الولايات المتحدة وحلفاؤها يبحثون عن ملاذ آمن للقذافي بعد مغادرته الحكم

حتى لا تطاله يد المحكمة الجنائية الدولية

TT

بدأت إدارة باراك أوباما في البحث عن دولة، على الأرجح في شمال أفريقيا، ربما تكون على استعداد لتوفير مأوى للقائد الليبي معمر القذافي إذا تم إجباره على الخروج من ليبيا، حتى في الوقت الذي تشير فيه مجموعة جديدة من التقارير الاستخباراتية إلى عدم ظهور أي قائد ثوري كخليفة موثوق فيه للديكتاتور الليبي.

وعكفت الولايات المتحدة وحلفاؤها على إجراء بحث مكثف عن دولة يمكنها أن تقبل القذافي، على الرغم من إظهار القائد الليبي تحديه واستخفافه بالتحالف في الأيام الأخيرة، بمروره في موكب استعراضي متجولا في شوارع طرابلس، وإعلانه عن عدم اعتزامه الرضوخ لمطالب مغادرته البلاد.

وزادت الجهود تعقيدا نظرا لاحتمال توجيه الاتهامات إليه من قبل المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بتفجير طائرة «بان أميركان 103» عام 1988، وارتكاب أعمال وحشية داخل ليبيا.

ويتمثل أحد الاحتمالات، وفقا لثلاثة مسؤولين إداريين، في إيجاد دولة ليست من بين الدول الموقعة على المعاهدة، التي تجبر الدولة على تسليم أي شخص تصدر بحقه لائحة اتهام من قبل المحكمة الجنائية الدولية، وهو ما قد يمنح القذافي حافزا للتخلي عن معقله في طرابلس.

وربما تساعد مبادرة الولايات المتحدة من أجل البحث عن ملجأ للقذافي في توضيح الصورة التي يحاول بها البيت الأبيض التأكيد على تصريح الرئيس أوباما بحتمية مغادرة القائد الليبي البلاد دون الإخلال برفض أوباما نشر القوات الأميركية على الأراضي الليبية.

وصدق مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على توجيه هجمات عسكرية لحماية الشعب الليبي، ولكن دون الإطاحة بالقذافي. غير أن أوباما وقادة بريطانيا وفرنسا، وآخرين، أعلنوا عن أن الإطاحة بالقائد الليبي هي هدفهم الأساسي، بعيدا عن الحملة العسكرية.

وتحدث مسؤول إداري رفيع المستوى يوم السبت قائلا: «تعلمنا بعض الدروس من العراق، وأحد أبرزها هو أنه يتعين على الليبيين أن يتحملوا مسؤولية تغيير النظام، وليس نحن». وأضاف: «ما نحاول ببساطة القيام به هو إيجاد وسيلة آمنة لتنظيم عملية خروج القذافي من البلاد، إذا أتيحت الفرصة».

جدير بالذكر أن نحو نصف دول أفريقيا لم توقع أو تصدق على اتفاقية روما التي تفرض على الدول الالتزام بأوامر المحكمة الدولية (لم تصدق الولايات المتحدة أيضا على الاتفاقية، بسبب مخاوفها من احتمال اتهام جنودها أو عملاء استخباراتها). وأشار وزير خارجية إيطاليا، فرانكو فراتيني، الشهر الماضي إلى أن دولا أفريقية عدة يمكن أن توفر مأوى للقذافي، لكنه لم يحددها.

وعلى الرغم من أن القذافي كانت تربطه علاقات عمل بقادة دول مثل تشاد ومالي وزيمبابوي، إلى جانب وجود أحزاب مؤيدة للقذافي في أماكن أخرى، لم يكن من الواضح أي الدول، إن وجدت، يمكن أن تظهر كدولة مرشحة لأن توفر ملاذا آمنا للقذافي. لقد بدأ الاتحاد الأفريقي في إجراء مفاوضات بحثا عن دول يمكنها أن تستضيف القذافي، لكن تلك المفاوضات كانت تتم في سرية تامة.

