة الإسلام ترفض التحجر «الذي تمثله التيارات الأصولية»، كما ترفض التحلل من الثوابت «الذي تنزلق إليه الاتجاهات الحداثية». والدعوة إلى الإسلام هي عملية فكرية تهدف إلى خلق قناعات حرة من دون إكراه (لا إكراه في الدين). ومن نفس المنطلق تصبح الدعوة إلى تطبيق الإسلام قائمة على أساس الفهم والاختيار الحر. وبهذا الفهم يرتفع التناقض بين الإسلام والديمقراطية من منظور «الدعوة»، فنحن لا نفرض الإسلام على مجتمع يرفضه كأساس للتشريع، فالإسلام المفروض بالقوة لا يصلح إلا لظهور طبقة من المنافقين أو شريحة من المستفيدين. إن «الدعوة» بهذا المفهوم يصبح مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني يمارس نشاطه من أجل التغيير لصالح المجتمع، بينما الذي يحدث حاليا، أن الحزب صار جسر وصول إلى المنصب بما يتضمنه من امتيازات ومصالح. ففي مسيرة حزب الدعوة التاريخية، كان قادة الحزب، يقدمون مشاريع خدمية، بأسماء متعددة لا تحمل اسم حزب الدعوة، لأنهم يريدون خدمة الفكرة وخدمة الإنسان، بينما نلاحظ أن أحد القياديين الحاليين، كان يصر أن تكون قائمة «دولة القانون» باسم «قائمة المالكي» في محاولة للتقرب منه أكثر، وفي عملية شخصنة مكشوفة. هذا هو المنهج السائد في قيادات الحزب الحالية، فهم لا يضعون في حسبانهم أن المتغيرات السياسية حقيقة يفرضها الزمن، وأن القائد هو الذي يخطط لمديات بعيدة تؤتي عطاءاتها بعد زمن بعيد، فالمهم هو خدمة الإنسان والمجتمع والوطن، وليس خدمة شخص يعيش فترة رئاسية محدودة.

* هل تطرحون هذه الأفكار لمناقشتها من قبل قيادة الحزب؟

- إن القيادة الحالية ولنسمها «قيادة حزب المالكي» تدرك أنها عاجزة عن مواجهة ما نطرحه من أفكار تصحيحية، لأننا نستند إلى فكر الحزب، وقد ذكرنا أكثر من مرة في مقالاتنا، ورسائلنا، أننا سنتوقف عن النشر ونقدم اعتذارا علنيا فيما لو أشرتم على نقطة الخطأ فيما نكتب وتعارضها مع فكر «الدعوة»، فيكون الجواب هو الصمت لأنهم عاجزون عن مناقشة الأفكار التي نطرحها أو تكذيب الوثائق التي ننشرها. لهذا نحن نعمل جادين حاليا على عقد مؤتمر عام للحزب وسنعزل خلاله المالكي من «الدعوة» وجزء كبير من أسباب عقد المؤتمر طريقة عمل وسلوك المالكي الذي أحدث انفصالا بين مبادئ الحزب، إذ انشغلت القيادة بالسلطة وأهملت مهمة حزب الدعوة.

* هناك انشقاقات كثيرة حصلت في حزب الدعوة، ماذا كانت أسبابها الحقيقية؟

- كثر الكلام عن تعدد الانشقاقات في حزب الدعوة، لكن الحقيقة أن هناك مبالغة في العدد المتداول في وسائل الإعلام. لم يحصل في حزب الدعوة سوى انشقاقين، الأول كان عام 1981 حول الموقف من آلية اختيار القيادة، ففي حين قرر الحزب اعتماد الانتخابات كآلية لاختيار القياديين رفض عز الدين سليم (أبو ياسين) الذي استشهد في حادث تفجير عام 2004، ومجموعة تلتف حوله هذه الآلية فانفصل كمجموعة وأطلق على جناحه تسمية «الدعوة الإسلامية» دون كلمة الحزب. أما الانشقاق الثاني، فقد قاده هاشم الموسوي عام 1999، والموسوي هو الشخصية الفكرية للحزب وكاتب معظم نشراته بعد عام 1980، وهو الذي كان يبذل مساعيه في توحيد صفوف الحزب، ويخوض المفاوضات مع جناح عز الدين سليم. وفي الحقيقة هذا الانشقاق لم يكن بدوافع مقنعة، وكان يقف وراءه عبد الكريم العنزي وخضير الخزاعي، حيث يتمتعان بصلات وثيقة مع المسؤولين الإيرانيين فيما كان يعرف بـ«قيادة نصر» وهي الجهة المسؤولة عن الملف العراقي، وقد استغل هذا المكتب عدم فوز الخزاعي بالقيادة، فكانت بالنسبة للإيرانيين فرصة ثمينة لدفعه باتجاه إحداث شرخ في حزب الدعوة، لا سيما وأن جهود تفتيت حزب الدعوة لم تنجح من قبل، كما أشرنا في الحديث عن تشكيل المجلس الأعلى. وقد قدم «مكتب نصر» دعمه المالي لتشجيعه على الانشقاق وهذا ما كان. وقد تمكن كل من الخزاعي والعنزي من زج هاشم الموسوي ليكون واجهة لمشروعهما الانشقاقي. المثير للاستغراب أن هذا الانشقاق الذي حمل اسم «تنظيم العراق» لم يطرح ما يميزه عن الحزب الأم، فما هي جدوى هذا الانشقاق إذا كان التوجه السياسي والفكري مشتركا؟ يبدو أن الرغبة في الموقع القيادي هي التي تحكم المواقف وليست المبادئ.

* لكنكم تتحدثون الآن عن تنظيمكم لمؤتمر عام للحزب تعزلون خلاله المالكي، ألا تعد خطوتكم هذه انشقاقا جديدا في الحزب؟

- نحن لا ندعو إلى عملية انشقاقية، بل نرفض أي خطوة تدخل ضمن مسمى الانشقاق من ناحية المفهوم أو من ناحية الواقع، إننا ندعو إلى تصحيح مسيرة حزب الدعوة الإسلامية، وهذا يستند إلى فكر الحزب، فلقد أكدت نشرات الحزب على ضرورة رصد ومراقبة أدائه السياسي والاجتماعي والتنظيمي والفكري، في عملية نقد ومراجعة متواصلة، وعند الشعور بأن الحزب بدأ يبتعد عن ثوابته، فلا بد من إحداث حركة تصحيح لإعادة المسار إلى خطه الأصيل، وإذا تعذر ذلك فلا بد من إعلان حل الحزب وإنهاء عمله، وهذا ما جاء بشكل دقيق في العدد العاشر من النشرة المركزية للحزب تحت عنوان «ظاهرة ازدواج الشخصية»، ومن يفهم فكر الدعوة ويعمل وفقه فإنه لن يجد إلا أن يدعو إلى تصحيح المسيرة الدعوية، وإدانة ما هو قائم حاليا في سلوك ونهج القيادة الحالية بدءا من الأمين العام، المالكي، وانتهاءً بأبسط عضو، فالحزب إنما يحتكم إلى تراثه الفكري، وإلى أسسه ومبادئه، ونحن ندعو إلى الالتزام بالفكر المثبت في نشرات الحزب، والاحتكام إليه.

* هل فاتحتم قيادات وقواعد الحزب حول هذا المؤتمر؟

- لقد تحدثنا مع معظم القيادات الحالية في الحزب بشأن هذا الموضوع، والغريب أن كل الذين دار معهم الكلام حول ما آل إليه وضع الحزب، يتفقون معنا في التوجهات، بل إن بعضهم يقول صراحة إن ما لديكم من ملاحظات، يعد قليلا مقارنة بما لدينا، ويضيفون على ذلك أن المخالفات الفكرية والسلوكية والابتعاد عن خط الحزب والانشغال بالمناصب والمكاسب المالية وما إلى ذلك هي السمة العامة لما يجري في صفوف الحزب، ورغم ذلك فإن هؤلاء الإخوة في القيادة، يعجزون عن البوح بآرائهم الحقيقية، ويكتفون بالشكوى في أحاديثهم الخاصة. ولا يوجد تفسير لهذه الظاهرة المؤسفة سوى خوفهم من المالكي، أو خوفهم على الامتيازات التي أغرقتهم بها السلطة.

* إذا كان هذا رأي القيادة أو تصرفها، فكيف ستتمكنون من إجراء ما تسميه «الحركة التصحيحية» من خلال المؤتمر الذي تعدون له؟

- حاليا لا توجد قيادة في حزب الدعوة، بالمعنى الذي يتصوره كثير من الدعاة، فهي مختصرة في شخصين إلى جانب المالكي لديهما مكانة خاصة عنده، ويساهمان في صنع القرارات التي تنسجم مع توجهاته، وما عدا ذلك فهو وجود شكلي لا يمتلك الاعتراض والقرار والرأي، لقد نجح المالكي في جعل القيادة صورة إطارية تعطيه شرعية زعامته للحزب، ومن يعترض عليه منهم، يجابهه بالقول «من دوني لانتهى بكم المطاف بعيدا عن البرلمان ومجالس المحافظات»، كما أنه يذكرهم بالامتيازات التي حصلوا عليها، فيلتزمون الصمت. فمثلا أهم لجنة في الحزب هي «التقييم والانضباط الحزبي» وهناك ملفات فساد وتزوير خطيرة لشخص الأمين العام للحزب أمام هذه اللجنة لم يجرؤوا على التحقيق فيها خوفا من المالكي، وقد تم تعطيل هذه اللجنة لكي لا تكون هناك جهة في الحزب تحاسب المقصر والمخطئ، مع أن النظام الداخلي ينص على وجودها، ولا يجرؤ أحد من القياديين أن يطالب بتشكيلها، خوفا من غضب المالكي وحرمانه من الامتيازات التي حصل عليها. لقد كان القيادي في حزب الدعوة، يتحدث بلغة الإسلام، وبمفردات إسلامية، وبخطاب رسالي يتوجه به إلى الأمة، بينما نلاحظ القياديين الحاليين، يتحدثون كناطقين رسميين باسم رئيس الوزراء، أو باسم عمليات بغداد أو باسم هذه الوزارة أو تلك، بل إنهم بدأوا ينأون في أحاديثهم عن المفردات الإسلامية، حذرا من إزعاج السفارة الأميركية.

