أمين الجماعة الإسلامية اللبنانية: «النموذج الإيراني» ليس واردا في العالم العربي

إبراهيم المصري لـ «الشرق الأوسط»: المسلمون في لبنان «المتعدد» لا يطرحون شعارات إسلامية كـ«الإسلام هو الحل»

TT

أكد الأمين العام للجماعة الإسلامية في لبنان، الإطار اللبناني للإخوان المسلمين، إبراهيم المصري في حوار مع «الشرق الأوسط» في بيروت، أن النموذج الإيراني القائم على أساس «ولاية الفقيه» ليس واردا في تطلعات الحركة الإسلامية في العالم العربي، وقد يكون النموذج القادم الذي سيطرحه «الإخوان المسلمين» في مصر أو اليمن أو في ليبيا وتونس مختلفا عما سبقه من نماذج في غزة والسودان، ذلك أن عنوان الدولة التي يسعى الإسلاميون لتحقيقها في العالم العربي هو أن تكون دولة مدنية تحكمها الشورى وتطبق الشريعة الإسلامية كمرجعية.

ورغم أن المصري رفض الحديث عن التطورات الحاصلة في سورية وموقف الجماعة منها فإنه أشار إلى أن بعض القوى السياسية اللبنانية تنتظر التطورات في دمشق من أجل أن تحسم موقفها من الأوضاع السياسية الداخلية، والبعض الآخر يريد أن يجعل لبنان طرفا في سجالات خليجية إيرانية لا علاقة للبنان بها، والجماعة حريصة على الابتعاد عن المشاركة السياسية المباشرة لأن ما يجري في لبنان لا يشكل نموذجا لبلد يفاخر بأنه يعتمد الديمقراطية ويمارسها منذ عشرات السنين.

وفيما يأتي نص الحوار:

* كيف تنظر الجماعة الإسلامية في لبنان لما يجرى على الصعيد العربي من انتفاضات وثورات وتغييرات على صعيد الأنظمة؟

- صحيح أن ما وقع خلال الشهور الأخيرة من بداية العام جاء مفاجئا للجميع، لكن الواقع السياسي الذي كان سائدا في معظم أقطار العالم العربي لم يكن طبيعيا. فالعالم كله تقريبا بات محكوما بأنظمة ديمقراطية، جمهورية أو ملكية، وبات تداول السلطة يحكم مختلف الأنظمة السياسية القائمة على مستوى العالم إلا في العالم العربي، حيث يجري توريث الرئاسة أو الإمارة أو كرسي المملكة من الأب لابنه على مدى سنوات طويلة، على الرغم من أن الثورات التي قامت بها الجيوش العربية في عدد من الأقطار كان عنوانها «إزالة الأنظمة الفاسدة وتداول السلطة بما يحقق رغبة الشعب»، لكن الذي وقع هو أن النظام العربي كله بات نظاما وراثيا غير دستوري، والأمثلة على ذلك كثيرة، من ليبيا إلى اليمن وغيرها من الأقطار. لذلك نرى أن ما وقع في العالم العربي كان ينبغي له أن يقع منذ سنوات، لأن الواقع العربي يتناقض مع أولويات الحياة السياسية الحضارية في أي مجتمع إنساني على وجه الأرض.

* ما هي أبرز نتائج الانتفاضات العربية حتى اليوم وهل الحركات الإسلامية هي المستفيد الأول من هذه الانتفاضات؟

- يصعب الحكم الآن على نتائج ما وقع في العالم العربي، والملاحظ بشكل واضح أن الحركات الإسلامية في عدد من الأقطار كانت تعمد إلى إخفاء طابعها وبصمتها عن التحرك في الشارع العربي، ففي مصر مثلا لم ترفع رايات الحركة الإسلامية وأعلامها المعروفة (سيفان ومصحف) وإنما اكتفت الحركة الإسلامية التي كانت تشكل قطاعا كبيرا من جماهير ميدان التحرير بإقامة صلاة الجمعة، وأداء الصلوات على الشهداء، وإطلاق الأدعية بعد الصلوات الخمس، وكل هذا لا يشكل طابعا حركيا أو حزبيا في الممارسة السياسية.

