اعتقالات هندية تكشف عن فساد في تراخيص الطيارين

بعدما هبطت طائرة إيرباص على العجلة الأمامية

TT

سيطر اسم طيارة هندية على الأخبار في الهند خلال شهر يناير (كانون الثاني) عندما هبطت بطائرة ركاب إيرباص 320 على العجلة الأمامية، وسرعان ما اكتشف المحققون الكثير من الأشياء المرعبة: لقد قامت بارميندر كور غولاتي بارتكاب هذا الخطأ الجسيم من قبل، كما حصلت على الرخصة الأعلى في قيادة الطائرات بدرجات عملية وهمية. والأسوأ من ذلك أن الكثير من رفقائها قاموا بالشيء نفسه.

وكشف تحقيق أمرت به الحكومة عن شبكة تمتد بمختلف أنحاء البلاد تضم كليات طيران، ومسؤولي طيران وغيرهم ممن يقومون بشكل روتيني بتزوير أوراق التخرج والتلاعب في سجلات الطائرات وقبول الرشوة. ويعتبر الكشف عن أن بعض الطامحين غير المؤهلين قد وصلوا إلى قمرة القيادة مجرد حلقة من سلسلة من الفضائح التي أغضبت الهنود خلال الأشهر الـ6 الماضية، لكنها من بين أكثر الأشياء خطورة التي من المحتمل أن تعرض حياة الآلاف للخطر.

ويقول إي كيه بهارات بوشان، المدير العام للطيران المدني في الهند: «مما يثير القلق أنه يمكن أن يفلت الناس من العقاب لفترة طويلة». وأضاف، وهو يعرض ملفات من الأوراق المزورة: «هذه تبدو حقيقية جدا.. إنها تثير مشاعركم حقا».

وأضاف بوشان أنه لن يصف سماء الهند بأنها غير آمنة، مشيرا إلى «أنهم ليسوا سوى قلة من طيارينا المعتمدين الذين يبلغ عددهم 8000 طيار. ومع ذلك، خسر 29 طيارا - بمن فيهم غولاتي - تراخيص عملهم وتم إلقاء القبض على 14 شخصا في أعقاب الحادث الذي وقع في يناير؛ حيث قام المسؤولون بفحص ملفات السنوات الـ5 الماضية وبالتدقيق في شهادات أكثر من 1700 طيار ومراجعة 40 كلية طيران.

توسعت صناعة الطيران في الهند بسرعة خلال تلك الفترة، فمن 2009 حتى 2010، زادت حركة الركاب بنسبة 19%، ووصل عدد الركاب المحليين العام الماضي إلى أكثر من 51 مليون راكب، واستخدم كثير منهم الكثير من شركات الطيران منخفضة الأسعار التي ظهرت مؤخرا.

كما أدت هذه الطفرة إلى إقبال الشباب في الهند على الوظائف المربحة مثل وظائف الطيارين.

وأضاف بوشان: «لذلك تم افتتاح الكثير من كليات الطيران في وقت الازدهار، وكانت هناك منافسة كبيرة، لكن من الصعوبة بمكان أن تجد أي نوع من الرقابة».

ولكي يتخرج الطلاب من مدرسة طيران هندية، عليهم اجتياز 200 ساعة طيران، ثم اجتياز 4 اختبارات تحريرية، مما يؤهلهم للحصول على رخصة طيار تجارية، التي تسمح لهم بالعمل كمساعد طيار. وحتى يتمكنوا من قيادة طائرة، عليهم الطيران 1500 ساعة واجتياز اختبارات تحريرية إضافية، التي ينجح فيها 30% من المرشحين، حسب تصريحات المسؤولين.

وصرح طيار كبير يعمل في الخطوط الجوية الهندية، المملوكة للحكومة، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، حتى لا يعرض منصبه للخطر: «الأسئلة الموجودة في الاختبارات هي أسئلة نظرية ولا صلة لها بالموضوع، وتم اختيارها بواسطة البيروقراطيين الذين لم يسبق لهم لمس وسائل التحكم في الطائرات، وهذا هو السبب في لجوء الكثير إلى تزوير نتائج ذلك الاختبار. إنه أمر سهل للغاية. لا يمكن التلاعب بساعات الطيران من دون تواطؤ مسؤولي المطارات وموردي وقود الطائرات، ومدربي الطيران ومسؤولين حكوميين. لقد تفشى الفساد في النظام بأكمله، من أعلاه إلى أسفله».

وكان يعمل الطيارون الذين أوقفوا عن العمل الشهر الماضي في الخطوط الجوية الهندية وشركات الطيران الخاصة مثل «سبايسجيت وانديجو»، التي كانت تعمل بها غولاتي.

ويقول أشوك تشاند، نائب مفوض الشرطة في قسم الجريمة بنيودلهي: «لقد ضبطنا عصابتين منظمتين في المدن الـ6 التي شهدت التلاعب في شهادات الاختبار، ووجهنا إليهم تهمة الغش والتلاعب والتزوير. وتم إلغاء تراخيص الطيارين، بيد أن المحكمة أطلقت سراحهم بكفالة».

وأضاف تشاند أن متوسط الرشوة التي يدفعها الذين يتطلعون لأن يكونوا طيارين للحصول على شهادات مزورة نحو 15 ألف دولار. وفي الهند، تبلغ أقصى عقوبة تفرض على المحتالين السجن 7 سنوات.

وفي كلمة للبرلمان، قال وزير الطيران المدني، فايالار رافي: إنه تم تشكيل لجنة لوضع معايير أكثر صرامة للتحقق من شهادات اختبار الطيارين والتراخيص، وصرح بأنه من الممكن أن تتم الاختبارات عبر الإنترنت قريبا، وذلك كجزء من الجهود الرامية إلى الحد من فرص التلاعب، ومن المتوقع أن تصدر اللجنة تقريرها قبل نهاية الشهر الحالي.

أرادت بريا سوبرامانيان، من جنوب مدينة شيناي، أن تصبح طيارة، وقضت العام الماضي في المقارنة بين كليات الطيران بمختلف أنحاء الهند. وأضافت: «قمت بزيارة 6 أكاديميات للطيران، لقد كان ذلك مخيفا؛ لأن بعضها يعمل فقط من خلال غرفة أو غرفتين فارغتين ومتهالكتين، ولا يوجد مدرج، ولا توجد طائرات معظم الوقت. وكثيرا ما كنت أتساءل عن مدى خطورة الطيران في الهند، وعندما تم تداول الفضيحة في وسائل الإعلام، لم أفاجأ على الإطلاق».

وقالت سوبرامانيان، التي تبلغ من العمر 33 عاما، إنها أجلت حلمها في الطيران حتى تقوم الحكومة بمعالجة الفساد في النظام.

خلال العامين الماضيين، ألقت وزارة الطيران المدني القبض على 57 طيارا بتهمة تناول المسكرات أثناء العمل.

وقع آخر حادث جوي في البلاد في شهر مايو (أيار) 2010، عندما انحرفت طائرة عن المدرج عند هبوطها، مما أسفر عن مصرع 158 شخصا، ولم يكن الطيار هنديا.

* «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»