الخارجية الأميركية: ندعم المجتمع المدني وليس أي مجموعة تدعو للعنف أو تغيير النظام

متحدث لـ «الشرق الأوسط»: الاضطرابات الحالية بسبب فشل الحكومة السورية في احترام الحقوق وتوفير الاحتياجات الاقتصادية البسيطة

«بانياس مقبرة الشبيحة» عبارة كتبها محتجون سوريون على سيارة محترقة للتنديد بمسلحين يحسبون على النظام في دمشق (أ.ب)
TT

منذ بدء المظاهرات في سورية وإدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما تواجه حرجا في طريقة التعامل مع التطورات في سورية. فبينما أصدرت إدارة أوباما 3 بيانات حتى الآن تدين العنف الموجه ضد المتظاهرين، لم تتخذ الإدارة الأميركية خطوات إضافية علنية لدعم المتظاهرين. إلا أن تقريرا نشر في صحيفة «واشنطن بوست» يوم أمس دفع إدارة أوباما للدفاع عن سياساتها بدعم مجموعات سورية معارضة، بعد أن كشفت برقيات مسربة من خلال موقع «ويكيليكس» أن وزارة الخارجية الأميركية دفعت مبلغا يقدر بين 7.5 و12 مليون دولار لمجموعات مجتمع مدني مختلفة في سورية.

وبينما قالت صحيفة «واشنطن بوست» بأن «الولايات المتحدة دعمت المجموعات المعارضة سرا»، ردت وزارة الخارجية الأميركية بالقول بأنها تدعم «مجموعات مجتمع مدني في سورية». وردا على سؤال حول الدعم الأميركي للمجموعات المعارضة السورية، قال ناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية لـ«الشرق الأوسط»: «الولايات المتحدة تدعم تنمية مجتمع مدني في سورية مثل غيرها من الدول، الولايات المتحدة أيضا تستمع إلى أصوات سورية عدة داخل البلاد وخارجها». ولكن شدد الناطق على «أننا لا نعطي الدعم لأي مجموعة تستخدم العنف أو تعمل على تغيير النظام ولا نمول الأحزاب السياسية».

وكان من الواضح انزعاج الإدارة الأميركية من نشر «واشنطن بوست» لهذا الخبر والبرقيات المسربة. واعتبر الناطق باسم الخارجية الأميركية أن «نشر هذه الوثائق أمر مستهجن، وقرار (واشنطن بوست) نشر هذه القصة قرار غير مسؤول يهدد دبلوماسيينا ومسؤولين في الدوائر الأمنية بالإضافة إلى أشخاص من حول العالم يأتون إلى الولايات المتحدة للمساعدة في دعم الديمقراطية والحكومة الشفافة». وكررت وزارة الخارجية موقفها بعدم التعليق مباشرة على فحوى البرقيات المسربة، مكتفية بإدانة نشرها.

وتنفي واشنطن تمويل مجموعة تعمل على تغيير النظام أو تستخدم العنف داخل البلاد، وأوضح الناطق بأن «هناك منظمات كثيرة في سورية ودول أخرى تسعى إلى أن تقوم حكوماتها بالتغيير وهذه أجندة نؤمن بها وندعمها». ومن الواضح أن الموقف العلني للإدارة الأميركية دعم الإصلاح وليس «الثورات».

ومنذ سنوات، هناك تساؤلات حول منظمات المجتمع المدني في المنطقة بعدما منعت دول كثيرة عمل الأحزاب السياسية المعارضة. وبينما بعض منظمات غير حكومية تعمل حقا في إطار تطوير المجتمع المدني، هناك أخرى تعمل بأهداف سياسية. وقد حصلت المجموعتان على دعم أميركي من خلال برنامج «ميبي» (وهو مبادرة الشراكة في الشرق الأوسط) التابع لوزارة الخارجية وهو برنامج ضمن مهامه دعم «الإصلاحيين في المنطقة». ولذا شرح الخبير في شؤون الشرق الأوسط في «مجلس العلاقات الخارجية» ستيفن كوك خبر «واشنطن بوست» أنه «لا يعتبر مفاجأة، بل إن الجميع يعلم أن الولايات المتحدة ليست سعيدة من النظام السوري». إلا أن قرار إدارة أوباما مواصلة دعم مجموعة معارضة لنظام الرئيس السوري بشار الأسد رغم إعلان أوباما رغبته في فتح حوار مع دمشق اعتبر تغييرا من سياسة إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش التي كانت مناهضة للأسد. ومنذ إعادة السفير الأميركي إلى دمشق العام الماضي، توقع أن تتحسن العلاقات بين الطرفين. لكن اعتبر كوك أن «الإدارة استأنفت التواصل مع دمشق لكن كانت أيضا تبقي علاقاتها مع المعارضة كنقطة ضغط» على النظام السوري.

