الأصولي الليبي عبد المنعم مختار نفى قبل وفاته أي علاقة بين جماعته و«القاعدة»

خطط عدة مرات لاغتيال العقيد.. ضمنها محاولة عام 1996

الفلسطيني معتصم حسن على كرسيه خلال زيارته للثوار الليبيين في أجدابيا (ا.ف.ب)
TT

قتل عبد المنعم مختار في كمين على يد قوات معمر القذافي الأسبوع الماضي على طريق ترابي في شرق ليبيا، لتكون نهاية رحلة حربه كمجاهد في أفغانستان ثم العودة إلى دياره حيث مات جنبا إلى جنب مع عدد من الثوار المدعومين من حلف شمال الأطلسي في محاولة للإطاحة بالزعيم الليبي الذي يوجد في سدة الحكم منذ فترة طويلة، حسب تقرير أوردته وكالة «أسوشييتد برس».

وفي تعليقها على وفاة مختار يوم الجمعة، قالت حكومة القذافي إنه كان عضوا في تنظيم القاعدة. ويعد هذا الوصف جزءا من محاولة مستمرة للربط بين الثوار والتنظيم الذي يتزعمه أسامة بن لادن. وقبل أربع سنوات، قال تنظيم القاعدة إنه تحالف مع الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة، والتي كان مختار قائدا عسكريا كبيرا بها.

وقبل يومين من مقتله، نفى مختار أي علاقة بين جماعته وتنظيم القاعدة، قائلا في مقابلة مع «أسوشييتد برس»: «إننا نقاتل فقط من أجل تحرير ليبيا».

وأضاف مختار، وهو واحد من قادة كتائب الثوار الذين يقودون العمليات القتالية في شرق ليبيا، «ندرك أن القذافي قاتل وقام باعتقال الناس، لذا كان علينا أن نقاتله».

وتعد مسألة وجود الأصوليين الإسلاميين في صفوف الثوار واحدة من أكثر القضايا قتامة بالنسبة للدول الغربية التي تساعد القوات المناهضة للقذافي من خلال الغارات الجوية والتي يجب أن تقرر مدى انخراطها في المعركة، فبعض الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة، تتعامل بحذر نتيجة القلق من احتمال وجود متطرفين في صفوف الثوار.

وفي كلمة للكونغرس الشهر الماضي، قال جيمس ستافريديس، القائد الأعلى لحلف الناتو وأميرال بالبحرية الأميركية، إن المسؤولين رأوا «ومضات» لتورط محتمل من تنظيم القاعدة وحزب الله مع قوات الثوار، بيد أنه قال إنه لم يكن هناك دليل على وجود أعداد كبيرة داخل قيادة المعارضة.

وقال مصطفي الغرياني، المتحدث باسم مجلس المعارضة في بنغازي، إن أي وجود لمتطرفين بين صفوف المقاتلين هو استثناء وأن ضمان الديمقراطية هي السبيل الوحيدة لمكافحة ذلك.

وصل مختار، الذي يبلغ من العمر 41 عاما، وهو مولود في بلدة في شمال غربي صبراتة، إلى أفغانستان في العشرين من عمره عام 1990 عندما كان المجاهدون يقاتلون النظام العميل الذي وضعه السوفيات قبل انسحابهم بعد حرب استمرت لمدة عشر سنوات.

حارب مختار مدة ثلاث سنوات في حقول وجبال خوست وقندهار تحت قيادة جلال الدين حقاني، ذلك القائد البارز الذي كان مدعوما من الولايات المتحدة خلال الحرب السوفياتية ولكنه أصبح الآن واحدا من أشرس أعداء الولايات المتحدة في أفغانستان.

ذهب ما لا يقل عن 500 ليبي إلى أفغانستان لقتال السوفيات، وفقا لمؤسسة «جيمس تاون» الاستشارية التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها، بيد أن مختار صرح بأنه لا يوجد كثير من القتال مع الثوار الآن. ألقي القبض على العديد ممن عادوا إلى ديارهم مثل مختار أو تم قتلهم على يد القذافي عندما أعلنوا إنشاء الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة في منتصف عقد التسعينات من القرن الماضي لتحدي حكم القذافي.

