مظاهرات الجمعة في سورية أظهرت «ليونة» في تعاطي الأمن مع المتظاهرين.. مقابل ارتفاع عدد المحتجين بشكل ظاهر

المطالب تغيرت لتبدأ بالمطالبة بإسقاط النظام.. والمحتجون تمسكوا بالوحدة بين الطوائف

TT

تزايدت الاحتجاجات التي تشهدها سورية، ووصلت إلى أقصى حد لها حتى هذه اللحظة، حيث خرج أول من أمس عشرات الآلاف من المتظاهرين في مسيرات في العاصمة السورية دمشق وفي كثير من المدن في مختلف أنحاء البلاد على حد قول شهود عيان.

لكن على عكس ما حدث في الاحتجاجات السابقة، بدا امتناع قوات الأمن عن استخدام القوة المفرطة واضحا، حيث كانت تطلق الأعيرة النارية في الهواء على الحشود، في إشارة محتملة إلى إعادة تقييم النظام لنهجه في التعامل مع الانتفاضات الشعبية التي بدأت منذ شهر. ويقول وسيم طريف، رئيس منظمة «إنسان» السورية لحقوق الإنسان «إنه يوم مشهود، سواء من حيث عدد المتظاهرين أو المدن والقرى التي شهدت الاحتجاجات، وكذلك في رد فعل النظام. فقد كانت طريقة تعامله مع المتظاهرين استثنائية. إنها أول جمعة لا نتلقى فيها أخبارا عن مقتل مواطنين في البلاد».

وقد وردت أخبار عن انتشار الاحتجاجات في 46 مدينة وقرية، منها درعا وحمص وبانياس واللاذقية وحلب ومدينتا القامشلي والحسكة الكرديتان. لكن رغم عدم ورود أخبار عن قتلى، قبض النظام على 172 شخصا صباح يوم الجمعة في درعا وما حولها من مناطق. والجدير بالذكر أن درعا هي المدينة التي شهدت أول الاحتجاجات، وتعد نقطة تجمع مركزية لكثير من المحتجين على حد قول طريف الذي أضاف أنه تم إلقاء القبض على 43 شخصا في مدينة السويداء.

وبدأت المسيرة التي شهدتها دمشق، والتي تعد أول احتجاجات واسعة النطاق في العاصمة، في دوما، وكانت تجذب المشاركين عبر ضواحي دمشق على حد قول شهود عيان. وأخذ المتظاهرون يهتفون «حرية.. حرية» و«وحدة قومية مسلمين ومسيحيين». وأخذت الأعداد تتزايد بينما تتجه المسيرة إلى ميدان العباسيين شمال دمشق، حيث منعت قوات الشرطة المحتجين من الدخول بحسب ما أفاد به شهود عيان. ولم يتسن التأكد من أعداد المتظاهرين بسبب القيود المفروضة على وسائل الإعلام الأجنبية في سورية.

وأشار طريف إلى إضرام المحتجين النار في تمثال حافظ الأسد، والد الرئيس السوري الحالي في حمص، بحسب ما رآه بعينيه. وقال «إنهم دمروه تماما، لقد كان الأمر مذهلا». وحتى يوم الجمعة الماضي كان النظام يقاوم هذه التحركات في سورية بالعنف، حيث فتحت قوات الأمن النار على المحتجين المتجمهرين، وألقت القبض على المواطنين بشكل عشوائي. لكن بدا من الواضح خلال الأيام الأخيرة الماضية وجود محاولات لتهدئة المحتجين، حيث تم إطلاق سراح الكثير من المعتقلين، وتم الإعلان يوم الخميس الماضي عن التشكيل الوزاري الجديد.

كان يُنظر إلى يوم الجمعة باعتباره مؤشرا يوضح ما إذا كانت حركة المعارضة ستستمر أم لا. وتقول رزان زيتونة، المحامية والناشطة في مجال حقوق الإنسان والتي كانت بالقرب من الاحتجاجات التي شهدتها دمشق «هذه المشاركة الكبيرة تعني عدم خضوع الناس للعنف الذي تمارسه السلطات. لقد كانت السلطات تحاول إرهاب الناس، لكن كان رد فعلهم عكسيا وهو الخروج بأعداد غفيرة». وقال رامي خوري، رئيس معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية بالجامعة الأميركية في بيروت، إنه لم يتضح بعد ما إذا كان تلك الأعداد كبيرة بحيث ترجح كفة المحتجين، أم لا. لكنه أضاف «هناك قضية خطيرة يواجهها النظام تتعلق بالمتظاهرين في مختلف أنحاء الدولة، وهي من الذي يقوم بحشدها، ومدى صعوبة معرفة ذلك. كلما طال الأمر، أصبح من الصعب على النظام تهدئة الأوضاع».

لقد كان هناك فرق ملحوظ في مطالب المحتجين. ففي حين دعت الاحتجاجات السابقة إلى المزيد من الحريات وإلغاء قانون الطوارئ الذي تُحكم به البلاد منذ عقود، دعت الاحتجاجات الأخيرة إلى تنحي الرئيس بشار الأسد الذي يبلغ من العمر 45 عاما. وأخذ المحتجون في دمشق يهتفون يوم الجمعة الماضي «بيت بيت، زنقة زنقة، ارحل يا بشار»، في محاكاة لخطاب العقيد معمر القذافي الذي دعا فيه إلى تطهير البلاد من الثوار.

ويرتبط نظام الأسد، الذي يعد من أكثر الأنظمة استبدادا في الشرق الأوسط، بعلاقات وطيدة مع إيران، حيث اتهمت إدارة أوباما يوم الخميس الماضي إيران بمساعدة سورية في قمع المظاهرات، فيما نفى المسؤولون السوريون ذلك. وبحسب تقرير منظمة «هيومان رايتس ووتش» الذي صدر يوم الجمعة الماضي، ألقت قوات الأمن والاستخبارات السورية القبض على المئات من المحتجين في مختلف أنحاء البلاد منذ اندلاع المظاهرات الشهر الماضي وقامت بتعذيبهم.

وأوردت وكالة الأنباء السورية مقتل أحد الجنود وإصابة آخر صباح يوم الجمعة في مدينة بانياس الساحلية، التي شهدت مظاهرات سابقة خلال الأسبوع الماضي. وبدا اضطراب الوكالة يوم الجمعة واضحا بحسب قول طريف، حيث نشرت صور للاحتجاجات، لكنها أشارت إلى أنها مؤيدة للنظام، وألغت مقابلات كان من المقرر إجراؤها مع قناتي «الجزيرة» و«العربية». وقال «إن استراتيجيتها غير واضحة على الإطلاق. لقد بدا الأمر وكأنهم ينتظرون التعليمات».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»