حمص تشيع قتلاها بهتافات.. «زنقة زنقة» «سلمية.. سلمية» «إسلام ومسيحية»

السلطات تتهم مسلحين بإطلاق النار عشوائيا.. والمعلم: قطع الطرق والتخريب لم يعد من الممكن السكوت عنه

مشيعون شاركوا في جنازة عدد من المدنيين قتلوا في اشتباكات بمدينة حمص السورية أمس(رويترز)
TT

في رواية رسمية لما شهدته مدينة حمص (120 كم من دمشق) وسط البلاد مساء أول من أمس، الأحد، قال مصدر مسؤول في وزارة الداخلية السورية إن «مجموعة مسلحة قامت بإطلاق النار عشوائيا في مدينة حمص وقامت بترويع المواطنين وقطع الطرقات العامة»، مشيرا إلى أن «قوات الشرطة لا تحمل سلاحا، وكانت تقوم بحفظ النظام». إلا أن المصدر، الذي لم يذكر أي معلومات تفيد بالتعرف على هوية أو ملامح المجموعة المسلحة، أكدت مقتل الشرطي أحمد الأحمد وإصابة 11 آخرين من قوات الشرطة والأمن بإطلاق الرصاص عليهم من قبل ما سماها «مجموعة إجرامية مسلحة» في بلدة تلبيسة قرب حمص يوم أول من أمس، الأحد. في غضون ذلك استمر التوتر في مدينة حمص، وقالت «رويترز» نقلا عن شاهد، إن المشيعين أخذوا يرددون «زنقة زنقة.. دار دار.. هنطيح بك يا بشار». وبحسب الناشطين، فإن التوتر بدأ السبت في حمص «بعد أن سلمت الأجهزة الأمنية جثة شيخ يدعى فرج أبو موسى بعد أسبوع على اعتقاله سليما معافى لدى خروجه من أحد المساجد».

ومع أن عدد المتظاهرين يبقى غير كبير فإن الحركة الاحتجاجية لا تزال تتسع جغرافيا عبر البلاد، بحسب ما اعتبر أحد المعارضين، فقد تظاهر في درعا في جنوب سورية، أمس، الاثنين، نحو 500 شخص بينهم 150 محاميا دعوا إلى سقوط النظام وإطلاق سراح المعتقلين، رافضين هيمنة حزب البعث على الحياة السياسية بحسب ما أفاد ناشط في مجال حقوق الإنسان في هذه المدينة.

كما تظاهر نحو 1500 شخص في بلدة جسر الشغور قرب ادلب (شمال غربي) بعد جنازة متظاهر قتل في بانياس الواقعة جنوب جسر الشغور. وقاموا بقطع الطريق إلى حلب وطالبوا بإطلاق سراح المعتقلين ومعرفة مصير أشخاص مفقودين بحسب ما أفاد ناشط آخر.

وعلى صعيد الرواية الرسمية، صرح مصدر مسؤول أنه بعد تكرر قطع الطريق الدولي حمص - حماة - حلب في النقطة المحاذية لبلدة تلبيسة على أيدي «مجموعات إجرامية مسلحة عملت على ترويع المواطنين الأبرياء» تم تكليف «قطعة عسكرية من وحدات الجيش مهمة التحرك إلى المنطقة المذكورة لوضع حد لجرائم تلك المجموعات الإجرامية المسلحة ومنعها من تكرار قطع الطريق الدولي»، وأنه لدى اقتراب القطعة العسكرية من جسر بلدة تلبيسة «قامت عناصر المجموعات الإجرامية المسلحة الذين تمركزوا في المباني المجاورة للطريق بفتح النار على القطعة العسكرية»، وأن أفراد القطعة العسكرية قاموا «بالرد الفوري على مصادر النيران، مما أدى إلى قتل 3 من العناصر الإجرامية المسلحة وجرح 15 منهم، في حين جرح 5 من عناصر الجيش».