وقال أنيس شريف، وهو عضو في الجماعة، والذي كان على علاقة بمختار لنحو عقدين من الزمن، «أصبح مختار واحدا من ثلاثة قادة عسكريين للجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة». وأضاف: «كان مختار مسؤولا في جنوب ليبيا، وخطط لعدة محاولات اغتيال ضد القذافي، بما في ذلك محاولة اغتيال عام 1996 عندما قام عسكري بإلقاء قنبلة يدوية على القذافي بالقرب من بلدة براك الصحراوية، ولكن القنبلة لم تنفجر».

وذكر شريف، الذي تعود أصوله لبلدة درنة الشمالية الشرقية، والتي كانت أرضا خصبة للأنشطة الإسلاميين، «مختار هو من نظم وأعد وخطط لكل تلك العمليات».

كما قامت الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة بشن هجمات ضد قوات الأمن التابعة للقذافي، لكن الزعيم الليبي فرض إجراءات صارمة ضد الجماعة، ولا سيما في درنة وبنغازي، التي يسيطر عليها الثوار الآن.

وقال مختار «كان أسوأ قتال ضد القذافي في عقد التسعينات من القرن الماضي. لو تم القبض علينا، لكان القذافي لم يكتف بتعذيبنا فقط ولكنه كان سيعذب أسرنا كذلك».

وقال شريف «لذا اضطر العديد من أعضاء الجماعة، بما في ذلك مختار، إلى الفرار إلى الخارج، حيث ترك مختار ليبيا في أواخر التسعينات وعاد بعد اندلاع الانتفاضة الحالية».

وقال مختار، صاحب اللحية السوداء التي يتخللها اللون الرمادي، بينما كان يقف خارج إجدابيا محاطا بشاحنات الثوار المليئة بقاذفات الصواريخ والرشاشات الثقيلة، «ليس لدينا العديد من القادة المحنكين في ساحة المعركة».

في عام 2007، أعلن تنظيم القاعدة أنه تحالف مع الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة التي وضعت على قائمة المنظمات الإرهابية الصادرة من وزارة الخارجية الأميركية.

ونفى كل من مختار وشريف العلاقة بين الجماعة وتنظيم القاعدة، مؤكدين أن مثل هذه العلاقة لم يتم إقرارها أبدا من قبل قيادة الجماعة.

وكانت الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة قد أعلنت تخليها عن العنف في 2009، بعد مفاوضات استمرت نحو ثلاث سنوات مع السلطات الليبية، بما في ذلك نجل القذافي سيف الإسلام. وأصدرت الجماعة بيانا في ذلك الوقت أكدت فيه على أنها لم يكن لها أي صلة بتنظيم القاعدة في الماضي أو الآن.

وكجزء من المفاوضات، أفرجت الحكومة الليبية عن أكثر من 100 عضو من أعضاء الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة في السنوات الأخيرة.

وأضاف شريف: «قامت الجماعة قبل بدء الانتفاضة الحالية بتغيير اسمها إلى الحركة الإسلامية الليبية من أجل التغيير».

وتعتقد السلطات البريطانية أن الجماعة قد أوفت بعهدها بوقف العنف، وأنها ليست على علاقة بتنظيم القاعدة، على الرغم من الاعتراف بأن ليبيين آخرين يشغلون مناصب عليا في التسلسل الهرمي للجماعة الإرهابية، بما في ذلك أبو يحيى الليبي، قائد تنظيم القاعدة في أفغانستان.

وقال عبد الغفار حسين، الذي يعمل على مشاريع إعادة التأهيل لمؤسسة «كويليام» البريطانية لمكافحة التطرف الفكري، «إنهم لا يزالون ملتزمين بوضوح برؤية العالم الإسلامي، ولكنهم لا يشتركون في تكتيكات إرهابية».

وأضاف حسين «قرر بعض القادة السابقين في الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة الانضمام إلى الثوار، لأنهم في الأساس ما زالوا معارضين لنظام القذافي، ولكن ليس هناك ما يشير إلى إعادة تشكيلهم كمنظمة جهادية».

ومع ذلك، صرح حسين بأن هناك دليلا واضحا على أن تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، فرع «القاعدة» الذي يعتقد مسؤولون أميركيون أنه يشكل أكبر تهديد إرهابي للولايات المتحدة في الوقت الحاضر، كان يسعى للانضمام إلى القتال ضد قوات القذافي.

