مخاوف في الشارع اليمني.. ونحو 100 مصاب في قمع محتجين في الحديدة

النهاري لـ«الشرق الأوسط»: قبول الجانب الرسمي للمبادرة الخليجية أربك أحزاب اللقاء المشترك

طفل بصحبة والدته وقد لفت رأسه بشعار «ارحل» خلال مظاهرة تطالب بتنحي الرئيس اليمني علي عبد الله صالح في صنعاء أمس (أ.ب)
TT

تراوح الأزمة اليمنية مكانها بعد أن فشلت المساعي الخليجية الجديدة في إنهاء النزاع في اليمن، في ظل استمرار سقوط ضحايا في عمليات قمع المظاهرات المطالبة بتنحي الرئيس علي عبد الله صالح.

وتسود الشارع اليمني حالة من الحيرة إزاء أفق تسوية النزاع في اليمن واستجابة الرئيس صالح لمطالب شعبه بالتنحي كي تستأنف الحياة الطبيعية في البلاد، وتضاف هذه الحالة إلى استمرار المخاوف الأمنية خشية أن تنزلق البلاد نحو العنف، ومما زاد من مخاوف المواطنين اليمنيين، هو انعدام المحروقات الأساسية كمادة الغاز المنزلي، حيث يقف المواطنون في العاصمة صنعاء وجميع المحافظات والمدن، في طوابير طويلة للحصول على أسطوانات الغاز، ويوم أمس، أضيفت مشكلة جديدة وهي انعدام النفط (البترول)، فقد بدأت تشاهد السيارات وهي تقف متقاطرة أمام محطات البترول.

وإثر فشل اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي المنعقد، أول من أمس في الرياض، بوفد من أحزاب المعارضة في تكتل «اللقاء المشترك»، وخروج اللقاء دون التوصل إلى اتفاق بشأن المبادرة الخليجية لحل الأزمة في اليمن، دخلت الأزمة في اليمن نفقا جديدا، في حين ينظر اليمنيون إلى أن هناك أملا كبيرا في أن يحسم «الأشقاء الخليجيون» الأزمة.

وفي حين يكمن الخلاف حول إعطاء ضمانات بعدم محاكمة الرئيس علي عبد الله صالح وأفراد عائلته وأركان نظامه وهو ما ترفضه المعارضة، إضافة إلى مطالبها وجماهير ساحات الاعتصام بالنص الفوري على رحيل صالح في المبادرة الخليجية، فإن «شباب الثورة» دعوا القطاع الخاص ورجال المال والأعمال إلى البدء في تنفيذ عصيان مدني، كنوع من التصعيد للضغط على صالح للتنحي، ودعت كيانات «شبابية ثورية» المعارضة في أحزاب «اللقاء المشترك» إلى التوقف عن مناقشة أي مبادرات لاعتقادهم أن خطوة كهذه ستطيل من عمر النظام.

وبدأت تتشكل حالة العصيان المدني في الكثير من المحافظات اليمنية، بعد أن طبق لثلاثة أسابيع في مدينة عدن، كبرى مدن جنوب البلاد، في ظل دعوات مماثلة في باقي المحافظات.

وتضيق دائرة المؤيدين للنظام في اليمن، فقد أعلن عدد كبير من قيادات حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم، من وزراء وبرلمانيين وشخصيات بارزة، تشكيل «كتلة العدالة والبناء»، وجميع مؤسسيها ممن استقالوا من الحزب الحاكم وتركوا مناصبهم احتجاجا على قمع المتظاهرين، وأعلن مؤسسو الكتلة تأييدهم لمطالب «ثورة الشباب».

وقلل مصدر مسؤول في حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم من أهمية إعلان تشكيل هذه الكتلة من المستقيلين من عضويته الذين اعتبرهم «فاسدين»، وقال المصدر: «عندما نتأمل الشخصيات التي شكلت هذه الكتلة سنجد أنهم ممن كانوا ينتمون لأحزاب سياسية ثم انضموا واندسوا في صفوف المؤتمر من أجل تحقيق مكاسب عن طريق استغلال مناصبهم في المؤتمر أو في مؤسسات الدولة»، وأضاف أن «مثل هؤلاء وجودهم أو عدمهم داخل المؤتمر على السواء ولا يغير في الأمر شيئا»، واعتبر الحزب الحاكم أن الاعتصامات التي انتشرت في البلاد، أوجدت «فرزا حقيقيا حيث تخلص المؤتمر من الكثير من الشخصيات الفاسدة التي تساقطت كأوراق الخريف وبقي الشرفاء وأصحاب المبادئ والوطنيون الذين أثبتوا دائما أنهم يقفون إلى جانب اليمن وأمنه ووحدته واستقراره».