وردا على سؤال لـ«الشرق الأوسط» حول تبعات هذه البرقيات على المعارضة السورية واستغلالها للتقليل من شرعيتها أمام الشعب السوري، قال الناطق باسم الخارجية الأميركية: «الاضطرابات الحالية في سورية نتيجة لفشل الحكومة السورية في احترام حقوق الإنسان الأساسية للشعب السوري وكرامته، بالإضافة إلى الفشل في تزويد احتياجاتهم الاقتصادية البسيطة». وأضاف أن «رغم قيود الحكومة على الإعلام فإن صور العشرات من الآلاف من المواطنين العاديين، رجالا ونساء وطلابا، يتظاهرون في أرجاء سورية يظهر بوضوح أنهم يطالبون بحقوق الإنسان والحرية من الاضطهاد».

ورد الناطق باسم الخارجية الأميركية مباشرة على تهم التورط الأميركي في زعزعة الاستقرار في سورية قائلا: «الولايات المتحدة لا تحرض على الأعمال داخل سورية». وأضاف أن «البرامج التي تدعمها الولايات المتحدة تدعم حقوق الإنسان والديمقراطية، بينما في المقابل هناك تقارير تفيد بأن إيران تزود الحكومة السورية بمساعدة لاضطهاد حقوق الشعب السوري». وأضاف الناطق: «نحن أيضا نسعى لضمان حصول السوريين على المعلومات الصائبة حول التطورات في بلدهم والمنطقة». ويذكر أنه خلال السنوات الماضية، مولت واشنطن إذاعات مثل قناة «الحرة» وإذاعة «سوا» لبث أخبار من وجهة نظر الجانب الأميركي، بالإضافة إلى القنوات التقليدية مثل «صوت أميركا». كما أنها دعمت برامج إعلامية مختلفة في المنطقة ضمن برامج توسيع فرص «التعبير عن الرأي».

أما كوك، فاعتبر أن تقرير «واشنطن بوست» قصر في توضيح طبيعة الأطراف المعارضة في سورية وتعددها. وقال: «في واقع الحال، المجموعات التي تقود التغيير في سورية وغيرها من مجموعات في العالم العربي ليست تلك الممولة من الولايات المتحدة بل نتجت عن حركة بين شعوب المنطقة».

وهناك تساؤلات حول الموقف الأميركي الأوسع مما يدور في سورية، في وقت تشعر الإدارة الأميركية ببعض القلق من سرعة التغييرات في المنطقة. ويواصل السفير الأميركي في دمشق فورد لقاءاته مع المسؤولين السوريين بالإضافة إلى «أطراف مختلفة حول سورية لمعرفة أفضل حول آرائهم تجاه الاضطرابات الحالية وطموحاتهم لمستقبل سورية»، بحسب الخارجية الأميركية. وأكد الناطق باسم الخارجية بأن فورد يلتقي مع ناشطي حقوق إنسان وطلاب ورجال أعمال، بالإضافة إلى مشاوراته المستمرة مع المسؤولين السوريين. وأوضح أن فورد «يستغل هذه الفرص للحديث عن قلقنا من السياسة السورية في قضايا عدة»، أي داخلية وخارجية.

ومن الملفت، أن المعارض السوري المقيم في واشنطن عمار عبد الحميد الذي يدير منظمة «ثورة» كان قد اشتكى من عدم حصوله على دعم من البيت الأبيض للضغط الدبلوماسي على سورية لدعم المعارضين. وقال في لقاء مع صحيفة «واشنطن تايمز» الأسبوع الماضي: «حتى الآن البيت الأبيض رفض طلبنا بتحرك أقوى فيما يخص سورية».

وفيما يخص الرأي الأميركي بخطاب الرئيس السوري، اعتبر الناطق باسم الخارجية الأميركية بأن «رفع قانون الطوارئ سيكون خطوة مرحبا بها وهو أمر طالبنا به منذ زمن». ولكن أضاف أن «في النهاية، الشعب السوري هو الذي سيحكم على ما سمعه وإذا كانت حكومته تنتظر تحركا إيجابيا لتحقيق طموحهم والاستماع إلى ندائهم للإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي».