حمص مدينة أشباح.. بعد ليلة دامية قتل فيها 4 أشخاص برصاص قوات الأمن

السلطات تتحدث عن «تمرد مسلح لسلفيين» وتعتقل رجال دين «بشبهة الإرهاب» بعد عمليات تمشيط للمساجد

محتجون سوريون يرفعون شعارات تؤكد على الوحدة الوطنية بين الطوائف كافة خلال مظاهرة في حمص أول من أمس (أ.ف.ب)
TT

تحولت مدينة حمص، أمس، إلى مدينة أشباح بعد ليلة دامية، أول من أمس، استمرت حتى الساعات الأولى من فجر أمس، حين تدخلت قوات الأمن لفض اعتصام آلاف المحتجين في ساحة الساعة الجديدة (ساحة جمال عبد الناصر) التي أطلق عليها المحتجون اسم «ساحة الحرية»، والتي تعتبر كبرى ساحات مدينة حمص.

ووردت أنباء، غير مؤكدة، أمس، عن وصول الفرقة 11 من الجيش السوري إلى مدينة حمص، وانتشار كثيف لقوى الأمن والجيش عند ساحة الساعة القديمة في وسط حمص التجاري، لمنع متظاهرين يقدر عددهم بـ10 آلاف، من الوصول لساحة الحرية، بعد عودتهم من تشييع 4 قتلى، إلى مقبرة باب الكثيب. كما وردت أنباء أخرى عن محاصرة مدينة تلكلخ التابعة لمحافظة حمص، والقريبة من الحدود الشمالية للبنان.

ووصف أحد أبناء المدينة المشهد ظهر أمس، وقال إن هناك سيارات محترقة وواجهات محلات محطمة في شارع الدبلان، وهو من أكثر الأسواق حيوية وعراقة في المدينة. وقال: إن واجهات المصارف الخاصة والصرافات الآلية لم تسلم، وإن هناك حطاما وتكسيرا عند الساعة الجديدة. وعاشت المدينة، أمس، حالة أقرب إلى حظر تجول؛ حيث لم تسجل حركة لسيارات النقل العام أو لسائقي سيارات التاكسي.

وهناك روايات عدَّة ومتضاربة حول حقيقة ما جرى في المدينة تحت جنح الليل، وتتجاذب الناس مشاعر متناقضة تتراوح بين السخط على السلطة والذعر من العنف الشديد والفوضى التي حصلت. وبحسب رواية شاهد عيان، لبى آلاف الأهالي دعوة علماء ورجال دين حمص للاعتصام السلمي عند الساعة الجديدة إثر تشييع 9 من أبناء المدينة، أول من أمس، الذين سقطوا في اشتباكات يوم الأحد. وقد صلوا صلاة المغرب في الساحة، ونصبوا الخيام ووضعوا إذاعة في المكان. ووُجد في الساحة جمع غفير من الرجال والشباب والنساء والأطفال، وكانت الأمور تسير على ما يرام، وبشكل سلمي؛ حيث بقي عناصر الأمن ورجال الشرطة بعيدا عن المعتصمين ولم يحصل أي احتكاك، إلى أن حلت الساعة الواحدة والنصف بعد منتصف الليل.

فحضر حينها رجال الأمن بكثافة على جانبي الساحة التي وُجد فيها في تلك الساعة من الليل نحو ألفي شخص. وطلب رجال الأمن من الموجودين أن يخلوا المكان خلال ساعة. وقال شهود عيان إنه جرى افتعال مشادات، إلا أن المعتصمين رفضوا المغادرة. وبعد أقل من ساعة بدأ الأمن بإطلاق كثيف للنار لتفريقهم. وتعددت الروايات حول ما حدث؛ إذ قال شهود إن مسلحين ظهروا وحصلت اشتباكات، بينما قال شاهد آخر فر من المكان مع بدء إطلاق النار: إن فوضى كبيرة حصلت، وراحت المساجد في بعض المناطق تدعو للجهاد، وسمع إطلاق الرصاص في أحياء متفرقة من المدينة مع تفرق الجموع والملاحقات التي استمرت ساعات. وأسفرت الاشتباكات، التي وقعت فجر أمس، عن سقوط 4 قتلى على الأقل وعشرات الجرحى. وذكر شاهد عيان لقناة «الجزيرة» لحظة وقوع الحدث أن «المنطقة محاصرة والقناصة والشبيحة على المباني الحكومية المحيطة يطلقون الرصاص على الناس في الشوارع»، مشيرا إلى وجود إطلاق نار كثيف قرب مركز قيادة الشرطة بالمدينة. وقال: إن إطلاق الرصاص مثل «زخ المطر»، كما أشار إلى انطلاق نداءات عبر مكبرات صوت من المساجد قرب ساحة الساعة وحي باب سباع تقول: «حي على الجهاد» وتدعو لنجدة المعتصمين.

