التعليم منافس جديد للسياحة في ماليزيا

حازت المركز الأول في تصنيف الدول الآسيوية التي تعلم باللغة الإنجليزية

تعكس المعالم العمرانية التقدم العلمي الذي سجلته ماليزيا ويبدو في الصورة برجا سورية تورز المملوكة لشركة «بتروناس» الماليزية وهما ضمن قائمة أعلى المباني في العالم
TT

صنفت ماليزيا خلال الأسبوع الماضي كأول دولة آسيوية من حيث التعليم باللغة الإنجليزية وذلك مقارنة بنظيراتها من دول المنطقة الآسيوية، السبب الذي دفع عبد الرحمن المجرشي وهو أحد الطلاب السعوديين المبتعثين في العاصمة الماليزية كوالالمبور، إلى الاستشهاد بهذا الخبر أمام زملائه الذين يمتعضون من الدراسة في بلد لا تعتبر الإنجليزية وهي لغة الدراسة الرسمية في البلاد اللغة الأم.

ويؤكد في المقابل، أن الدراسة باتت منتجا منافسا لشهرة ماليزيا في السياحة، واصفا الدراسة بشكل مختلف عن الدراسة التقليدية في دول العالم الثالث، إذ يقارن التعليم في الجامعة بما يراه ويلمسه في الخارج، مستطردا: «إن الدراسة في هذه البلاد لا تحمل المتناقضات، فما نتعلمه في الجامعة من أصول الهندسة والتخطيط نراه متوائما مع الشوارع التي تتبع البيئة في تخطيطها ولا تتعرض للغابات والأشجار.. أشعر أنها بيئة تعليمية مثالية».

يأتي ذلك في وقت رصدت فيه مملكة ماليزيا أخيرا نحو 110 آلاف طالب قدموا مما يربو على 95 دولة، يدرسون في جامعاتها المصنفة دوليا، فيما تفاءل خبراء في التعليم بحجم تحقيق هذا الرقم في الوقت الراهن، واصفين البلاد بمتسارعة التقدم، وأن «الآمال التي تعول عليها البلاد للوصول إلى مصاف الدول المتقدمة بحلول عام 2020 ستتحقق إذا تواصلت الجهود بهذه الدرجة العالية من الكفاءة».

وعندما يكون الحديث عن الجامعات الماليزية، فإن مؤشرات التقييم العالمية تظهر تقدما في التصنيف الخاص بالجامعات الماليزية سواء من الناحية البحثية أو الأكاديمية، مسجلة نسبا مرتفعة في ما يتعلق بنشرها بالبحوث العلمية، وأرقاما في التصنيف العالمي لأكثر من مؤسسة تقييم، تفيد بتجاوز على الأقل غالبية دول الشرق الأوسط وشرق آسيا.

ويصف محمد المسعودي وهو المشرف الثقافي في الملحقية الثقافية السعودية في كوالالمبور، ماليزيا بأنها «من الدول متسارعة التقدم» وذلك في ما يتعلق بالجوانب التعليمية، معللا بأنها تعتني بالتعليم. ويعكس اهتمام الماليزيين بالتعليم تخصيصهم إدارة خاصة للعناية بجودة المخرجات التعليمية متفرعة من وزارة التعليم العالي الماليزية تهتم بنواحي الجودة والمعادلات إلى جانب مراقبة البرامج التعليمية والتدريبية، لتتوافق مع معايير الجودة العالمية، بحسب المسعودي الذي يضيف: «إن التعليم العالي في الجامعات الماليزية لا يعد تجاريا بحتا كما هو الحال في بعض الدول الأوروبية وبعض المنشآت التعليمية في أميركا وغيرها»، مدللا بنسبة الطلاب الماليزيين المرتفعة في أي جامعة عامة.

ويقول: «نظرا لأن إدارة الجودة للتعليم في ماليزيا تتبنى معايير عالية فليس من السهل الحصول على قبول في الجامعات الماليزية، ويتم استقطاب الطلاب ذوي الكفاءات والمعدلات العالية والاستناد إلى معايير عالية في إتقان اللغة الإنجليزية والتي تعتبر اللغة الرئيسية في التعليم العالي في ماليزيا».

بيد أنها في الوقت نفسه، تحتضن طبقا لإحصاءات نشرت في وسائل إعلام ماليزية أخيرا، ما يربو على 110 آلاف طالب أجنبي ينتمون إلى أكثر من 95 دولة.

