تواصل المظاهرات بالمدن السورية في ذكرى الاستقلال.. ويوم دام في حمص

الجيش يحاصر تلبيسة.. ودرعا خالية من الجيش والأمن.. ومعارضون يدعون لإلغاء المادة 8 من الدستور وإطلاق المعتقلين

TT

تواصلت المظاهرات الاحتجاجية في عدد من المدن السورية أمس، بعد يوم من إعلان الرئيس السوري عزمه إلغاء حالة الطوارئ المستمرة منذ نصف قرن، وإجراء إصلاحات في الحكم. لكن المتظاهرين عبروا عمليا عن عدم قناعتهم بالخطوات الإصلاحية التي أعلنها الرئيس، وخرجت أمس مظاهرات في دمشق وحلب للمرة الأولى وبانياس ودرعا وحمص وفي مناطق الدروز، مطالبة بالحرية والديمقراطية وتغيير النظام ورحيل الرئيس الأسد. وفي مدينة حمص، قال شاهد عيان في اتصال مع «الشرق الأوسط» من لندن، إن نحو 15 قتيلا سقطوا وجريحين بحالة حرجة، في منطقة باب سباع وسط مدينة حمص، خلال اعتصام نظمه العشرات عند جامع المريجة، بعد ظهر أمس. وقال الشاهد إنهم كانوا يهتفون: «حرية حرية.. سلمية سلمية»، وهتفوا لنصرة درعا وإسقاط النظام، وعلى الفور وصل للمكان 4 حافلات تقل نحو 250 عنصر أمن، وباشروا إطلاق الرصاص عشوائيا، بهدف تفريق المحتجين، ما أسفر عن سقوط 15 قتيلا وعدد من الجرحى؛ اثنان منهما في حالة خطرة. وقال الشاهد إنه «في العادة كان الأمن يستخدم قنابل مسيلة للدموع ورشاشات مياه لتفريق المتظاهرين، ومن ثم يطلق الرصاص في الهواء، لكن اليوم (أمس) جرى إطلاق الرصاص بشكل عشوائي وفورا.. لنحو 45 دقيقة». وشهدت مدينة حمص، يوم أمس، اعتصاما آخر لنحو 5000 شخص عند دوار باب دريب، ووفد إليه المتظاهرون من مدينة فيروزة وتلبيسة ودير بعلبة.

وقالت القناة الإخبارية السورية، شبه الرسمية، مساء أمس، إن مسلحين أطلقوا رصاصا على عناصر الأمن وعلى المدنيين أدى إلى مقتل عنصر من قوى الأمن، وإصابة 15 آخرين من المدنيين والقوى الأمنية. ولا تزال الأجواء متوترة، وسُمع إطلاق رصاص في أكثر من حي من أحياء مدينة حمص، وفي مدينة تلبيسة بمحافظة حمص قال شهود عيان لـ«رويترز» إن 3 أشخاص قتلوا برصاص القوات السورية، خلال تشييع جنازة في البلدة.

وأكدت مصادر أخرى لـ«الشرق الأوسط»، أن الجيش يحاصر المدينة، بينما تقوم قوات الأمن بعملية مداهمات للمنازل. ويمنع الجيش المتظاهرين من أهالي مدينة الرستن القريبة من تلبيسة، وعلى الطريق بين مدينتي حمص وحماه، من التوجه نحو تلبيسة. ولم يتمكن الأهالي من إيصال المصابين إلى المشافي في حمص.

ودخلت مدينة حلب ثاني أكبر المدن السورية أمس على خط الاحتجاجات، بخروج المئات من سكانها إلى الشارع، مرددين شعارات طالبوا فيها بالحرية في تجمع بمناسبة ذكرى الاستقلال. وردد المئات هتافات قائلين «الشعب يريد الحرية» عند قبر زعيم الاستقلال إبراهيم هنانو في حلب التي تعد المركز التجاري والصناعي الكبير في البلاد. وكانت حلب هادئة منذ اندلاع المظاهرات الحاشدة المؤيدة للديمقراطية في مواجهة حكم الرئيس الأسد قبل أكثر من شهر في جنوب سورية. وقال حقوقي على اتصال بالمحتجين لوكالة «رويترز» إن مئات المحتجين يرددون «الشعب يريد الحرية».

وجرت الاحتجاجات لإحياء ذكرى يوم الجلاء الذي يمثل رحيل آخر جندي فرنسي عن البلاد قبل 65 عاما وإعلان سورية استقلالها. وشهدت مدينة دمشق مسيرة احتجاجية لليوم الثاني على التوالي، وقام آلاف المحتجين المطالبين بالديمقراطية بتمزيق صور الرئيس الأسد. وحسب «رويترز» فإن أحد الشهود الذي رافق المحتجين قال إن المتظاهرين رددوا هتافات تطالب بإسقاط النظام ومزقوا عددا من ملصقات وصور الأسد التي كانت موجودة على طول الطريق. كما ردد شعار «الله.. سورية.. حرية وبس»، وهتافات أخرى تضامنا مع سكان مدينة درعا التي انطلقت منها شرارة الاحتجاجات قبل شهر والتي شهدت سقوط أكبر عدد من القتلى.