ومع تزايد تضارب الآراء بشأن مستقبل القذافي، تظهر تفاصيل جديدة حول حملة القصف التي يشنها حلف «الناتو» منذ شهر، والتي، في رأي العديد من قادة العالم، توسعت لتأخذ شكل حملة للضغط على القوات العسكرية الليبية وأنصار القذافي للانقلاب ضده.

وبات الجهد المبذول أكثر بطئا مما اعتقده البعض، فبعد انشقاق رئيس جهاز الاستخبارات الليبي السابق، ووزير الخارجية السابق، موسى كوسا، لم ينقلب أي من المسؤولين الكبار الآخرين على القذافي، الذي يحكم ليبيا منذ 42 عاما.

وأرسلت ست دول – قطر والنرويج والدنمارك وفرنسا وكندا وبلجيكا – أكثر من 60 طائرة تشن هجمات جوية تستهدف القوات الليبية التي تهاجم المدنيين. غير أن قادة «الناتو» يقولون إنهم ما زالوا يكافحون من أجل الحصول على ما لا يقل عن ثماني طائرات حربية إضافية لضمان إمكانية مواصلة الحلف للعملية الحربية لمدة أطول، وتخفيف الضغط على الطيارين الذين يقومون بمهمات قتالية متكررة في الوقت الحالي.

ووعدت الولايات المتحدة، التي نفذت أكبر عدد من المهمات العسكرية قبل أن تتخلى عن قيادة العملية وتحول المسؤولية إلى حلف «الناتو» في 4 أبريل (نيسان) الحالي، بتقديم مزيد من قاذفات القنابل وطائرات الهجوم الأرضي، إذا طلبها «الناتو». وبينما شكا مسؤولون أوروبيون بشكل سري من عدم نهوض الولايات المتحدة بدور قيادي في المهام، ذكر مسؤولون أميركيون أنهم لم يتلقوا أي طلبات رسمية بإرسال مزيد من الطائرات.

وأكد بينجامين جي رودس، نائب مستشار الأمن القومي للرئيس أوباما، أنه في غضون شهر، تمكن الحلف من تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية: إنقاذ بنغازي، عاصمة الثوار من الأعمال الوحشية ضد المدنيين، وتفعيل الإلزام الدولي بحماية المدنيين، وفرض منطقة الحظر الجوي وتقديم كميات متواضعة من المساعدات الإنسانية.

لم يجر الحلف من قبل مثل هذه الحملة الجوية المعقدة التي تستهدف أهدافا متحركة عديدة. وألقى ذلك ضغطا على كاهل عملاء وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وقوات العمليات الخاصة البريطانية البرية، ممثلا في ضرورة مساعدتها في تقديم معلومات عن الأهداف.

بالإضافة إلى ذلك، ذكر مسؤول عسكري أميركي رفيع الشأن أن دول حلف «الناتو» تقوم بمهمات هجوم أرضي على درجات مختلفة من الحذر عند ضرب أهداف يمكن أن تتسبب في إصابة المدنيين أو تدمير المساجد والمدارس والمستشفيات المجاورة. وامتنع بعض الطيارين عن إسقاط قذائفهم لهذا السبب، حسبما ذكر المسؤول، ولكن القوات المتحالفة المشاركة في الغارات الجوية لا يمكنها توقع أي طيارين سيكونون ملائمين لضرب أهداف بعينها.

وقال المسؤول، الذي تحدث شريطة عدم الإفصاح عن هويته لتجنب غضب شركاء التحالف: «دون شك، من المحبط التعامل مع كل هذه الأمور لتحقيق أكبر تأثير ممكن لجهودنا والتعامل مع كل هذه المتغيرات».

