البطريرك الراعي جمع الزعماء الموارنة في بكركي أمس واستعراض للقضايا التوافقية والخلافية

مستقلو «14 آذار» يخلقون دينامية جديدة لتحركهم.. ويطلقون اليوم منبرا لطرح مبادراتهم

TT

في باكورة نشاطاته بعد انتخابه، نجح البطريرك الماروني بشارة الراعي في جمع أقطاب الطائفة المارونية اللبنانية، أمس، في مقر البطريركية في بكركي، متجاوزين، ولو شكليا، الخلافات الشخصية القائمة بين عدد منهم، إضافة إلى الخلافات السياسية، لينتهي الاجتماع الصباحي المطول ببيان ختامي أشار إلى أن مقاربة المجتمعين للمواضيع المطروحة حصلت «انطلاقا من التمييز بين ما هو متفق عليه وما هو خاضع للتباينات السياسية المشروعة في وطن ديمقراطي يحترم الحريات والفروقات، مع المحافظة على وحدة الوطن واحترام ثوابته وصون مصالحه الأساسية».

وتوافد إلى بكركي، صباح أمس، كل من الزعماء الموارنة: رئيس حزب الكتائب اللبنانية الرئيس أمين الجميل، ورئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون، ورئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية، ورئيس الهيئة التنفيذية في «القوات اللبنانية» سمير جعجع؛ حيث التقوا على طاولة واحدة مع البطريرك الراعي في حضور المطارنة: رولان أبو جودة، ويوسف بشارة، وبولس مطر، وسمير مظلوم.

وسجل اللقاء خرقا شكليا للخلافات المارونية - المارونية بحصول مصافحة بين جعجع وفرنجية، على الرغم من عمق الخلاف الشخصي القائم بينهما؛ إذ يحمِّل فرنجية وتياره السياسي جعجع مسؤولية ارتكاب مجزرة إهدن عام 1978 باعتباره آنذاك مسؤولا في حزب «الكتائب» الذي انبثقت عنه «القوات» في مرحلة لاحقة. وأودت المجزرة بحياة والد فرنجية النائب طوني فرنجية ووالدته وشقيقته وعدد من أنصارهم ومحازبيهم. وعلى الرغم من مرور سنوات طويلة، فإن هذه المحطة لا تزال تلقي بثقلها على الطرفين وتسببت في الكثير من الإشكالات الفردية بين مناصريهما في السنوات الأخيرة في شمال لبنان. ومع أن هذه المصافحة لا تخرج عن إطار كسر الجليد، فإن الأوساط المسيحية تأمل أن تكون مقدمة لخطوات لاحقة من شأنها أن تؤدي إلى طي هذه الصفحة المؤلمة بين «القوات» و«المردة».

كان المجتمعون، وفق بيان صدر عن بكركي، قد تداولوا في الشأن الوطني العام، عارضين «الثوابت المسيحية التي ينطلق منها عملهم السياسي في لبنان، والثوابت الوطنية التي يتوحد حولها جميع اللبنانيين». ووصف البيان الاجتماع بأنه «كان أخويا ووطنيا بامتياز، وساده جو من الصراحة والمسؤولية والمودة»، على أن تعقبه «لقاءات أخرى ولقاءات متممة كلما دعت الحاجة».

وفي موازاة الحراك السياسي على الساحة اللبنانية، تستعد مجموعة من الشخصيات السياسية المستقلة وغير الحزبية في قوى «14 آذار» بالتعاون مع شخصيات أكاديمية ومهنية وإعلامية ومثقفين وناشطين في المجتمع المدني لإطلاق ملتقى جديد غدا، يأتي تطبيقا لما ورد في الوثيقة السياسية لـ«14 آذار» لناحية تفعيل دور المستقلين داخل صفوفها، لا سيما في ظل الظروف الراهنة التي تحيط بلبنان والعالم العربي.

وينطلق النائب السابق سمير فرنجية، في حديثه لـ«الشرق الأوسط» عن فكرة الملتقى وأهدافه، من الوضع الداخلي في لبنان، ويقول: «نحن في مرحلة مفصلية، وإما أن نذهب باتجاه تخطي الأزمة، وإما سيصاب لبنان بتداعيات ما يحدث حوله، ونحن نرى حاليا محاولات ربط أزمة سورية بلبنان». وانطلاقا من هذا الواقع فإن الملتقى يهدف، بالدرجة الأولى، إلى «خلق دينامية جديدة وحديثة قادرة على طرح أفكار جديدة وإطلاق مبادرات»، مما يؤدي، وفق فرنجية، إلى «تفعيل الجو الموجود والفاعل داخل صفوف حركة (14 آذار) منذ لحظة إطلاقها».

ويوضح وزير الدولة في حكومة تصريف الأعمال ميشال فرعون أن «فكرة تأسيس هذا المنبر ليست بجديدة وتم طرحها أكثر من مرة في مراحل سابقة، إلا أنه بعد الانقلاب الأخير الذي جرى في لبنان والموقف الشعبي العارم الذي تجلى في 13 مارس (آذار) 2011، فضلا عن وثيقة المشروع السياسي لـ(14 آذار)، التي حجزت مكانا لتحرك المستقلين وطالبت الكثير من الشخصيات بأن يتمكنوا من التعبير عن أفكارهم في مكان معين، تلك العوامل كلها دفعتنا إلى القيام بخطوة إلى الأمام لإطلاق هذا المنبر الذي يكمل دور الأحزاب السياسية والأمانة العامة لـ(14 آذار)».

وعلى الرغم من أن تأسيس هذا الملتقى أو المنبر قد يعبر عن رغبة المستقلين في التمايز عن أركان قوى «14 آذار» والأمانة العامة، فإن فرنجية يؤكد أنه «لن يشكل إطارا منظما؛ لأن الهدف ليس إنشاء تكتل جديد أو جبهة جديدة، بل خلق مساحة ليعبر فيها كل المستقلين عن آرائهم»، معلقا آمالا على «هذه التجربة الجديدة من نوعها، التي تضم شرائح مختلفة والتي من شأنها أن (تفتح دماغ الطرفين)»، على حد تعبير فرنجية.

وعما إذا كان المنبر المرتقب هو بمثابة بديل عن الأمانة العامة، يشدد فرعون وفرنجية على أنه لا يتعارض، لا مع دور الأمانة العامة ولا مع الثوابت الرئيسية لـ«14 آذار». ويقول فرعون: «المنبر لا يتعارض أبدا مع أحزاب (14 آذار)، بل يتكامل معها، لا سيما أن أركانها أعطوا أهمية لتنظيم أكبر للقوى المستقلة»، موضحا أن «الثوابت السياسية المعروفة هي ملك الشعب اللبناني، والمنبر يفتح مجالا للحوار حول مسائل كثيرة قد لا تكون بالضرورة عناوين كبيرة». ويؤكد أن «التجمع سيكون منفتحا على الشخصيات والاقتراحات كلها، وتنظيمه لن يكون جامدا بل سيكون تنظيما لينا».

أما فرنجية فيؤكد أن «اختلاف المنبر عن تنظيم قوى (14 آذار) الحزبي أو الأمانة العامة لا يعني التناقض بالتأكيد، لكن ثمة أمورا لا تتعاطى فيها قوى (14 آذار) كمسألة الثقافة المطلوبة في هذه المرحلة وقيم المواطنة وكيفية إعادة تأسيس العيش المشترك، وسواها من المسائل التي ليست في أولويات (14 آذار) السياسية، بما يسمح بتجاوز الترسيمات القائمة».