تونس: مخاوف وسط الأحزاب من توظيف الدين في السياسة

التيارات اليسارية تبدأ حملة لمحاصرة الانتشار الكثيف لحركة النهضة في الأوساط الشعبية

TT

تعيش الأحزاب السياسية التونسية وسط مخاوف من إمكانية توظيف الدين في السياسة، واستغلال المساجد لصالح طرف سياسي على حساب طرف آخر.

وبدأت التيارات اليسارية حملة لمحاصرة الانتشار الكثيف لحركة النهضة في الأوساط الشعبية بعد غياب دام أكثر من عقدين، واختلفت التصريحات والتأويلات بشأن مواقف التيارات الإسلامية إزاء الكثير من القضايا.

ودعا أحمد إبراهيم، زعيم حركة التجديد (الحزب الشيوعي سابقا)، إلى جبهة ديمقراطية هدفها تحقيق النظام الجمهوري، والحفاظ على ما سماها «المكاسب التقدمية» وخاصة حرية المرأة والتعليم.

وحاولت الأطراف اليسارية محاصرة التيارات الإسلامية، وخاصة حركة النهضة في الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة من خلال اختبارها في موضوع مناصفة الترشح بين النساء والرجال لانتخابات المجلس التأسيسي المزمع تنظيمها يوم 24 يوليو (تموز) المقبل. كما صرح أحمد نجيب الشابي، زعيم الحزب الديمقراطي التقدمي، بأنه «صدم لمواقف النهضة بعد الثورة»، قائلا إن «برنامجهم يهدف للسيطرة على الدولة عن طريق تجييش المشاعر الدينية وتوظيف المساجد، وذلك بعد أن كان حليفا لحركة النهضة وقياداتها من خلال ما يعرف بتحالف (18 أكتوبر)، الذي دعا منذ سنة 2005 إلى حرية التنظيم، وضرورة إصدار عفو تشريعي عام على جميع المساجين السياسيين».

ودعت أطراف سياسية أخرى إلى ضرورة صياغة ميثاق جمهوري توقع عليه كل الأطراف المشاركة في العملية السياسية، ويضمن التعايش بينها.

وجعلت هذه الوضعية التي لم تعرفها الحياة السياسية قبل الثورة، حركة النهضة وبقية التيارات السياسية في موقع المدافع عن وجهات نظرهم حول الكثير من الملفات وخاصة منها ما تعلق بتداخل الدين في السياسة، وتوظيف المساجد في الدعاية السياسية.

وقال عادل الشاوش، عضو المكتب السياسي لحركة التجديد، إن أي نظام ديمقراطي عليه أن يفصل الجوانب المقدسة عن السياسة لما لهذا الخلط من مخاطر الانزلاق نحو التكفير والتوظيف والإلغاء للرأي المخالف.

وأضاف الشاوش أن حركة التجديد تعتبر أن عدم توظيف الدين الإسلامي في الخلافات السياسية هو مبدأ ديمقراطي حوله توافق كامل، وتدعو إلى عدم المساس بالفصل الأول من الدستور التونسي، الذي يقول «تونس بلد مستقل نظامه الجمهورية ودينه الإسلام ولغته العربية»، مع ضرورة التنصيص على حرية المعتقد، وبذلك تكون مسألة الهوية موضع اتفاق كامل بين التونسيين، وننأى بها عن كل مزايدة أو توظيف.

وأوضح الشاوش قائلا: «نحن لسنا مع فصل الدين مع السياسة بمعنى أننا نتمسك بدور الدولة في الإحاطة بالدين الإسلامي وبالمساجد والقائمين عليها».

ومن جانبه، قال زياد الدولاتلي، القيادي في حركة النهضة الإسلامية، لـ«الشرق الأوسط» إن «الحركة تحترم تعهداتها ومن الناحية المبدئية، وهي لا تعترض على مبدأ التعايش السياسي مع بقية الأحزاب بشرط ألا يكون الأمر فوق إرادة التونسيين».

وأشار الدولاتلي إلى عقل مفكر للثورة المضادة يسعى داخل المجتمع إلى إعادة الخوف وتفجير التناقضات لخلق توتر جديد بين التونسيين. وأضاف أنه إذا كان كل التونسيين في السابق ضد حزب التجمع، فإن القوى المضادة للإسلاميين تسعى اليوم إلى تقديمهم على أساس عدوهم الجديد.

وحول اتهام الحركة بتوظيف المساجد للدعاية السياسية، قال الدولاتلي «لقد حسمنا هذا الأمر، وقلنا مرارا إن السياسة يجب أن تمارس داخل الفضاءات المخصصة لها، أما دور العبادة فهي مخصصة للتثقيف الديني، وتعريف الناس بأمور دينهم».

ولم يخف الدولاتلي في تصريحه، تواصل منظومة الاستبداد بعد الثورة في مواقع كثيرة، على غرار الإدارة والأمن والقضاء، مشيرا إلى أن غايتها الأساسية هي القفز فوق إرادة التونسيين، والسطو من جديد على الشرعية دون التوجه إلى صناديق الاقتراع.

ولاحظ أن بعض الأطراف تشن حملة رهيبة ضمن ما سماه «شيطنة الإسلاميين»، وتحميلهم مجموعة من المواقف السلبية.

ومن جهته، قال الناشط السياسي، بلقاسم حسن، إن هناك إجماعا في تونس على عدم توظيف الدين في السياسة باعتبار الدين شأنا مقدسا وعاملا مشتركا لا يحق لأحد احتكاره أو استعماله في الشأن السياسي، مشيرا إلى أن جميع الأحزاب السياسية مدعوة إلى ضمان حرية ممارسة الشعائر والحق في حرية المعتقد.

وقال إن عدم توظيف الدين في السياسة لا يعني محاربة الدين أو معاداة الإيمان، بل هو ضمانة ديمقراطية لممارسة حق الاختلاف والتعدد دون تكفير أو إقصاء.