ويسلم مسؤولون أميركيون بأن قادة الثوار لم يحددوا بعد من يحتمل أن يخلف القذافي إذا تمت الإطاحة به، ويخشى البعض من اندلاع حرب أهلية إذا لم تظهر شخصية تجمع الآراء على أنها يمكن أن تحقق الوحدة للبلاد.

ويقول مسؤولون بالبيت الأبيض إنه في الوقت الذي سيروق لهم فيه أن يروا القذافي خارج البلاد بالفعل، فإنهم يعتقدون أن الضغط يزداد.

وقال رودس: «هناك جوانب تعمل بمرور الوقت ضد القذافي، إذا أمكننا أن نجرده من الأسلحة ومواد الحرب والمال». وأضاف: «يؤثر هذا على حسابات الأفراد المحيطين به.. إلا أن الأمر سيتطلب وقتا من المعارضة كي يتبلور شكلها».

وتم إرسال المبعوث الأميركي، كريس ستيفنز، هذا الشهر إلى بنغازي لجمع مزيد من المعلومات عن المجلس الوطني الانتقالي. وكان المجلس قد تعهد بالعمل في سبيل إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية جديدة بعد الإطاحة بالقذافي، ودعم حقوق الإنسان وصياغة دستور جديد، وتشجيع تشكيل أحزاب سياسية. ويتوقع أن يمكث ستيفنز مدة أسبوع، لحفظ الأمن، وفقا لما ذكره مسؤولون بوزارة الخارجية.

كما يجتمع مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا، عبد الإله الخطيب، وزير الخارجية الأردني الأسبق، مع رموز المعارضة، إلى جانب أعضاء من حكومة القذافي لمحاولة التوصل إلى تسوية دبلوماسية ممكنة.

ربما يكون أبرز أعضاء الحكومة المنتظرين لرحيل القذافي هو محمود جبريل، خبير التخطيط الذي انشق عن حكومة القذافي. والتقت وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري رودهام كلينتون، مرتين بجبريل، الذي يرى الدبلوماسيون الأميركيون أنه أكثر الشخصيات العامة لباقة وذكاء في المجلس الوطني. كما تحدث جبريل أيضا إلى العديد من وزراء حلف «الناتو» والوزراء العرب والأفارقة الذين اجتمعوا في الدوحة بقطر يوم الأربعاء الماضي لمناقشة الأزمة الليبية.

وأحد أعضاء المجلس الوطني الآخرين البارزين هو علي الترهوني، الذي تم تعيينه وزيرا للمالية في حكومة الثوار. وكان الترهوني، الذي عمل أستاذا للاقتصاد بجامعة واشنطن، قد عاد إلى ليبيا في فبراير (شباط) الماضي بعد نفيه لأكثر من 35 عاما بسبب تقديمه إرشادات للمعارضة في مسائل اقتصادية. ويشير الثوار إلى أوراق اعتماده الأميركية، فقد حصل على الدكتوراه من جامعة ولاية ميتشيغان، نظرا لسعيهم إلى كسب الاهتمام الدولي بقضيتهم.

وقالت كلينتون في برلين يوم الجمعة الماضي: «فيما يتعلق بالمعارضة، نحن نتعلم المزيد طوال الوقت». وأضافت: «نحن نجمع معلوماتنا. وهناك دول عدة تربطها علاقات قوية بأعضاء المعارضة، التي لها وجود في بنغازي يمكنها من جمع المعلومات. ولا يزال مبعوثنا داخل بنغازي، ويجري لقاءات مع قطاع عريض من الناس».

وأوضحت كلينتون لوزراء خارجية «الناتو» أن التحالف قد اعترف بأن المجلس الانتقالي كان «متحدثا شرعيا ومهما ممثلا للشعب الليبي». وأضافت: «نحن جميعا نحتاج إلى تعميق تعاوننا مع المعارضة وزيادة دعمنا لها».

* خدمة «نيويورك تايمز»