لجنة تقصي الحقائق: التوريث والبرلمان المزور من أهم أسباب ثورة «25 يناير»

تقريرها أشار إلى التأكد من ضلوع مسؤولين سابقين ورجال الأمن في قتل متظاهرين

TT

أكد التقرير الختامي للجنة تقصي الحقائق في شأن الأحداث التي واكبت ثورة «25 يناير»، والتي أسفرت عن سقوط النظام المصري السابق، أن مشروع توريث رئاسة البلاد من مبارك الأب إلى نجله الأصغر جمال، يعد أحد أهم الأسباب التي قامت بسببها الثورة، مشيرا إلى أنه على الرغم من أن كافة الظروف كانت تنبئ بتمرير سيناريو التوريث، متمثلة في أغلبية برلمانية كاسحة ورأي عام عالمي لا يعارض الفكرة، غير أن المشروع كان مرفوضا جماهيريا ومن النخبة المثقفة، فضلا عن أنه كان لا يلقى ترحيبا من المؤسسة العسكرية لعلمها بحالة الفساد الكبيرة التي استشرت في البلاد.

وخلا ملخص التقرير، والذي جاء في 53 صفحة، من أسماء الشخصيات التي حرضت على عمليات قتل المتظاهرين السلميين في ميدان التحرير يوم الأربعاء الدامي (الذي عرف إعلاميا بموقعة الجمل). وبرر أعضاء اللجنة تلك الخطوة كونهم ليسوا سلطة اتهام، مشيرين إلى أن القائمة بالأسماء تضمنها التقرير الكامل الذي سلم إلى النائب العام المستشار عبد المجيد محمود ليباشر التحقيق فيها. وكشف ملخص التقرير النقاب عن أن الشرطة استعملت القوة المفرطة في مواجهة المتظاهرين، مستدلا على ذلك من كثرة الوفيات والإصابات التي وصلت إلى عدة آلاف. وأشار التقرير إلى أن أغلب الإصابات القاتلة جاءت في الرأس والصدر، بما يدلل على أن بعضها تم بالتصويب وبالقنص.. فإن لم تقتل فقد شوهت الوجه وأتلفت العيون. وأضاف التقرير أن الطلقات النارية والخرطوش التي أطلقتها الشرطة أصابت أشخاصا كانوا يتابعون الأحداث من شرفات ونوافذ منازلهم، لافتا إلى أن الهدف من وراء ذلك كان منعهم من تصوير ما يحدث من اعتداءات على الأشخاص، بجانب أن سيارات شرطة مصفحة دهست وسحقت عن عمد بعض المتظاهرين.

وأضاف التقرير أن مقولات من نوعية «الفكر الجديد» كانت قد بدأت في الازدهار في الوقت الذي بدأ فيه النظام السياسي يفقد رشده وتوازنه في حكومة من رجال الأعمال جمعت بين المال والسلطة بمعزل عن الجماهير والمواطنين، علاوة على السلطات والصلاحيات الواسعة للنخبة الحاكمة وفي صدارتها رئيس الدولة، والتي لا تقابلها مسؤولية، والتي خولت له التحكم في كافة مصائر الدولة دون أن يطاله أي إجراء أو عقاب.

وأنحى التقرير في توصياته باللائمة على الدستور المصري (دستور 1971)، والذي أعطى صلاحيات مطلقة كان من شأنها أن خلقت ديكتاتورا محصنا من أي عقاب أو مسؤولية، بغض النظر عن أي جرائم يرتكبها في حق الوطن، داعيا المشرع إلى أن يحتاط في وضع الدستور الجديد للبلاد بتقليص صلاحيات رئيس الجمهورية حتى يكون خادما للشعب ساهرا على مصالحه.

وأكد التقرير أن التزوير الفاضح لانتخابات مجلس الشعب (الغرفة الأولى للبرلمان)، والتي أسفرت في نهاية العام الماضي عن حصول الحزب الحاكم على قرابة 97 في المائة من المقاعد، بما حمله ذلك من تناقض مع واقع الشعب المصري، أسهم في إشعال شرارة الاحتجاجات واندلاع الثورة ضد نظام الرئيس السابق مبارك، مشيرا إلى أن الانتخابات لم تتم في ظل إشراف قضائي كامل، على عكس الانتخابات السابقة عليها في عام 2005 ودون إشراف دولي تحت ذريعة سيادة الدولة، فضلا عما حملته من إهدار واستهانة بأحكام القضاء الخاصة ببطلان الترشيح لبعض الدوائر.

