احتفلت جنوب أفريقيا بعضويتها في نادي القوى الناشئة، صاحبة أسرع نمو اقتصادي، والمعروفة اختصارا باسم «بريكس»، وتمثل دخولها النادي بإضافة حرف إس إلى جانب الأحرف الأولى للدول ذات الكثافة السكانية الأعلى مثل البرازيل وروسيا والهند والصين. وقد حضر الرئيس جاكوب زوما مؤخرا أول اجتماع لبلاده في قمة «بريكس»، في الصين وتباهى في كلمته بالأهمية المتزايدة لجنوب أفريقيا في المجتمع الدولي.
كانت تلك لحظة انتصار دولي بتمثيل زوما لبلاده - وقارته دون شك - في نادي النخبة في الوقت الذي وقفت فيه دول أكثر نموا مثل المكسيك وإندونيسيا وتركيا على الهامش.
لكن زوما عاد إلى بلاده الأسبوع الحالي وواجه تقارير صحافية تتعلق باستغلال النفوذ وفساد بعض المسؤولين العامين مما قوض الثقة التي تتمتع بها الحكومة بين مواطنيها والأحزاب السياسية، التي تعتبر عماد الديمقراطية الوليدة. ومع استعداد البلاد لإجراء الانتخابات المحلية في 18 مايو (أيار) المقبل، اختار زوما عضو مجلس الوزراء سيسيلو شيسكا، والذي نشرت بعض التقارير المتحدثة عن الفساد، إلى أنه ينفق ببذخ على نفقة جنوب أفريقيا. وقد أعلن زوما أنه لا يزال ينتظر تفسير شيسكا للأمر والذي لم يصله بعد.
ويقول بين روبرتس، الباحث في مجلس أبحاث العلوم الإنسانية، والذي أجرى مسحا حول توثيق الجنوب أفريقيين لخيبة الأمل التي تنتابهم إزاء حكومتهم المحلية: «هذا التباهي بعدم المساواة والإسراف الواضح هو ما يثير غضب الجنوب أفريقيين».
من جانبهم، طالب القادة البرلمانيون لحزب زوما، المؤتمر الوطني الأفريقي، بتعيين محققين مستقلين في مكتب المدعي العام للبحث فيما إذا كان شيسكا قد أنفق 50.000 دولار من أموال دافعي الضرائب على السفر إلى سويسرا والإقامة في فنادق خمسة في الوقت الذي زار فيه صديقته، مضيفة الطيران التي سجنت بتهم تتعلق بالاتجار في المخدرات، بحسب صحيفة «صنداي تايمز» الجنوب أفريقية. ثم في اليوم التالي، نشرت الصحيفة تقريرا آخر كشفت فيه عن أن الشاحنات التابعة للمجلس المحلي كانت تنقل المياه إلى موقع بناء منزل شيسكا الجديد في أفقر أحياء شرق مدينة كيب تاون. وكان منزله الأول بين منازل المنطقة الذي تصل إليه الكهرباء. وجاء أحد عناوين الصحيفة ليقول: «يا للعار، الوزير يبني قصرا إمبراطوريا في أفقر قرى جنوب أفريقيا».
ويعتبر الفساد والتباين الكبيران في الثروات من الأمور النادرة داخل الأول الأخرى الأعضاء في «بريكس»، لكن الافتقار إلى الخدمات الأساسية يمس وترا حساسا في جنوب أفريقيا. فقد احتج المواطنون في منطقة شيسكا على رداءة جودة المياه وخدمات الصرف الصحي. وكانت تلك تحديدا القضايا التي أدت بالمواطنين الفقراء في فيكسبيرغ، المدينة في مقاطعة فري ستيت، إلى النزول إلى الشوارع الأسبوع الماضي والتي انتهت بمأساة.