وفي رواية شبه رسمية، فإن عمليات تمشيط جرت للمساجد وتم اعتقال عدد من المحتجين وعلماء الدين بشبهة الإرهاب وبث الفتنة. وجرت أحاديث عن ضبط كميات من السلاح، وفي تلبيسة قيل إنه تم القضاء على «التمرد المسلح» وإزالة الحواجز التي وضعها المحتجون، وجرى ضرب طوق أمني حول القرية.

وشيع مئات الآلاف في حمص القتلى الذين تعرضوا لإطلاق نار خلال الاحتجاجات، كما شيعت قرية تلبيسة القريبة 8 من ضحاياها، وبينهم العميد عبده خضر التلاوي وولداه وابن شقيقه الذين سقطوا برصاص قناصة.

وقبل ذلك كانت وزارة الداخلية قد أصدرت تعميما في محافظة حمص بمنع دخول الدراجات النارية إلى المدينة؛ وذلك «نظرا لقيام بعض المجموعات المسلحة في المحافظة بتنفيذ مخططاتهم الإجرامية باستخدام الدراجات الآلية». وفي ساعة متأخرة من مساء الاثنين وقبل نحو 3 ساعات من فض الاعتصام في حمص، أصدرت وزارة الداخلية بيانا اعتبرت فيه أن ما شهدته حمص وبانياس هو «تمرد مسلح». وقال البيان: «مجريات الأحداث الأخيرة كشفت عن أن ما شهدته أكثر من محافظة سورية من قتل لعناصر الجيش والشرطة والمدنيين والتمثيل بأجسادهم والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة وإطلاق النار لترويع الأهالي وقطع الطرقات العامة والدولية، إنما هو تمرد مسلح تقوم به مجموعات مسلحة لتنظيمات سلفية، لا سيما في مدينتي حمص وبانياس؛ حيث دعا بعضهم علنا إلى التمرد المسلح تحت شعار الجهاد، مطالبين بإقامة إمارات سلفية».

واعتبرت الوزارة أن ما قامت به هذه «المجموعات المسلحة جريمة بشعة يعاقب عليها القانون بأشد العقوبات». وقالت: إن الهدف من ذلك «نشر إرهابها في ربوع سورية، والتخريب والقتل وبث الفوضى بين الأهالي وترويعهم، مستغلين مسيرة الحرية والإصلاح التي انطلقت عجلتها في برنامج شامل ضمن جداول زمنية محددة أعلن عنها السيد الرئيس بشار الأسد في كلمته التوجيهية للحكومة الجديدة». وأكدت وزارة الداخلية أنها «لن تتساهل مع النشاطات الإرهابية لهذه المجموعات المسلحة التي تعبث بأمن الوطن وتنشر الإرهاب والرعب بين المواطنين؛ لذلك ستعمل، بكل حزم، لفرض استتباب الأمن والاستقرار على جميع أرجاء الوطن وملاحقة الإرهابيين أينما وجدوا لتقديمهم للعدالة وإنهاء أي شكل من أشكال التمرد المسلح».

وأهابت الوزارة، في ختام بيانها، بالمواطنين السوريين «ضرورة الإبلاغ عن أوكار الإرهابيين والمشبوهين وعدم السماح لهم بالاندساس بين صفوفهم واستغلال مناخ الحرية لسفك الدماء وتخريب الممتلكات العامة والخاصة».

وفي تلك الأثناء أكدت وكالة الأنباء الرسمية (سانا) مقتل عنصرين من الجيش أحدهما ضابط برتبة عقيد برصاص مجموعات مسلحة في حمص. ونقلت الوكالة عن مصدر مسؤول قوله: «إن مجموعات الغدر والإجرام المسلحة في حمص أقدمت اليوم على ارتكاب جريمة جديدة بإطلاق النار على العقيد الركن محمد عبده خضر وإصابته في الرأس والصدر وهو متوجه إلى عمله، مما أدى إلى استشهاده». وأضاف المصدر أن «عصابة الغدر والإجرام لم تكتف بالقتل، بل عمدت إلى تشويه الوجه، وأن المساعد الأول غسان محرز تعرض إلى طلق ناري وهو يقوم بواجبه، مما أدى إلى استشهاده أيضا». وتابع أن «الدم السخي الذي تمت إراقته على قارعة الطريق كان مأمولا منه أن يراق لأجل الدفاع عن حرية الوطن، إلا أن مجموعات الغدر والإجرام المسلحة المرتهنة لأسيادها في الخارج أبت إلا تنفيذ المخطط الإجرامي».