وشدد التقرير على أن الفساد المالي والإداري والسياسي وإقصاء الكفاءات والتضليل الإعلامي بالترويج لديمقراطية نظام الحكم، على عكس ما كان يتم على أرض الواقع، أوجدت مناخا متدهورا أفقد الإعلام الحكومي مصداقيته وأصبح معه عاجزا عن تكوين رأي عام صحيح.

وأشار التقرير إلى أنه ثبت من واقع التقارير الطبية الرسمية وغير الرسمية أن عدد الوفيات في أحداث الثورة بلغ 864 قتيلا على الأقل، فيما تخطت الإصابات 6467 حالة حتى 16 فبراير (شباط) الماضي، فضلا عن مقتل 26 ضابطا ومجندا من الشرطة خلال الفترة من 25 يناير (كانون الثاني) وحتى 9 فبراير الماضي.

وذكر التقرير أنه تأكد للجنة، من واقع أقوال الشهود ومقاطع الفيديو المصورة، أن بعضا من رموز الحزب الوطني الحاكم (سابقا) وأعضاء البرلمان بغرفتيه (الشعب والشورى) وبعض رجال الشرطة، خاصة من المباحث الجنائية قد دبروا المسيرات المؤيدة للرئيس السابق مبارك، والتي انتهت بالاعتداء المكثف من قبل مجموعات ضمتها تلك المسيرات على المتظاهرين السلميين بميدان التحرير، والتي استخدمت فيها الجمال والخيول التي تجرها العربات وقطع الحجارة والهراوات والأسلحة البيضاء والنارية وقنابل المولوتوف الحارقة.

وأشار التقرير إلى أن قطع الاتصالات عن طريق شبكات الهواتف الجوالة والإنترنت والتشويش على القنوات التي كانت تبث من قلب الأحداث أنباء وأقوالا تشجع الثائرين وتحفز المتابعين، كان مقصودا لحجب الأخبار عن المواطنين وعن العالم، ولإعاقة المتظاهرين حتى يحد من توافدهم على أماكن التجمهر ويقلص التنسيق فيما بينهم.

وانتهت اللجنة إلى 14 توصية أبرزها وضع دستور جديد يقيم بنيانا ديمقراطيا عن طريق لجنة تأسيسية، وإعادة النظر في كافة القوانين المقيدة للحريات في مصر بما يشمل قانون مباشرة الحقوق السياسية لضمان انتخابات نزيهة وحقيقية يشرف عليها القضاء إشرافا فعليا، على أن يعاد النظر في قانون الأحزاب وجميع القوانين المنظمة للحقوق والحريات العامة.

كما تضمنت التوصيات إعادة النظر في الإعفاءات الضريبية المقررة لرجال الأعمال مع فرض ضرائب تصاعدية على الدخل تلزم الأغنياء أن يؤدوا ما عليهم من فروض لصالح تنمية الوطن، وأن يعاد النظر في النظام التعليمي لصالح نظام كفء يخرج أجيالا تطلبها سوق العمل، وإصدار قانون لمكافحة جميع صور التمييز الديني أو العرقي أو الاقتصادي بين المواطنين، وتأمين استقلال القضاء استقلالا حقيقيا وإلغاء جميع صور التدخل من جانب السلطة التنفيذية في عمل القضاء، وإلغاء جميع صور القضاء الاستثنائي، وتيسير وصول العدالة الناجزة الفعالة إلى مستحقيها.

وطالبت اللجنة في توصياتها أيضا بتحديث الجهاز الأمني بما يضمن كفاءته المهنية واحترامه للقانون وحقوق الإنسان، وألا يترك الأمر بيد الأمن وحده لحل مشكلات المواطنين وتأهيل عناصره نفسيا ومهنيا، وأيضا تحديث الجهاز الإداري للدولة لزيادة كفاءته والقضاء على الفساد فيه وفتح منافذ الشفافية للحفاظ على المال العام، ووضع نظام صحي يمد الرعاية الصحية المجانية لكل أبناء الوطن.

كما تضمنت التوصيات توسيع المشاركة بجميع أشكالها وصورها لاستيعاب الشباب، والفصل بين منصب رئيس الجمهورية وقيادة الأحزاب السياسية، وإنشاء جهاز قومي لمكافحة الفساد يتمتع بالحصانة، وتأكيد مبدأ احترام القانون وإخضاع كل المواطنين لأحكامه، واحترام أحكام القضاء، وخصوصا من جانب الحكومة، وإطلاق حرية تكوين الأحزاب.