الجمعية السعودية التربوية: المعلم فقد احترامه ونفتقر للنظرة الشمولية في تطوير العملية التعليمية

قالت إن «تطوير المنهج ليس الحل السحري لمشاكل التعليم»

تطوير العملية التعليمية لا يكمن فقط في تطوير المنهج
TT

طالبت الجمعية السعودية النفسية والتربوية في السعودية، بضرورة إيجاد منهجية شمولية تراعي عملية تطوير التعليم في السعودية، مبينة أن وجود الرؤية الشمولية تعزز الإصلاحات الجزئية التي تسير وفق ترتيب وصفته بـ «الواعي للأولويات»، محذرة في السياق ذاته ، من أن تطغى الآنية على الرؤية الاستراتيجية، وواصفة أن المسيرة التعليمية وقعت في «قالب تطوير المنهج»، لاعتقادها أنه الحل السحري لتطوير التعليم والنهوض به.

واعتبرت الجمعية السعودية، على لسان رئيسها الدكتور راشد العبد الكريم، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن الطلاب في السعودية يشعرون أنهم يؤتى بهم للمدرسة، ليبرمجوا على أنماط معينة من السلوك، مؤكدا أن البرمجة لا توجد حبا، بل دائما توجد الشعور بالقسر والتهميش، ومبررة أن فقد الهيبة (والاحترام) للمعلم هو نتيجة طبيعية للثقافة المدرسية السائدة.

وقال العبد الكريم، في رده على ما يعتري مسيرة التطوير من عقبات، إنه عندما نقول (تعاني) و(عقبات) يجب ألا يسبب لنا ذلك قلقا كبيرا، أو نتصور أننا نركز على الجانب السلبي فقط، فكل دول العالم تقريبا «تعاني» بما فيها الدول المتقدمة، واصفا المعاناة بأنها جزء مهم في عملية التطوير التربوي، فدون وجود شيء من المعاناة والشكوى من الوضع التربوي، لن نحقق التقدم المنشود.

وزاد بالقول «ليس عيبا أن نقول إن لدينا مشكلات، وأظن أنه لم تتقدم دولة تربويا إلا بعد أن أقر الجميع (وربما تحت وطأة الصدمة) بأنهم (أمة في خطر)، معتبرا «المشكلات كثيرة، لكن بحمد الله هذه المشكلات على كثرتها هي في بحر من الإنجازات والنجاحات المتناثرة هنا وهناك».

وأشار الدكتور العبد الكريم في حديثه «أرى أن أهم مشكلة وأكبر عقبة لمسيرة التعليم هي الرؤية الشمولية في التطوير التربوي، والرؤية الشمولية لا تعني بالضرورة العمل الشمولي»، و«عند وجود الرؤية الشمولية، لا بأس من الإصلاحات الجزئية التي تسير وفق ترتيب واعٍ للأولويات، أما مع غياب الرؤية الشمولية فلا يمكن في ضوئها ترتيب الأولويات بشكل صحيح، وستطغى الآنية على الرؤية الاستراتيجية، ويتغلب رد الفعل على الفعل، مما يستنفد الوقت والجهد دون تحقيق النتائج المرضية».

وأفاد الدكتور راشد العبد الكريم، الذي يعمل كذلك أستاذا مساعدا في كلية التربية بجامعة الملك سعود، أن المشكلة الكبرى الثانية هي عدم القدرة على تحديد نقطة الانطلاق والبدء في الإصلاح التربوي، قائلا: ما زلنا نسير في قالب تطوير «المنهج»، وتحديدا المقرر الدراسي، آملين أن يكون ذلك هو الحل السحري لمشكلات التعليم، واصفا ذلك بـ«الوهم» في من يعتبر التقنية إكسيرا لبعث الحياة في «الجثة» المدرسية، ووجهة نظري أن الأمرين خطأ، فقد يكون المقرر في وقت مضى هو نقطة الانطلاق الصحيحة في إصلاح التعليم وتطويره لمبررات كانت صحيحة في وقت ما.