وفي تعليق على نتائج اجتماع الرياض بين وفد المعارضة ووزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي قال عبد الحفيظ النهاري رئيس الدائرة الإعلامية في المؤتمر الشعبي العام الحاكم في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» في لندن «إن الوفد المعارض الذي ذهب إلى الرياض كان حريصا على أن ينفرد بالإخوة وزراء الخارجية في دول مجلس التعاون لإقناعهم برؤيته في ظل غياب الجانب الرسمي». وعد النهاري ذلك «عملية هروب من مضامين المبادرة الخليجية إلى الصياغة القطرية» وأضاف النهاري «أن الهدف من ذهاب المعارضة إلى الرياض كان عرقلة المبادرة الخليجية التي ننظر إليها على أساس أنها إطار عمل يفضي إلى الحل الذي لا يكون من وجهة نظرنا إلا عن طريق الحوار الذي يرفضونه». وأضاف النهاري «أن قبول الجانب الرسمي للمبادرة الخليجية هو الذي أربك أحزاب اللقاء المشترك ووضعها في موقف سلبي إزاء مبادرة الأشقاء في الخليج» وقال النهاري «لا علم لدينا بمن أقنع الآخر بوجهة نظره في اجتماع الرياض، غير أننا نعول على عقلانية الأشقاء وحرصهم على وحدة اليمن وأمنه واستقراره».

وفي الشأن ذاته قالت صحيفة «26 سبتمبر» الرسمية إن اجتماع قادة المعارضة مع وزراء دول مجلس التعاون الخليجي فشل بسبب تصلب قادة المشترك وإصرارهم على التمسك بـ«المبادرة القطرية» التي كان قد أعلن عنها في الثالث من أبريل (نيسان) رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، ورفضهم للمبادرة الخليجية التي أعلنها وزراء خارجية مجلس التعاون في الـ10 من أبريل الجاري. وذكرت الصحيفة الرسمية أن وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي سيعقدون جولة لقاء ثانية مع الجانب الحكومي لبحث المبادرة الخليجية التي كانت رئاسة الجمهورية قد جددت ترحيب الجمهورية اليمنية بجهود ومساعي الأشقاء في دول مجلس الخليجي من أجل الإسهام في حل الأزمة الراهنة في اليمن. وأكدت في بيان في الـ11 من أبريل الجاري أن الجمهورية اليمنية سوف تتعامل بإيجابية مع بيان وزراء خارجية مجلس التعاون كأساس للحوار وبما يجنب اليمن ويلات الفوضى والتخريب وإقلاق الأمن والسكينة العامة والسلم الاجتماعي.

وفي التطورات الميدانية، أصيب قرابة 100 شاب في قمع قوات الأمن ومسلحين مدنيين أو من يسمون «البلطجية» في مدينة الحديدة، على البحر الأحمر، في غرب البلاد، وقال شهود عيان إن الآلاف من الشباب خرجوا في مظاهرة رفعت فيها شعارات تندد بقمع المظاهرات وتطالب بسقوط النظام، وبمحاكمة الرئيس علي عبد الله صالح، وقالت مصادر طبية في المستشفى الميداني بـ«ساحة التغيير» بالحديدة إن معظم المصابين سقطوا جراء استخدام الغازات السامة وإن بعضهم مصابون بالرصاص الحي، إضافة إلى أن بعض المتظاهرين أصيبوا جراء الحجارة والأسلحة البيضاء.

وكانت قوات من الحرس الجمهوري والأمن المركزي قمعت آلاف المتظاهرين في العاصمة صنعاء، مساء أول من أمس، وأسفرت العملية عن سقوط أكثر من 1500 مصاب، بينهم 20 مصابا بالرصاص الحي، وقد اعتبرت الكيانات «الشبابية الثورية» استمرار استهداف المتظاهرين بأنه يرتقي إلى «جرائم ضد الإنسانية» وقالت إنها تحضر لرفع دعاوى قضائية ضد الرئيس علي صالح وأركان نظامه أمام القضاء الدولي.

وقال بيان صادر عن المنسقية العليا لثورة الشباب إنه «في الوقت الذي يتداعى فيه عقلاء اليمن والخليج إلى لقاء الرياض أملا في إعطاء النظام فرصة أخيرة للخروج المشرف وفي اللحظات التي يدوس فيها اليمنيون على جراحاتهم وآلامهم فاتحين باب الرحيل لعلي صالح متناسين سوابقه في نهب الأموال وسفك الدماء، حرصا على ما بقي من أرواح العباد، وثروات البلاد. واحتراما وتقديرا لجهود الإخوة في دول مجلس التعاون الخليجي»، فإن «ميليشيا» النظام تقوم بـ«اعتداء آثم بالغازات السامة والرصاص الحي على المسيرتين السلميتين في كل من ذمار وأمانة العاصمة في مجزرة جديدة يرسل نظام صالح من خلالها رسائله المستعجلة إلى الداخل والخارج بأن أغلقوا كل الأبواب، وانسوا كل المبادرات، ودوسوا على كل الفرص. فسيل الدماء لن يجف، وعجلة الإبادة لن تتوقف، وصوت العقل لن يسمع ولو كان قادما من الخليج».