من جانبه قال وزير الخارجية والمغتربين، وليد المعلم: «إن ما حدث يوم الأحد في قرية تلبيسة في محافظة حمص يشكل أمرا بالغ الخطورة، إذ تم قطع الطريق الدولي لساعات طويلة، وجرى الاعتداء من قبل مسلحين على عناصر الشرطة التي كانت لديها تعليمات صارمة بعدم التعرض للمتظاهرين؛ مما أدى إلى وقوع ضحايا في صفوف تلك العناصر، مما تطلب تدخل الجيش». ورأى المعلم خلال اجتماعه قبل ظهر يوم أمس مع سفراء الدول العربية والأجنبية المعتمدين في دمشق، أن ما يجري في بعض المناطق من البلاد «يحتاج إلى التوقف عنده»، لا سيما بعد كلمة الرئيس بشار الأسد «التوجيهية للحكومة» الجديدة بما تضمنته بدءا من رفع حالة الطوارئ وانتهاء بقانون تعدد الأحزاب. وقال: «نحن نعتقد أن من يريد الإصلاح يعبر عن رأيه بطريقة سلمية، ومن منطلق أن هذا الإصلاح ضرورة وطنية فإن الذي يريد الإصلاح لا يستخدم العنف والسلاح ولا يلجأ إلى التخريب وحرق مؤسسات الدولة وقطع الطرق». وأكد المعلم في الوقت نفسه أن «الإصلاح هو حاجة وطنية، وهو أيضا عملية مستمرة لا تتوقف، ويتطلب الأمن والاستقرار»، معتبرا ما حدث يوم أول من أمس، الأحد، في قرية تلبيسة في محافظة حمص «يشكل أمرا بالغ الخطورة، إذ تم قطع الطريق الدولي لساعات طويلة وجرى الاعتداء من قبل مسلحين على عناصر الشرطة التي كانت لديها تعليمات صارمة بعدم التعرض للمتظاهرين؛ مما أدى إلى وقوع ضحايا في صفوف تلك العناصر مما تطلب تدخل الجيش»، وذلك مع تأكيده احترام سورية للتظاهر السلمي، وقال: «لكن قطع الطرق والتخريب والقيام بعمليات الحرق أمر آخر، ولم يعد مقبولا السكوت عنه»، مضيفا أن «هناك ضغوطا شعبية كبيرة تطالب الحكومة باستعادة الأمن والنظام»، ومعربا عن الأمل في «أن لا يتكرر ما قام به المسلحون في تلبيسة حتى لا تضطر الدولة إلى اتخاذ الإجراءات اللازمة»، موضحا أن «أولويات الحكومة الجديدة ستكون العمل الحثيث لتنفيذ ما كلفها به الرئيس الأسد وهو يتمثل في أمرين: تنفيذ الإصلاحات التي تم طرحها، وإعادة الأمن والنظام»، مشيرا إلى أن الرئيس الأسد أجرى شخصيا لقاءات حوارية مع ممثلين عن مدن ومحافظات سورية عدة، واطلع خلالها على مطالبهم التي تم تلبية معظمها ووعد بتلبية ما تبقى منها وسوف يلتقي وفودا أخرى.

واتهم الوزير المعلم بعض الفضائيات التلفزيونية العربية بالتحريض، وقال: «هناك تحريض إعلامي واضح تقوم به بعض الفضائيات التلفزيونية العربية، وهذا التحريض يلعب دورا سلبيا يضر بمصلحة الشعب السوري والدولة السورية بشكل عام»، وأضاف الوزير المعلم: «نحن لا نعترض على حرية الإعلام، ولكننا نعترض على عدم الموضوعية فيه، لأن الافتقار إلى الموضوعية يضر بالمصلحة الوطنية»، مشيرا إلى أن «الرأي العام في سورية يتساءل عن دوافع هذا الموقف التحريضي». كما أبدى المعلم استغرابه من الفتاوى التي تصدر خارج حدود البلاد، وقال: «إن على من يصدرون هذه الفتاوى أن يعلموا أن سورية تفخر بوحدتها الوطنية وتعتز بنهجها العلماني العروبي وبتمسكها بالثوابت القومية»، كما تحدث المعلم للسفراء عن ضبط الجهات المعنية شحنات من الأسلحة المهربة من العراق، لافتا إلى أنها «ليست المرة الأولى التي يتم فيها ضبط أسلحة مهربة»، مضيفا أن «الحكومة العراقية لا علاقة لها بهذا التهريب»، ولكنه في الوقت نفسه لفت إلى وجود «جهات تعمل وبشكل حثيث على الإساءة إلى الأمن والاستقرار في سورية»، ليعود ويؤكد أن «الإصلاح قائم ومستمر، والتظاهر السلمي مسموح به، إلا أن اعتماد العنف والتخريب أمر لا يمكن السكوت عنه».

على صعيد آخر قالت صحيفة «الوطن» السورية إن وزير الاقتصاد والتجارة، محمد نضال الشعار، قام يوم أمس بزيارة إلى مدينة حلب التي شهدت يوم أول من أمس، الأحد، مظاهرات حاشدة بمناسبة عيد الجلاء، ونقلت الصحيفة عن الوزير الشعار قوله في أول يوم عمل له في الوزارة الجديدة إن عمله كعضو في الحكومة بمثابة خادم للمواطنين وللفعاليات الاقتصادية، وإنه مستمع جيد ومخلص، وإن باستطاعة سورية أن تصبح سنغافورة ثانية بإمكاناتها وخبرة أبنائها، وذلك خلال اجتماعه برئيس وأعضاء غرفة تجارة حلب، وقال الوزير الذي جال على الأسواق في حلب، إن دوره عبارة عن «استمرار في الإصلاح وتطوير البلد وتحسين مستوى معيشة المواطن وتحقيق بعض أحلامه»، مشيرا إلى وجود قياديين سياسيين لهم دور، و«تجار قادة يؤمنون قوت الشعب ويحققون أحلامه، وآن الأوان أن يكون هذان النوعان من القادة شركاء في تحقيق الحلم الجميل لسورية»، وأنه بالإمكان «تحقيق معجزة سنغافورة»، وقال: «أي قرار في الوزارة سيشرك فيه التجار».