وأفصح العبد الكريم: تطوير المقرر الدراسي ليس هو الأولوية الكبرى، لكن تطويره ما زال عالقا في الوعي التربوي، لأنه أمر «سرنا عليه» لسنوات، ولأنه من جهة أخرى أسهل من غيره ويمكن إنجازه بسرعة، أما التقنية فهي إكسير لكن ليس لبعث الحياة في التعليم بل لبعثها في حسابات شركات التقنية، التقنية - بحسب العبد الكريم - لا تصلح نظاما تعليميا ضعيفا، بل كثيرا ما تزيد في ضعفه، التقنية تعزز نجاح النظام التعليمي الناجح، وحسب.

وحول أبرز المقترحات نحو رسم منهجية ناجعة تعين التعليم في السعودية نحو النهوض؟، وهل القرارات التي تكتنف العملية التعليمية باتت تحد من عمليات المضي في النجاح؟، قال العبد الكريم: «أعتقد أن التطورات الأخيرة مثل مبادرات مشروع الملك عبد الله لتطوير التعليم، ومثل القرارات التي تتعلق بإعطاء صلاحيات مالية وإدارية لمديري المدارس خطوات مهمة في الاتجاه الصحيح، كل ما نحتاجه الهدوء (وليس بالضرورة التباطؤ)، والمهنية في التعامل مع قضايا الإصلاح التربوي، وترشيد الإنفاق، بحيث نكون في الإنفاق أذكياء وليس، فقط، أسخياء».

وأضاف كذلك «الاختبارات وأدوات التقويم معضلة تعاني منها كل الأنظمة التعليمية، لوجود خلل عضوي في العلاقة بين التعلم والتقويم، فليس كل تعلم يمكن تقويمه في المدرسة، هذا بالإضافة إلى أن ربط التعلم بالتقويم يربط التدريس بالتقويم (وفي النهاية يربطهما بالاختبار)، فيكون التدريس لأجل الاختبار، ومع مرور قليل من الوقت تختزل عملية التعلم والتعليم في إكساب الطالب القدرة على اجتياز الاختبار، مما يعزز توجه برمجة الطلاب والاعتماد على الملخصات والحفظ».

وأضاف بالقول «إيجاد الدافعية للتعلم لدى الطلاب من أهم الأدوار التي يجب أن تقوم بها المدرسة، ومع ذلك فالمدارس تفتقدها بشكل واضح، ونفور الطلاب، بنين وبنات، من المدرسة – بشكل عام - يلمسه أي تربوي، معزيا ذلك لأسباب كثيرة، لكن السبب الرئيس من وجهة نظري هو البيئة المدرسية، فالبيئة المدرسة ما زالت قاصرة عن أن تكون بيئة تربوية يشعر فيها الطالب بالأمن الحسي والنفسي ويجد فيها ما يلبي حاجته الأساسية التي يعدها التربويون – بناء على هرم ماسلو للحاجات - أساسا للدافعية.

وتساءل العبد الكريم: الغريب أننا لم نكلف أنفسنا عناء سؤال الطلاب (سؤالا حقيقيا صادقا) ماذا يريدون في المدرسة ومنها؟، ونحاول بقدر الإمكان توفيره لهم، نحتاج أن نحلل البيئة المدرسة بشقيها الحسي والمعنوي لنتمكن من معرفة أسباب عدم وجود بيئة تربوية قادرة على جعل المدرسة مكانا محببا للطلاب، مضيفا «يجب أن نبدأ بمكونات البيئة المحسوسة والظاهرة، بدءا من المبنى المدرسي ومكوناته الأساسية. لنصل إلى المكونات المعنوية وطبيعة العلاقة بين المعلمين والطلاب، والأعراف والأنظمة السائدة في المدرسة، سواء على مستوى طرق التدريس وإدارة الصف أو على مستوى الإدارة المدرسية».