ونقل التلفزيون الرسمي للدولة، «إس إيه بي سي»، مقاطع من اعتداءات الشرطة على المواطنين العزل كانوا خرجوا بلا قمصان في فيكسبيرغ، وكان من بينهم أندريس تاتاني (33 عاما) الذي ضربته الشرطة بالهراوات. وكان رأسه يتدلى على صدره المموج بالدماء، وقد التقطت الصورة له وهو راقد بين ذراعي صديق له استشاط غضبا. وقد توفي تاتاني بعد دقائق.
ويقول موسى دالاميني، المتحدث باسم دائرة الشكاوى المستقلة، التي تحقق في وحشية الشرطة: «إن التشريح الجنائي أظهر أنه قتل متأثرا بجروحه جراء طلق ناري». وقد وجهت اتهامات إلى شرطيين بالقتل والاعتداء على أربعة متظاهرين آخرين، بعد أن قام المتظاهرون الغاضبون من أهالي مدينة تاتاني بإضرام النيران في مبنيين حكوميين.
من ناحيته وصف المتحدث باسم حزب المؤتمر الوطني جاكسون ماثيمبو، الاعتداء على تاتاني بأنه تذكير بسياسية الذراع القوية لحكومة جنوب أفريقيا أثناء حقبة الفصل العنصري. وجاء البيان مميزا نظرا لأن حزب المؤتمر الوطني هو الذي قاد الصراع ضد الفصل العنصري وحكم البلاد ويشرف على قوات الشرطة منذ عام 1994.
المظاهرات الساخطة بشأن رداءة الخدمات المقدمة من قبل الحكومة، الظاهرة التي بدأت تجتاح البلاد، تقدم إشارات تعبر عن السخط بين الكثير من سكان جنوب أفريقيا حول المدى الزمني الذي سيستغرقه الأمر لترجمة مكاسب الحرية إلى تقدم مادي. وعلى الرغم من احتلال جنوب أفريقيا مركزا متوسطا ضمن الدول الأكثر نموا، فإن الغالبية العظمى من شباب جنوب أفريقيا عاطلون عن العمل، في الوقت الذي لا يزال الفقر متفشيا في البلاد. وكشف استطلاع أجرى على مستوى البلاد وشارك فيه 3200 جنوب أفريقي في سن السادسة عشرة، ورعته مفوضية الانتخابات المستقلة، أن المواطنين الأفريقيين غير راضين عن أداء الحكومة المحلية فيما يتعلق بتوفير الوظائف ومحاربة الجريمة وتوفير الإسكان. ويوثق التقرير الذي صدر الأسبوع الماضي تدهور الثقة في الحكومة على كل المستويات، حيث تدنت شعبية الحكومة إلى أدنى مستوى لها، 38 في المائة، من 55 في المائة عام 2004. ونال السياسيون درجات أسوأ، فلم يثق سوى 27 في المائة من الجنوب أفريقيين في الحكومة في التقرير الذي أجري في ديسمبر (كانون الأول) 2010.
وقد سعى حزب المعارضة الرئيس، التحالف الديمقراطي، والذي يهيمن عليه البيض، إلى جذب الكثير من المؤيدين السود عبر التأكيد على سجله الناصع في إدارة مدينة كيب تاون. وقد استغلت هيلين زيلي، الصحافية السابقة التي تقود الحزب، مقتل تاتاني كرمز على مدى انفصال حزب المؤتمر الوطني عن الشعب الذي يفترض أن يقدموا الخدمات لهم.
لكن الولاء الذي يتمتع به حزب المؤتمر الوطني لا يزال قويا، وقد توصل البحث إلى أن الأفراد الذين كانوا ساخطين عن الحكومة كانوا أيضا من الأشخاص الذين لا يتوقع أن يشاركوا في الانتخابات القادمة، ومن ثم سيظل السؤال مطروحا ما إذا كان هذا السخط الذي يعم الكثير من مدن جنوب أفريقيا سيؤثر على نتائج التصويت القادمة من عدمه.
* خدمة «نيويورك تايمز»