* ما آلية اختيار الأمين العام لحزب الدعوة؟

- لم تظهر فكرة الأمين العام إلا بعد سقوط نظام صدام حسين، وكان منشؤها خاضعا لحسابات سياسية محدودة، فلأول مرة في تاريخ الحزب، تم استحداث منصب الأمين العام، من خلال تصريحات صحافية عندما وصف البعض إبراهيم الجعفري الذي كان يتولى منصب نائب رئيس الجمهورية، بأنه أمين عام حزب الدعوة، مبررين ذلك بأن الوضع الجديد في العراق، وقوانين الانتخابات البرلمانية تفرض تسجيل الحزب باسم أحد الأشخاص، فكان هذا هو الدافع وراء استحداث البعض لمنصب الأمين العام. ثم أصبح أمرا واقعا في مؤتمرات الحزب الأخيرة التي عقدت في ظل حكومة المالكي. أي أن الانفعال والخضوع للمتغير السياسي هو الذي فرض هذا الموقع، وإلا فإن الحزب كان يرفض طوال العقود السابقة هذا المنهج، ويصر على أن تكون القيادة جماعية، حذرا من استئثار أحد الأشخاص بمقدراته، وقد جرى في أكثر من مؤتمر طرح فكرة أن يكون للحزب أمين عام لكنها كانت تواجه بالرفض.اللافت أنه في فترة حكومة الجعفري، كان المالكي وعدد من القياديين، يعترضون على توليه منصب الأمين العام، باعتبار أن هذه المسؤولية تستدعي التفرغ الكامل لشؤون الحزب، لكن هذا الاعتراض تلاشى عندما تولى المالكي نفسه رئاسة الوزراء إلى جانب الأمانة العامة للحزب، ولا نستغرب ذلك، فمثل هذه المواقف المحكومة بالمصلحة والتفكير المحدود هي التي تحكم التشكيلة القيادية الحالية. نحن نعتقد أن فكرة الأمين العام غير المتفرغ للحزب أثبتت فشلها، فقد صادرت وجود بقية القياديين، وعندما ترتبط بمنصب حكومي رفيع، فإنها تحول القياديين إلى موظفين يخطبون رضا الأمين العام الذي يهمه أن يختصر الحزب في شخصه، والأكثر من ذلك يهمه أن يكون محاطا بأشخاص وقيادات وكوادر ضعيفة لا تتوفر على مستوى فكري يؤهلها لتكوين رأي أو نقاش موقف أو الاعتراض على فكرة وكل ما تحسنه هو السمع والطاعة، وهذا ما نلمسه في الواقع الحالي.

* نفهم من هذا الكلام أن المتغير السياسي هو الذي كان وراء مواقف حزب الدعوة، فهل يعني ذلك أن مشاركته في العملية السياسية كانت طارئة أيضا، خصوصا أن حزب الدعوة لم يشارك في مؤتمر لندن عام 2002؟

- كان قرار حزب الدعوة عدم المشاركة في مؤتمر لندن باعتبار أنه مشروع أميركي يهدف إلى احتلال العراق، ولذلك جاء الرفض، لكن المشاركة في العملية السياسية بعد إسقاط نظام صدام جاءت خاطفة دون تخطيط وقرارات، وكان المفروض أن يصار إلى مراجعة وتقييم سريع لمتبنيات الحزب مع المتغير السياسي، لكن ذلك لم يحدث، وتحول الأمر إلى مبادرات شخصية، ثم تحول الأمر إلى تنافس شخصي، فمثلا بعد بروز الاعتراضات على تولي إبراهيم الجعفري رئاسة الوزراء عام 2006، كان بعض قادة الحزب يتطلعون إلى تولي المنصب، فكانت لهم اتصالات سرية مع السفارة الأميركية ومع المجلس الأعلى ومع بعض الكيانات السياسية، وكانوا يجتمعون به (الجعفري) ليلا ليظهروا وقوفهم إلى جانبه، وهم يخفون ما قاموا به في نهارهم، وقد صارحهم الجعفري بهذه الازدواجية ليلة اتخاذه قرار التنحي. هذا يعني أن الرغبة السلطوية أصبحت هي التي تسيطر على الحزب، وهذا ما نخالفه، ففكر حزب الدعوة ومنهجيته، لا تنظر إلى السلطة على أنها هدف، بل هي وسيلة خدمة للإنسان عن طريق إقامة العدل ومقارعة الظلم الذي يلحق بالإنسان مهما كان دينه وعرقه وجنسه، وإذا كانت خدمة الإنسان والوطن تتحقق من خلال طرح ودعم مرشح من خارج الحزب، فإن الحزب سيروج له ويقدم دعمه له حتى لو كان يمثل أغلبية برلمانية، هذا هو من ما ندعو إليه، لأنه يستند إلى الفكر الحقيقي لـ«الدعوة».

كان المفروض أن المالكي وقيادة حزبه يدفعون بالكوادر التي تمتلك الكفاءة لإدارة السلطة، لكنهم تقوقعوا بالإطار الحزبي والعائلي فحرموا البلد من مسؤولين أكفاء وعطلوا فعالية الدولة لأنهم يريدون أشخاصا إما مرتبطون بهم أو موالون لشخوصهم.