وأضاف «إن الثوار في غاية الحذر للبعد عن تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، مدركين مدى الضرر الذي سيلحق بقضيتهم نتيجة أي ارتباط بالتنظيم».

ومنذ اندلاع الانتفاضة في فبراير (شباط) الماضي، لعب القذافي على وتر أن هناك أعضاء من تنظيم القاعدة بين صفوف الثوار، ولكن لم تظهر أي أدلة تؤكد هذه الاتهامات.

وصرح موسى إبراهيم، المتحدث باسم الحكومة الليبية، للصحافيين يوم الأحد أن «مختار عضو في تنظيم القاعدة منذ الثمانينات» على الرغم من أنه لم يقدم أي دليل على ذلك، وسماه باسمه القبلي «المدهوني»، وقال إنه «قاتل في كثير من البلدان، بما في ذلك أفغانستان، واليمن، والجزائر، وليبيا». وكان مطلوبا من قبل «السلطات الدولية».

وصرح مسؤول في الاستخبارات الأميركية، الذي تحدث شريطة عدم ذكر اسمه لمناقشة المسائل الاستخباراتية، بأن مختار كان متورطا في نشاطات متطرفة في أفغانستان وليبيا منذ التسعينات. ربما لم يكن على علاقة ثابتة مع تنظيم القاعدة وقت وفاته، لكنه كان «رحالا في الماضي».

وخلص المسؤول إلى أنه من السابق لأوانه معرفة ما إذا كان مختار وغيره من أعضاء جماعته قد تخلوا عن ميولهم المتطرفة السابقة أم لا.

وأثناء المقابلة قال مختار إنه وشريف وغيرهما من أعضاء الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة ما زالوا يملكون نفس الرغبة في الإطاحة بالقذافي، لكنه أضاف أنهم لم يعودوا طامحين لإقامة دولة إسلامية.

وبدلا من ذلك، يقولون إن هدفهم هو نفس هدف المجلس الوطني الانتقالي للثوار وهو: حكومة ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان وسيادة القانون.

وأضاف مختار «نحن هنا فقط للقتال من أجل الحرية، وهذا هو هدفنا الوحيد. إننا نريد ليبيا حرة وحكومة لجميع الليبيين - حكومة لا تفرق بين المسلمين وغير المسلمين، حكومة يديرها الدستور وتحترم الإسلام».

وقال شريف، الذي كان جزءا من الشعبة السياسية للجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة والذي يعمل مع الثوار كذلك، إن سنوات الخبرة أظهرت لهم أن معظم الليبيين لا يريدون العيش في ظل حكم إسلامي صارم، ولكنه يعتقد أن السياسيين ذوي الآراء الإسلامية المحافظة سوف يجذبون أكبر قدر من التأييد في ليبيا.

وقال شريف «يتعين على الغرب أن يفهم أن هناك فرقا بين الثقافة الإسلامية والتطرف. ثمة مجال آخر للقلق بالنسبة للغرب وهو العدد المرتفع نسبيا لليبيين الذين ذهبوا للقتال ضد القوات التي تقودها الولايات المتحدة في العراق، حيث أظهرت الأكاديمية العسكرية الأميركية في وست بوينت عام 2008 أن الليبيين يمثلون ثاني أكبر مجموعة من المقاتلين الأجانب.

وقال شريف «هناك بالفعل عدد قليل من الإسلاميين الراديكاليين في ليبيا»، لكنه أشار إلى أن أفضل طريقة للتعامل معهم هو التخلص من القذافي، الذي أدت سياساته القمعية إلى تفاقم التطرف في البلاد.

وأضاف «لا يوجد تطرف في بيئة تحترم الجميع وتسمح لهم بممارسة دينهم دون خوف من التعذيب أو الاعتقال أو القتل».

وقال أيضا إن الثوار ملتزمون بعدم دخول مقاتلين أجانب إلى ليبيا، وهو الشعور الذي ردده آخرون على أرض المعركة.

وأكد شريف «إن الثوار مصممون على عدم السماح لتنظيم القاعدة أو أي فرد غير ليبي أن تكون له قاعدة هنا. لا نريد أن تتحول البلاد إلى ساحة معركة لجماعات أخرى بهدف إنهاء حروبهم. لا نريد أن نرى ليبيا كالعراق أو أفغانستان».