راؤول يجنح بكوبا نحو التغيير المتدرج تجنبا للصدمة

تساؤلات حول تطبيق فترة الولايتين للمسؤولين.. وانطلاق بورصة أسماء مسؤولي المستقبل من الشباب

راؤول كاسترو
TT

على مدى أشهر، تم إبلاغ الكوبيين بتقييم قاس حول مستقبلهم على نحو غير معهود. ولم يكن ذلك من شخص آخر سوى رئيسهم راؤول كاسترو. وقال كاسترو إن الكوبيين لا يعملون بما فيه الكفاية ويعتمدون على الإعانة التي تقدمها الحكومة للعاطلين، ويعتمد الاقتصاد على قاعدة رياضية غير قابلة للتطبيق، تقول إن اثنين زائد اثنين «يساوي ستة أو ثمانية»، على حد تعبيره في خطاب ألقاه السبت الماضي. وأضاف أن القيادة فشلت في إعداد جيل من الشباب يتولي الأمر، تاركة القيادة العليا للحزب يهيمن عليها حاملو لواء الثورة الذين تصل أعمار بعضهم إلى 87 عاما.

ووعد كاسترو بأنه سيكون هناك دفع لعجلة التغييرات، مع توسيع نطاق الشركات الصغيرة، والسماح للكوبيين، للمرة الأولى منذ ثورة 1959، بشراء وبيع المنازل الخاصة، وهو الأمر الذي لا يتم الآن إلا من خلال سوق سرية صاخبة. ولكن إذا كانت رياح التغيير، ويبقى أن نرى في نهاية المطاف هل ستكون رياحا كالنسيم أو العاصفة، نابعة من قاعة المؤتمرات التي عقد فيها الحزب الشيوعي مؤتمره السادس على مدى الأيام الثلاثة الماضية، فيبدو أنه سيكون هناك تناقض أو حتى شكوك بين الكوبيين من أن النتيجة النهائية ستجعل من جزيرة كوبا دولة عصرية.

وقال يوهان رودريغيز، 22 عاما، الذي يبيع الحلي في الشارع لتحسين دخله الهزيل: «لدينا وسيلة لعمل التغييرات، ولكن المشكلة الأساسية تكمن في أننا لا نملك المال، وآمل أن يؤدي ما يقومون بمناقشته إلى تغيير ذلك».

وتجنب كاسترو بثبات استخدام أي شيء مثل كلمة «الرأسمالية» في مناقشة البرنامج الاقتصادي الجديد، حتى لا تأخذ الولايات المتحدة انطباعا بأن ابن العم المفقود منذ زمن طويل كان قادما إلى الحظيرة. وفي الواقع، كان كاسترو يميل إلى تجنب وصف التغييرات كتغييرات، مفضلا أن يشير إليها بـ«تحديث» النموذج الاشتراكي.

ومع ذلك، أثبت أنه بارع في تشخيص الحالة غير المستقرة للاقتصاد. محذرا من أن كوبا لم تعد قادرة على تحمل العاملين بالدولة الذين لا يعملون بشكل جاد، حتى إنه اقترح في نهاية المطاف التخلص من البطاقات التموينية التي توفر الغذاء والضروريات الأخرى بأسعار مدعومة بشدة.

وقال شاب كوبي آخر، وهو مهندس يبلغ من العمر 36 عاما ورفض نشر اسمه، «كيف يمكننا توفير الطعام؟». وأضاف: «يجب عليهم خفض أسعار المواد الغذائية كثيرا حتى لا يتضور الناس جوعا. يبدو كل هذا كثيرا بهذه السرعة».

ومع ذلك، لم يكن كاسترو هذا الرجل الإصلاحي الراديكالي كما هو مفترض أن يكون من خلال خطاباته، حيث تراجع مؤخرا عن خطط معلنة لتسريح 500 ألف عامل بالدولة، مؤجلا مثل هذا الإجراء إلى أجل غير مسمى. وفي العام الماضي، وصف «قوة العمل المتضخمة» للدولة بأنها نفقات لا يمكن تحملها، وبأنها «بمثابة من يلتهم مستقبلنا ويعرض بقاء الثورة للخطر».

ولكن بدلا من الإصلاح الاقتصادي السريع الذي تم وضعه مسبقا من قبل القيادة الشيوعية، قال كاسترو إن الكثير من التغييرات المتوقعة ستأتي على مدى السنوات الخمس المقبلة. وعلى الرغم من أنه اقترح أن كبار القادة مثله لن يخدموا أكثر من فترتين متتاليتين، مدة كل منهما خمس سنوات، اشتكى أيضا من أن جيل الشباب تم إعداده بطريقة سيئة لا تؤهله لتولي المناصب العليا.