وفي درعا نفسها تجددت المظاهرات في عدة أحياء خاصة في ساحة الكرامة أمام المسجد العمري في البلدة القديمة حيث خرج الآلاف من المواطنين يطالبون برحيل النظام. وقال شاهد عيان لـ«الشرق الأوسط» إن المتظاهرين طالبوا برحيل النظام والإفراج عن المعتقلين في السجون الذين يصل عددهم إلى أكثر من ألفي معتقل من أبناء المدينة، وذلك بعد أن شيعوا أمس جنازات أربعة من أبناء المدينة الذين سقطوا في الأيام السابقة. وأضاف الناشط أن قوات الأمن السورية انسحبت من المدينة، وغابت أي مظاهر أمنية مسلحة داخلها، فيما شكل الأهالي لجانا محلية لحفظ الأمن والأملاك العامة والخاصة. وأكد أن قوات من الجيش موجودة في محيط مدينة درعا ولم تدخلها حتى بعد أن انسحبت منها قبل أكثر من أسبوع. وقال إن المواطنين نظموا مسيرة ليلية حملوا خلالها المشاعل وجابوا شوارع المدينة وطالبوا برحيل النظام والإفراج عن المعتقلين. وفي بلدة بالقرب من درعا.. قال شهود عيان في اتصالات هاتفية إن آلاف المشيعين السوريين بالقرب من مدينة درعا الجنوبية رددوا هتافات تدعو للإطاحة بالرئيس بشار الأسد أمس أثناء تشييع جثمان جندي قتل في الاضطرابات التي تجتاح البلاد. ويبدو أن الهتافات سببها الاعتقاد بأن الجندي محمد علي رضوان القومان (20 عاما) تعرض للتعذيب على أيدي قوات الأمن. وردد المحتجون شعار «سورية حرة حرة وبشار على برة». وأمكن سماع الهتافات في اتصال هاتفي مع أحد المشيعين في الجنازة ببلدة حراك التي تبعد 33 كيلومترا شمال شرقي مدينة درعا في جنوب البلاد. ورددوا أيضا شعارات تصف الرئيس السوري بالخيانة. وقال قريب، طلب عدم نشر اسمه إن أسرة الجندي أبلغت بأن ابنها توفي عندما صعقته الكهرباء مصادفة في وحدته العسكرية قرب دمشق. لكنه أضاف أن هناك علامات على وجود آثار ضرب على قدم الجندي وقال أطباء في مستشفى محلي إن هناك مؤشرات على تعرضه للتعذيب. وفي السويداء معقل الدروز في جنوب سورية أصيب خمسة متظاهرين معارضين بجروح خلال مظاهرتين مناهضتين للنظام شن أنصار للرئيس بشار الأسد هجوما عليهما، كما أفاد ناشط حقوقي لوكالة الصحافة الفرنسية.

وقال مدير المركز السوري للإعلام وحرية التعبير مازن درويش المقيم في دمشق في اتصال هاتفي مع الوكالة الفرنسية إنه بمناسبة عيد الجلاء انطلقت مظاهرة من ساحة الشعلة في السويداء شارك فيها 300 شخص أطلقوا هتافات مطالبة بإطلاق الحريات في سورية. وأضاف أنه على الأثر «تدخل نحو 50 شخصا من الزعران والشبيحة (البلطجية) من السويداء على مرأى من قوات الأمن التي وقفت بالعشرات تتفرج ولم تحم المتظاهرين، وانهالوا على المتظاهرين بالضرب بواسطة العصي التي كان المهاجمون يرفعون عليها صورا للرئيس».

إلى ذلك، قال معارضون سوريون تعقيبا على إعلان الرئيس الأسد عن خطوات إصلاحية أهمها إلغاء العمل بقانون الطوارئ، بأنها غير كافية. وأعلن الناشط الحقوقي والمعارض السوري هيثم المالح لوكالة الصحافة الفرنسية أن الإجراءات المعلنة «غير كافية ويجب أن ترافقها إصلاحات تشمل القضاء الفاسد». وتابع أن «رفع حالة الطوارئ لا يحتاج إلى قوانين» مطالبا «بإلغاء المادة 8 من الدستور السوري وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي والضمير». وتنص المادة 8 على أن «حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب القائد في المجتمع والدولة ويقود جبهة وطنية تقدمية تعمل على توحيد طاقات جماهير الشعب ووضعها في خدمة أهداف الأمة العربية».