وأفاد رئيس اللجنة السعودية للعلوم التربوية، أن هذا الخليط من المكونات هو ما يصنع ثقافة المدرسة التي تحول البيئة المدرسية إلى بيئة تربوية، نحن بحاجة إلى بيئة تربوية في جانب كبير منها ترحب بالسؤال، وتقبل تنوع الأجوبة، بدل أن «تعلب» الأجوبة ويبرمج الطلاب على الربط بينها وبين أسئلة محددة سلفا، لا أعتقد أنه يمكن أن ننهض بالتعليم ونوجد بيئة تربوية متميزة إذا لم نلحظ أهم عامل في التربية وهو (إنسانية) الطالب. فالنظر إلى الطالب على أنه مجرد «شيء» داخل المدرسة يحول المدرسة إلى مستودع بدل أن تكون مكان تعلم.

وحول تقييم الوضع التربوي في المدارس، وهل فقد المعلم هيبته عن سابق عهده، وكيف يمكن إعادة بناء جسور الثقة للمعلم من جديد؟ أجاب العبد الكريم: تقويم الوضع التربوي مشكلة بحد ذاته، لأننا يمكن أن نقوم الوضع من خلال الجهود التي تبذل والنوايا الحسنة التي يمتلكها القائمون على التعليم.

وأضاف كذلك «إذا فعلنا ذلك فيمكن أن نقول بكل اطمئنان إن هناك جهودا جبارة تبذل على كل الأصعدة والمجالات التربوية، وإذا قومنا الوضع التربوي على مستوى الناتج والأثر، فأيضا القضية لا تزال مشكلة لأنه توجد نجاحات هنا وهناك، قد تكون منافسة على المستوى الإقليمي (وربما العالمي). لكن الإشكالية هي الوصول بهذه النجاحات الفردية لأن تكون هي «السائد» وليس الاستثناء ولأن تكون مستدامة بدل أن تكون وقتية ولمرة واحدة».

وفي حالة مقارنة ما يجوب مدارسنا بمدارس أخرى، أفاد: كثير من مدارسنا مقارنة بكثير من الدول تعتبر متميزة أو مقبولة، لكن لدى القائمين على التعليم من الإمكانات ومن المؤهلين ومن العقول ومن الإخلاص ما يمكننا من تحقيق المزيد.

وحول المعلم حجر الزاوية، أكد أن المعلم فقد هيبته، ولا آسف على ذلك! الذي آسف عليه أن المعلم فقد احترامه، فالهيبة غالبا تأتي من الخوف، بينما الاحترام يأتي من الحب أو على الأقل القبول، وأعتقد أن فقد الهيبة (والاحترام) نتيجة طبيعية للثقافة المدرسية السائدة، أعتقد أن الطلاب يحسون أنهم يؤتى بهم للمدرسة ليبرمجوا على أنماط معينة من السلوك، والبرمجة لا توجد حبا، بل دائما توجد الشعور بالقسر والتهميش، ولذلك يتصرف الطلاب أمام المعلمين كما يريد المعلمون ويتصرفون فيما بينهم كما يريدون هم.

واختتم بالقول «إعادة الاحترام للمعلم جزء من إعادة بناء ثقافة المدرسة الجديدة التي نريد، وهذا الاحترام يجب ن يكون جزءا من منظومة الاحترام المتبادل التي يجب أن تعزز في المدرسة، أول خطوة في بناء احترام الطالب للمعلم هو أن نعلم الطالب أن يحترم نفسه وأن يشعر أن احترامه حق من حقوقه لا يجوز للمعلم أن يتجاهله، ثم بعد ذلك يجب أن يشعر الطالب بأن المعلم يحترم نفسه من خلال الممارسة المهنية الراقية داخل المدرسة، التي تتمثل في أداء تدريسي فاعل ضمن إطار ميثاق أخلاقي يليق بنبل هذه المهنة العظيمة».