«السنوسية».. طريقة صوفية تنادي بالاعتدال وبنظام ديمقراطي في ليبيا

مريد: القذافي أراد القضاء عليها لأنه كان يرى فيها خطرا على سلطانه

TT

في أحد مساجد بنغازي، معقل الثوار الليبيين، يصلي 12 رجلا في سكينة. إنهم مريدون في الطريقة السنوسية الصوفية التي سطرت صفحات من تاريخ البلاد، قبل أن يطمس آثارها العقيد معمر القذافي.

يقول حسن، البالغ من العمر 72 عاما، لمراسل وكالة الصحافة الفرنسية: «القذافي لا يكف عن القول إن الناس هنا مع تنظيم القاعدة، وها أنت ترى. نحن أناس معتدلون. أناس وسطيون. أناس طيبون».

لدى اندلاع الانتفاضة الشعبية في ليبيا، اتهم القذافي الثوار بأنهم من أتباع زعيم تنظيم القاعدة، أسامة بن لادن، الأمر الذي أصاب الناس بالدهشة في شرق البلاد، معقل المعارضة والمهد التاريخي للطريقة السنوسية الصوفية.

ويضيف هذا الرجل المسن: «أراد القذافي القضاء على الطريقة السنوسية لأنه كان يرى فيها خطرا على سلطانه».

والطريقة السنوسية واحدة من الطرق الصوفية المنتشرة بين المسلمين، وقد تأسست في القرن التاسع عشر على يد الجزائري محمد السنوسي.

التقى السنوسي في رحلته إلى مكة عام 1824 شيخا صوفيا اختاره خليفة له، فأسس في عام 1840 طريقته في شرق ليبيا. لكن الطريقة سرعان ما امتدت إلى الجنوب في الصحراء وصولا إلى تشاد.

كانت الطريقة السنوسية معارضة للدولة العثمانية في نهاية القرن التاسع عشر، ثم قاتلت الاستعمار الإيطالي في النصف الأول من القرن العشرين بقيادة عمر المختار، البطل الوطني الليبي الذي يزين رسم وجهه رايات الثوار الليبيين اليوم. ثم قدمت السنوسية الملك الذي حكم ليبيا بعد استقلالها، وهو الملك إدريس الأول السنوسي.

غير أن العقيد القذافي قاد انقلابا عسكريا في عام 1969 وأمسك بمقاليد البلاد، فأصبحت السنوسية حركة محظورة تقريبا.

ويؤكد أحمد ريفي (33 عاما) أن «القذافي لم يكن يحبذ السنوسية». ويقول إن الزعيم الليبي «عمل كل ما في وسعه حتى يقضي عليها، لكن مريديها ما زالوا موجودين». ويضيف: «لم يكن من المتاح لمريدي الطريقة السنوسية أن ينضموا إلى الجيش أو الشرطة».

ويرى دبلوماسي غربي، طلب عدم الكشف عن اسمه، أن أعضاء الطريقة السنوسية «كانوا دائما أشخاصا معتدلين، واليوم بعد أن أضعفوا لم يعد لهم أي دور في حركة الثورة».

أما ايغور شيرستيش، الباحث في الإنثروبولوجيا، فيرى أن «السنوسية فككت عمليا، على المستوى الرسمي على الأقل، والأسباب واضحة؛ لأنها كانت تؤيد الملكية».

ويضيف: «أسهمت السنوسية بدور أساسي في تاريخ ليبيا المعاصر، لكن ما زال هناك نقاش حول ما إذا كان هذا الدور ناجما عن وجود توجه سياسي في الطريقة، أو أنه نتيجة لظروف تاريخية» دفعتها إلى العمل في السياسة.

ويقول فتي العماري (51 عاما): «نحن مسلمون سنة مثل الآخرين، ومعتدلون جدا، ونحن لا نخلط الدين بالسياسة».

ويضيف: «الناس يقولون إن عمر المختار كان شيخ الطريقة وكان يقاتل الإيطاليين؛ إذن هناك رسالة سياسية للطريقة. أنا أقول: إذا جاءك أناس لكي يغزوا ديارك، فلن تبقى مكتوف الأيدي تصلي».

وإذا كانت الطريقة السنوسية لم تضطلع بدور في الثورة الليبية، فإن أعضاءها يساندون المبادئ التي يطرحها الثوار. فهم لا يريدون العودة إلى النظام الملكي.

ويقول العماري في هذا الإطار: «لا نريد عودة إلى النظام الملكي. نريد ليبيا ديمقراطية».