وحول ما جرى في حمص، اتهمت السلطات السورية مجموعات أطلقت عليها اسم «مجموعات الغدر والإجرام المسلحة» بمواصلة «الاعتداء على أمن الوطن والمواطن»، وقالت إنها استهدفت فجر أمس «قسمي الشرطة في منطقتي الحميدية والبياضة بحمص، مما أدى إلى إصابة 6 من عناصر الشرطة بجروح ومقتل 2 من عناصر المجموعة المسلحة وإصابة 5 آخرين». ونقلت «سانا» عن قائد شرطة حمص، العميد حميد أسعد مرعي، قوله: «إن عناصر المجموعات الإجرامية المسلحة حاولوا إحراق قسم شرطة البياضة بعد محاصرته وقاموا بإطلاق النار على عناصره وأصابوا عددا منهم»، كما نقلت تصريحا لمدير المشفى الوطني في حمص، الدكتور غسان طنوس، قال فيه: «أسعف إلى المشفى فجر اليوم 6 من عناصر قوى الأمن الداخلي تعرضوا لإصابات متنوعة بإطلاق النار والاعتداء الجسدي بأدوات حادة وعصي أثناء مناوبتهم في قسمي البياضة والحميدية». وأضاف مدير المستشفى: «إن الجرحى أكدوا أن نحو 50 مسلحا هاجموا، نحو الساعة الثالثة فجرا، قسم شرطة البياضة وأطلقوا النار على عناصر الحراسة واعتدوا بالضرب بالعصي والأدوات الحادة على أحدهم، موضحين أن المشهد ذاته تكرر في قسم الحميدية».

إلى ذلك، استعرض الأمين القطري المساعد لحزب البعث العربي الاشتراكي، محمد سعيد بخيتان، في اجتماع للقيادة القطرية لحزب البعث الحاكم مع أمناء وقيادات فروع الحزب في المحافظات والجامعات المنتخبة حديثا، مجريات الأحداث التي تشهدها بعض المحافظات. وقال: «إن أعمال التخريب والقتل العشوائي التي تمارسها المجموعات الإجرامية المسلحة المتمردة على النظام والقانون» تهدف إلى «ترويع الناس والاعتداء على الأملاك العامة والخاصة». وأشار إلى أن التحقيقات الجارية مع «خلاياها الإرهابية» بينت أنها «تنظيمات مسلحة إرهابية تكفيرية تنفذ أجندة خارجية لا علاقة لها بالإصلاح ولا بتطوير المجتمع». وأكد بخيتان: «العزم على التعامل بكل حزم وقوة مع هذه المجموعات الإجرامية لفرض الأمن وحماية المواطن».

وتحدث عن أهمية «دور الحزب وفاعليته وقدرته التنظيمية والسياسية وإسهامه في فرض الأمن وحماية المواطن والممتلكات العامة والخاصة». وقال: «لن يتم التساهل مع الإرهابيين بعد اليوم بعد أن أثبتت الأحداث أن التسامح أو المسامحة وسعة الصدر لا تجدي نفعا مع أعداء الوطن والمتربصين بالأمن والاستقرار اللذين تنعم بهما سورية».

يُشار إلى أن محمد سعيد بخيتان يقوم بدور أساسي في إدارة الأزمة، برز من خلال مساعيه لترتيب لقاءات بين الرئيس الأسد ووفود من الأهالي في بعض المدن التي شهدت أعمال قمع عنيفة للمتظاهرين، كما أن الحزب، منذ بداية الأحداث، يعيش حالة من الاستنفار؛ حيث ينخرط أعضاؤه فيما سمي «لجانا شعبية» تقوم بضبط الأحياء وحراسة الأماكن الحكومية، وتوجد إلى جانب عناصر الأمن وقوات الشرطة أثناء قمع الاحتجاجات.

ورأى المحتجون والناشطون، على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، في هذا الخطاب التصعيدي للسلطة السورية، تبريرا لاستخدام العنف المفرط للقضاء على الحراك الاحتجاجي الذي تشهده مدن سورية عدة منذ 18 مارس (آذار) الماضي.