وكذلك نلاحظ هذا النهج في تحرك الجماهير الشعبية في ساحة التغيير في صنعاء (اليمن)، باعتبار أن التجمع اليمني للإصلاح يشكل الكتلة السياسية والشبابية الأكبر في الساحة اليمنية عموما وفي ساحات المدن الرئيسية التي خرجت منها المظاهرات وانعقدت الاعتصامات. ومثل هذا نلاحظه في الأردن حيث الكتلة البرلمانية السابقة الأكبر لجبهة العمل الإسلامي (في البرلمان الماضي). لذلك يمكن القول إن الحركة الإسلامية لا تعطي النظام فرصة ليستنجد بالقوى الغربية على الجماهير المحتشدة من خلال اتهامها بأنها إسلامية متطرفة، وأنها سوف تقيم أنظمة معادية للغرب إذا وصلت إلى مواقع السلطة. أما عن المستفيد الأول مما جرى في العالم العربي فهو الشعوب العربية المقهورة التي استعادت حريتها وكرامتها باسترداد قرارها. كما أن الحركة الإسلامية التي كانت تتلقى أكبر قدر من القهر والقمع والاضطهاد، استردت قسطا كبيرا من حريتها، والأمل كبير في أن تأخذ مكانها اللائق بها في أي قطر عربي يسترد قراره ويعزل الطغاة عن مواقع السلطة فيه.

* هل سنشهد حركات إسلامية جديدة لديها أفكار جديدة على صعيد الدولة المدنية أو عدم الترشح لرئاسة الجمهورية (كما يتوقع في مصر وتونس)؟

- لقد حرصت الحركة الإسلامية في مختلف أقطارها، لا سيما في مصر، على الإعلان بصراحة كاملة أنها لا تريد السعي إلى السلطة، وأنها لن ترشح أحدا من رجالها لرئاسة الجمهورية، كما أنها سوف تكتفي بنسبة محدودة من مرشحيها في الانتخابات النيابية القادمة، حتى تطمئن الجميع إلى أنها تسعى إلى الإصلاح وليس للوصول إلى السلطة، أما عن هوية الدولة التي تسعى الحركة الإسلامية إلى قيامها فهي بالتأكيد دولة مدنية يتساوى فيها الجميع أمام القانون، وقد أكد رموز «الإخوان المسلمين» في مصر في مناسبات كثيرة لإخوانهم الأقباط أنهم يعتبرون أن المواطنة هي حق لكل مصري، وأنها تجمع المسلمين والمسيحيين وغيرهم في بوتقة واحدة، وإن كانت الحركة الإسلامية في نهجها الفكري تحرص على أن تكون الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، التزاما بمبدئيتها وعقيدتها الإسلامية.

انطلاقا من هنا يمكن القول إن الحركة الإسلامية أفلحت في كسر جدار العزلة أو التخويف الذي كان يمارسه النظام في الماضي سواء في مصر أو ليبيا أو تونس أو الجزائر، من أجل ترهيب القوى الشعبية والدوائر الغربية من قدوم الحركة الإسلامية وإعطائها حرية الحركة على الساحة السياسية. وبات «الإخوان المسلمين» اليوم في مصر أقرب إلى دوائر صنع القرار في هذه الدولة من أي تيار سياسي آخر.

* أي خيار سيعتمده الإسلاميون العرب، دولة العدالة والتنمية في تركيا، أم الجمهورية الإسلامية في إيران؟

- استطاعت الحركة الإسلامية في أكثر من قطر أن تصل إلى موقع السلطة أو أن تكون قريبة من هذا الموقع، وكان النموذج الذي قدمته الحركة مختلفا، ما بين النموذج السوداني عبر ثورة الإنقاذ ونموذج «المقاومة الإسلامية وحركة حماس» في غزة والنموذج التركي الذي يمثله حزب العدالة والتنمية، وقبله حزب الرفاه بزعامة نجم الدين أربكان. وقد يكون النموذج القادم في مصر أو في اليمن أو في ليبيا وتونس مختلفا عما سبقه من نماذج، ذلك أن «عنوان الدولة» التي يسعى الإسلاميون لتحقيقها هو أن تكون «دولة مدنية» تحكمها الشورى وتطبق الشريعة الإسلامية كمرجعية. أما النموذج الإيراني الذي اعتمدته الجمهورية الإسلامية فقد لا يكون واردا في تطلعات الحركة الإسلامية في العالم العربي، لأن قواها الحزبية تعتمد «أنظمة شوروية» وليس نظام ولاية الفقيه. وهذه قضية خلافية حتى في الساحة الشيعية، رغم أن الإخوة الإيرانيين اعتمدوا هذا الخيار نظرا لوجود الإمام الخميني على رأس الثورة التي انتصرت عام 1979.