لكن الشاب أحمد الغامدي وهو شاب يملك مؤسسة صغيرة في العاصمة السعودية الرياض، قدم لدراسة اللغة الإنجليزية في ماليزيا، يمتعض من الدراسة في دولة لا تتحدث بالإنجليزية كلغة أم كما يقول. موضحا بأنه يفضل الذهاب إلى دولة أوروبية أو على الأقل إلى أستراليا أو نيوزلندا لتلقي اللغة الصحيحة من الناطقين بها كلغة أم، ويعتبر الغامدي «32 عاما» أن تعليم اللغة في ماليزيا يعد «نظريا فقط، مع اجتهادات في التحدث مع سائقي التاكسي أو العاملين في المطاعم الذين لا يتحدث نصفهم على الأقل إنجليزية مثالية».

وربما لو اقتصر التعليم على اللغة يكون رأي الغامدي صحيحا كما يقول علي الحربي زميله في معهد اللغة الإنجليزية الواقع في وسط العاصمة كوالالمبور، لكن هناك تخصصات ومزايا في الجامعات الماليزية تعتبر حلا مناسبا، لا سيما «إذا كان الدارس يمول نفسه، فالتعليم الجيد يحتاج إلى سيولة مالية تتيح الذهاب إلى الدول التي تنطق بالإنجليزية كلغة أم».

وبين هذا وذاك، تبرز مشكلة الإنجليزية لدى كافة الطلاب السعوديين الراغبين في إكمال تعليمهم باللغة نفسها في بلد لا تعتبر فيه البلد الأم. ويقول الدكتور عبد الرحمن فصيل وهو الملحق الثقافي «إن اللغة الإنجليزية هي اللغة الأكاديمية الأولى في ماليزيا ويخضع القبول لكل المراحل الجامعية بإتقان اللغة كمتطلب رئيس وبتجاوز اختبارات التوفل و(ILS)». يضيف: «صحيح أن ماليزيا دولة لا تتحدث الإنجليزية كلغة أم مثلها مثل دول شرق آسيا وأميركا اللاتينية ولكنها تتفوق بكثير عليها، فالأسبوع الماضي حققت مملكة ماليزيا إنجازا جديدا في تعليمها المزدهر حيث تم تصنيفها من الدول الأكثر كفاءة في استخدام اللغة الإنجليزية كلغة ثانية حاصلة بذلك على المركز الأول آسيويا في تصنيف مؤشر إتقان اللغة الإنجليزية العالمي EF EPI، كما حلت في المركز التاسع عالميا متقدمة على جميع دول أميركا اللاتينية وعلى كثير من الدول الأوروبية مثل فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وسويسرا والبرتغال».

ويبقى المحك الرئيسي هو الطالب نفسه في تطوير لغته الإنجليزية عبر المعاهد الدولية لتعليم اللغة الإنجليزية في ماليزيا والتي نوليها في الملحقية اهتماما بالغا باعتماد المعاهد القوية التي يدرس بها مبتعثونا.

وينخرط نحو 1037 طالبا وطالبة سعوديين مبتعثين إلى الجامعات الماليزية، بفي 8 جامعات حكومية و5 خاصة ويتضح من مؤشر نشر البحوث العلمية (ISN) أن الجامعات الماليزية تنشر بحوثا علمية بنسبة 48 في المائة في الفترة بين عامي 2006 و2010، مسجلة معدلا يفوق معدل النشر للبحوث العلمية لدول آسيا مجتمعة بما فيها دول الشرق الأوسط التي بلغت نسبة نشرها للبحوث العلمية في الفترة نفسها 36 في المائة.

وحقق قطاع التعليم الدولي الماليزي نقلة يعتبرها مراقبون «نوعية» وذلك خلال العقد الماضي، فيما أصبحت ماليزيا مركزا للتعليم المتميز في المنطقة، إذ تتربع العاصمة كوالالمبور على مقعد وثير، إذا ما قورنت بنسبة وعدد الطلاب والمخرجات التعليمية مع نظيراتها من عواصم المنطقة، فهي بحسب المسعودي: «مقصد تعليمي يقدم جودة عالمية من التعليم برسوم وتكاليف في متناول الجميع، إلى جانب كون ماليزيا ملاذا لتطوير شبكة علاقات آسيوية مثالية، تتيح للطلاب مسايرة تجربة رائدة في مجالات التنمية الاقتصادية والحياة الاجتماعية الآمنة والمتجانسة، وسط تعددية في الأعراق والأديان والجنسيات التي تعيش بدورها جنبا إلى جنب دون أي معوقات أو مشكلات مما يكسب كما معرفيا وثقافيا معا يضاف للدارس بها».

يضيف المشرف الثقافي في ملحقية السعودية في كوالالمبور :«إن الحكومة تدعم وتساند فرص التعليم العالي بماليزيا في نحو 20 مؤسسة تعليمية حكومية وأجنبية ونحو 28 جامعة خاصة، و4 فروع لجامعات أجنبية وأكثر من 500 كلية خاصة».

وتتوفر أمام الطلاب الماليزيين والأجانب فرصة اختيارات واسعة بما يناسبهم من الجامعات سواء كانت ماليزية أم أجنبية، إذ ينطوي تحت ذلك التوجه الحالي لإقامة فروع لجامعات أجنبية دولية في ماليزيا، وذلك من المملكة المتحدة وأستراليا، فضلا عن جامعات أخرى من الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة وكندا وأستراليا وفرنسا وألمانيا ونيوزلندا، والتي تقدم بدورها برامج توأمة وامتياز وبرامج الدرجات النهائية وذلك بالتعاون مع مؤسسات التعليم الماليزية العليا.

ويتم منح الدرجات العلمية من قبل فروع الجامعات الأجنبية في ماليزيا بشكل مماثل من حيث السمات والمزايا التي توفرها الجامعة الشريكة في الدولة الأصل. وتعتبر جامعة «موناش» التي تأسست عام 1998 أول فرع لجامعة أجنبية في ماليزيا. ويعد الطلاب الأجانب ممن التحقوا في فرع الجامعة الماليزية بشكل طبيعي طلابا في الجامعة الأصلية. ويعلق المسعودي قائلا: «مثل هؤلاء الطلاب لديهم فرصة لتقديم فصل دراسي أو أكثر في الجامعات الأجنبية الأصلية (لكن ليست السنة النهائية)، من دون عوائق يمكن أن تؤثر على دراستهم، كما تعتبر تكاليف الدراسة لنيل الدرجة العلمية من فرع الجامعة في ماليزيا أقل بشكل أساسي منها في الجامعة الأصلية في الخارج».

كما تقدم الجامعات الخاصة المحلية تكاليف دراسية برسوم يعتبرها الماليزيون «تنافسية» مقارنة بجودة البرامج التعليمية المقدمة، وباعتبارها مركزا للتعليم المتميز في إقليم «آسيا باسيفيك» تقدم ماليزيا برامج تعليمية عبر مؤسسات تعليمية خاصة عليا تسمى (PHEIs)، تتضمن برامجها جودة التعليم، وتحكم تلك المؤسسات التعليمية العليا الخاصة قوانين مختلفة.

ويبلغ متوسط المصروفات الشهرية التي يتكبدها الطالب لغرفة بسرير واحد (مشاركة شخصين) لكل طالب نحو 250 إلى 450 رينجت (68 إلى 122 دولارا). وتتراوح متوسط تكاليف المعيشة للطالب سنويا بين 11 ألف رينجت إلى 14 ألف رينجت (3 آلاف دولار إلى 3800 دولار).

بيد أن هذه الأسعار تعد ذات معيار أدنى إذا فضل الطالب السكن خارج الجامعة، إذ يتحتم عليه اختيارين، إما استئجار «شقة» كاملة ومن ثم إعادة تأجيرها إلى زملاء عادة يتشاركون في الاهتمامات والرؤى، ويتراوح ثمن الإيجار للشقة الواحدة بين 1200 إلى 1800 ريجنت بناء على موقع السكن، الذي يطلق عليه «كوندومينوم» ويتكون من طوابق متعددة تصل عادة إلى 15 طابقا، ويوفر جميع الخدمات التي يحتاجها السكان، إلى جانب المرافق الخدمية كالمساجد والمسابح وصالات الرياضة.

الخيار الآخر للطالب إذا فضل السكن خارج حرم الجامعة هو السكن في إحدى غرف أصحاب الشقق من الطلاب، ويتراوح ثمن الغرفة الواحدة بين 400 إلى 800 ريجنت، بناء على مواصفاتها إذ تلعب دورات المياه الخاصة هنا دورا مهما في ارتفاع السعر إذا ما كانت ملحقة بالغرفة.

الطلاب الساكنون خارج حرم أي جامعة في كوالالمبور يتمتعون بمزية القطار السريع، الذي يطلق عليه «LRT»، وهو شبكة تتكون من 24 محطة، مرتبط بغالبية الشوارع الرئيسية مرورا بوسط المدينة، ويستقلون في العادة حافلتين بعد أي محطة، تحملهم الأولى من أقرب محطة إلى المنطقة التي تقع فيها الجامعة، فيما تحملهم الحافلة الأخرى إلى الجامعة مباشرة.