وفي حمص قالت مصادر محلية إن حمص شيعت يوم أمس قتلاها الذين سقطوا يوم أول من أمس، على خلفية قيام السلطات بتفريق اعتصام في باب سباع، وتناقضت الروايات بين مصادر محلية تؤكد أن من قام بإطلاق النار عشوائيا على المعتصمين هم ضمن مسلحين كانوا مع قوات الأمن، وأكدت مصادر رسمية أن مجموعات مسلحة كانت تطلق النار على المدنيين والأمن والشرطة معا، كما تضاربت الأنباء حول عدد القتلى في مدينة حمص، حيث تحدثت مصادر محلية عن سقوط نحو 16 قتيلا و27 جريحا، وأن المحتجين لم يأخذوا الجرحى إلى المستشفيات خشية اعتقالهم من قبل قوات الأمن أو الإجهاز عليهم، بينما تحدثت قناة «الإخبارية» السورية عن قيام الأهالي بإسعاف الجرحى إلى العيادات الخاصة.

وقال ناشطون على موقع التواصل الاجتماعي الـ«فيس بوك» إن حمص شيعت 7 شهداء من جامع النور الكبير وسط حمص، هم: خالد أبو السعود، ورامي قندقجي، وياسر كنجو، ومحمد بلال السقا، ورضوان ديب، وفادي سمرا، وعبد الهادي حربا. وذكر ناشطون آخرون أنباء عن تشييع 3 آخرين في جامع آخر.

وأثناء ذلك كان مئات من أهالي حمص يؤدون صلاة الظهر وسط السوق، وبعد التشييع عاد آلاف من مقبرة الكثيب ليعتصموا في وسط المدينة، حيث ساعة حمص الشهيرة في الساحة التي تسمى «ساحة جمال عبد الناصر»، وانضم إليهم الآلاف الذين ملأوا الساحة والشوارع التي تصب فيها، وأقاموا خياما للاعتصام، وسط غضب عارم وهتافات تدعو إلى إسقاط النظام وهتافات أخرى تقول: «عالجنة رايحين شهداء بالملايين»، و«وين المندسين.. وين المندسين»، و«يللي بيقتل شعبه خاين»، و« كاذب كاذب كاذب الإعلام السوري كاذب»، و«سلمية سلمية.. إسلام ومسيحية»، وحسب مصادر شبه رسمية، فإنه على الرغم من الوجود الكثيف لقوات الأمن في المدينة لم يحصل أي احتكاك مع المحتجين بعد ليلة دامية.

وبث ناشطون مقطع فيديو تم تصويره بواسطة هاتف جوال لخطبة إمام جامع النور في حمص يوم أمس بعد الصلاة على الشهداء، وكان الخطيب يرد على هتافات المصلين التي تطالبه بقول الحق، فقال: «إن الشهداء لم يكونوا مجرمين ولم يكونوا ملثمين، إنهم أبناء حمص ويجب على وسائل الإعلام المغرضة أن تتوقف عن هذا الكذب، نحن نعرف كيف يقتل الناس، تعددت الأسباب والقاتل واحد. المجرم ليس الذي يموت عاري الصدر والذي خرج يقول سلمية.. حرية؛ بل المجرم هو الذي أطلق النار وآمن بإطلاق النار»، وأكد الخطيب أن «الله أخذ العهد والميثاق على العلماء أن يقولوا كلمة الحق»، معتبرا ما قاله «كلمة الحق التي يريدونها»، وقال: «قلنا.. ونقولها.. وقلتها أنا بنفسي لرئيس الجمهورية وللأجهزة الأمنية ولكل المسؤولين: إن الذين يطلقون النار هم هؤلاء الشبيحة»، ثم خاطب المصلين بالقول: «أيها الشباب.. يا أسود باب السباع وباب الدريب وتلبيسة والرستن ودير بعلبة وباب عمرو وجورة الشياح.. كلكم يد واحدة: حرية.. سلمية.. بالروح بالدم نفيدك يا شهيد».

وذكر شهود عيان أن «قوافل من قوات الجيش مدعومة بالدبابات والمدافع تتمركز على طريق حمص - حماة أمام قرية المختارية»، ولا تزال الأجواء متوترة في تلبيسة والرستن بعد يوم أحد دام.

وفي درعا قامت نقابة الأطباء في المدينة باعتصام أمام النقابة عند ساحة القصر العدلي ظهر يوم أمس تضامنا مع أرواح الشهداء الذين سقطوا من السلك الطبي واستنكارا لاستهداف الطواقم الطبية في الأحداث الشهر الماضي، كما عمت المظاهرات الاحتجاجية معظم قرى حوران.

وفي اللاذقية تواردت أنباء عن تجدد المظاهرات في اللاذقية بعد عصر يوم أمس، الاثنين، وقالت مصادر شبه رسمية إن شخصا قتل في اللاذقية وأصيب 6 بجراح في حوادث إطلاق نار في اللاذقية يوم أول من أمس، الأحد، وجرى تشييعه أمس، وبعد التشييع تجددت المظاهرات في منطقة الصليبة.