وتعجب محللون كيف يتم تفسير ذلك، في حين أنه صعد لصدارة الحزب (عين راؤول كاسترو أمس أمينا أول للحزب الشيوعي الكوبي خلفا لأخيه فيدل)، ويختار نائبا في الحزب، ليكون الشخص الذي يمكن أن يخلفه كرئيس للبلاد؟

ويقول رافائيل هيرنانديز، أستاذ العلوم السياسية الذي يرأس تحرير مجلة «تيماس»: إن هناك جحافل من أعضاء الحزب من الشباب في الصفوف الدنيا. وأضاف: «إنه تغيير سياسي صعب بين الجيل الذي يعمل منذ نصف القرن وجيل الشباب. إنها عملية صعبة، لذا عمدوا إلى أن تتم بطريقة تدريجية بحيث لا تحدث صدمة».

قراءة أوراق التبغ، كما يسميها البعض (هنا) «كريملينولوجي»، قد تبدو مغامرة نظر لذبول وتبدد النجوم الصاعدة. إنها في الغالب مسألة مطابقة الأعمار الشابة نسبيا مع مرتبتهم في الحزب والظهور بشكل متكرر على شاشات التلفزيون، لا سيما بالقرب من كاسترو.

ينصب الكثير من الاهتمام على موريللو مارينو، 50 عاما، الذي دافع عن مبادرات الرئيس كاسترو عندما كان وزيرا للاقتصاد، ويشغل الآن وظيفة جديدة كنوع من التغييرات الإشرافية التي تهدف إلى دفع مزيد من الناس إلى الأعمال الخاصة. أما الأسماء الأخرى التي ذكرت من قبل الدبلوماسيين وغيرهم من المراقبين فتشمل لازارو إكسبوسيتو، الذي يعتقد أنه في الأربعينات من عمره ورئيس الحزب الشيوعي في ثاني كبرى مدن كوبا، سانتياغو دي كوبا، بالإضافة إلى لازارا لوبيز، 47 عاما، زعيمة الحزب في هافانا.

مرة أخرى استطاع كاسترو الاعتماد على شخص من الحرس القديم مثل خوسيه رامون ماتشيدو، 80 عاما، الذي حارب إلى جانبه ولا يزال عاملا مؤثرا في طبقة القيادة الثانية.

ويقول ماوريسيو إيه فونت، الأستاذ في معهد كوني: «فكرة الفترتين، فكرة جيدة على أي حال، حتى وإن جاءت متأخرة. ربما جاءت بهدف الحفاظ على القادة الأقل حظا في خلافة راؤول، لكن النظام الثوري في حاجة إلى قادة جدد بسرعة كبيرة. فقد فشلت المحاولات السابقة في تهيئة جيل جديد من القادة في جانب كبير منها، لأن هؤلاء القادة الشباب والقادة الآخرين يحملون أفكارا وتصورات تختلف عن القادة الأكبر، التي رفضوها أيضا».

ويرى جورجيه دومينغيز، الأستاذ بجامعة هارفارد، أن معظم التوقعات التي تمت مناقشتها تعاني من غياب أسطورة آل كاسترو. وقال: «نحن في حاجة إلى سياسي، شخص يكون قادرا على التفسير والتبرير وتحفيزهم ومنحهم الأمل في مستقبل أفضل».

ربما يصبح ذلك عاملا مهما، لأن الناس تبحث عن بعض التغييرات الجيدة مثل الضرائب المرتفعة التي ينبغي على أصحاب الأعمال الخاصة والشركات الانصياع لها. ويضيف دومينغيز: «القضية هي أن هذه هي إحدى سبل منع التركيز على الثروات الجديدة. فهم بطبيعة الحال في حاجة ماسة إلى توفير الوظائف، لا تثبيط أصحاب الأعمال».

الكوبيون من أمثال سيفيان فارغاس، الذي يملك عربة لبيع ساندويتشات الهامبورغر في حي ميرامار، يقدرون فرصة حصوله على العمل الخاص به. وأشار إلى أنه شاهد الكثير من الوعود بالإصلاح تموت، وتساءل عما إذا كان أي منها سيؤدي إلى مزيد من الإصلاح. وقال: «أعتقد أننا جميعا لدينا أمل، جيد أن نتحلى بالأمل. لقد تحدثوا إلينا مرات كثيرة لكنهم لم يلتزموا بما تحدثوا به، لكن راؤول كان أكثر مباشرة. لذا ربما يكون الأمر كذلك».

* خدمة «نيويورك تايمز»