* هناك تخوف من حصول صراعات وانشقاقات داخل الحركات الإسلامية (الإخوان) وبينهم وبين السلفيين، فما رأيكم؟

- الإسلاميون بشر يخطئون ويصيبون ويتفقون ويختلفون، وإذا كانت الحركة الإسلامية في أي قطر من أقطارها أمام استحقاقات جديدة يحمل عناوين جديدة، فإنها قد تقع في حالة من تباين الرؤى خاصة أنها تخرج إلى النور بعد سنوات طويلة من العيش في السجون وظلام الاستبداد السياسي وقد يقع خيار البعض على تشكيل حزب سياسي، وخيار البعض الآخر على الاستمرار في العمل الدعوي والاجتماعي، وهذا لا يفسد عنصر اللقاء والتكامل بين الفريقين. ونحن على يقين بأن «الإخوان المسلمين» في مصر سوف يعتمدون خيارا مبنيا على الشورى بين قطاعاتهم الحركية والشبابية والنسائية.

، وقد كانوا يمارسون هذا الدور تحت أقسى أيام الكبت والاستبداد السياسي، بينما هم الآن على عتبة مرحلة جديدة تكون فيها الخيارات مفتوحة للحوار وتبادل الرأي، وصولا إلى ما يوفقهم الله إليه في المرحلة المقبلة.

* برزت بعض التباينات بين الإخوان والسلفيين فإلى أي اتجاه ستؤول هذه الخلافات؟

- هذه الظواهر ليست جديدة في أي مجتمع مسلم، فعلى سبيل المثال في الساحة اللبنانية المحددة الاتساع نرى تباينات في الرؤى ما بين القوى والتيارات الإسلامية، فتجد مساجد يؤمها السلفيون وأخرى يؤمها التبليغيون، وثالثة يؤمها أبناء الجماعة الإسلامية... دون أن يكون هناك تناحر أو تطاحن ما بين هذه القوى. أما إذا كان هؤلاء أمام استحقاق سياسي فقد يتفقون أو يختلفون، وهذا أمر طبيعي، لكن ما حدث في مصر إبان الاستفتاء على التعديلات الدستورية يشكل نموذجا رائعا في تماسك القوى الإسلامية إزاء القضايا المفصلية، وقد توافق الجميع على التصويت الإيجابي مع التعديلات المطروحة لأن ذلك هو ما يحقق المصلحة الإسلامية والوطنية للجميع. أما الحديث عن تباينات تطرح الآن، واتساعات يضخها الإعلام حول «فتوى» لهذا الشيخ أو ذاك، فهي أمور ترصدها الحركة الإسلامية وتحرص على مواجهتها، لأن القوى المناهضة لهذه الحركة تحاول الآن التعويض بالإعلام عما كانت تمارسه أجهزة القمع في الماضي عند مواجهتها للحركة الإسلامية.

* كيف تنظر الجماعة لما يجري في لبنان من تصعيد سياسي بين القوى السياسية وخصوصا حزب الله وتيار المستقبل؟

- ما يقع على الساحة اللبنانية يؤشر إلى أن هذا البلد لم تنضج فيه التجربة الديمقراطية بعد، مع الأسف الشديد، إذ كلما كان البلد على عتبة مرحلة جديدة، كان بحاجة إلى مؤتمر في الطائف أو مؤتمر في الدوحة، من أجل الوصول إلى صيغة جديدة للحكم، ولعل بعض القوى اللبنانية ألفت عملية الاستقواء بالخارج، أو انتظار الدعم والتأييد من أجل أن تأخذ قراراتها وتعتمد خيارتها إزاء أي مرحلة سياسية جديدة. والكل يدرك الآن أن بعض القوى السياسية تنتظر ما ستؤول إليه الأمور في دمشق، أو أن بعضها الآخر يريد أن يجعل من لبنان طرفا في سجالات خليجية - إيرانية لا علاقة له بها. وانطلاقا من هذا فقد قررت الجماعة الإسلامية في الفترة الأخيرة أن تمسك عن المشاركة السياسية، لأن ما يدور على الساحة اللبنانية لا يشكل نموذجا لبلد يفاخر بأنه يعتمد الديمقراطية ويمارسها منذ عشرات السنين.

* ما رأيكم في تأخر تشكيل الحكومة والأسباب التي تقف وراء ذلك؟

- لقد سبق وأعلنت الجماعة أنها ما كانت تتمنى أن يجري إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري بالطريقة التي جرت فيها، لأن ذلك لم يكن متفقا مع ما توافقت عليه القوى اللبنانية في تفاهم الدوحة. لكن حكومة الرئيس الحريري استقالت على أي حال، والبلد لا يمكن له أن يعيش في الفراغ مدة أطول، وما نتمناه هو أن يبادر الرئيس المكلف (نجيب ميقاتي) إلى تشكيل حكومته العتيدة وأن يضع حلفاءه السياسيين أمام مسؤولياتهم في هذا الاستحقاق الذي يتولى فيه مهمة صعبة.