مصر: أعمال شغب و«بلطجة» تهدد العمل في عدة مستشفيات

الاعتداءات طالت مرضى وأطباء

TT

على الرغم من اعتياده على العمل تحت ضغط التوتر العصبي الشديد، فإن الجراح المصري الشاب كان يبكي وهو يتذكر ما حدث أثناء ليلة أول من أمس في مستشفى شمال القاهرة، وكيف اضطر إلى مخالفة ضميره المهني، رضوخا لأمر البلطجي الذي وضع المطواة على رقبته من أجل أن يعالج أحد أصدقائه قبل مريض آخر يعاني من نزف خطير.

ومنذ الإطاحة بنظام الرئيس المصري السابق، حسني مبارك، يوم الحادي عشر من الشهر قبل الماضي، تشهد القاهرة وعدة محافظات انفلاتا أمنيا واضحا، خصوصا في بعض المرافق والطرق السريعة والدائرية، بالإضافة إلى وقوع اشتباكات دامية في الكثير من المدن بسبب نزاعات بين المواطنين، في ظل وجود محدود لعناصر الأمن والشرطة.

ويقص الدكتور محمد جمال وقائع ما حدث قائلا: «فوجئت أثناء وجودي بوحدة الاستقبال للحالات الطارئة في المستشفى لمعاينة مريض يعاني من إصابة حرجة إثر تعرضه لطعنة في الصدر، بدخول شخصين، أحدهما يعاون الآخر على السير، ورغم انشغالي بمتابعة الحالة الخطرة، واستعدادي لدخول غرفة العمليات الملحقة بالوحدة، فإن الشخص الذي دخل طلب مني إسعاف صديقه على وجه السرعة».

ويضيف جمال أنه قرر معاينة حالة صديقه على عجل لتقييم مدى خطورتها، مستغلا لحظات نقل المريض الأول إلى غرفة العمليات، نظرا لانشغال زملائه بمهامهم. ورأى جمال أن الحالة لا تستدعي التدخل السريع، حيث إن الرجل مصاب بجرح قطعي في فروة الرأس.. فطلب من الممرض أن يضع له ضمادة على رأسه على سبيل الإسعاف الأولي لإيقاف النزيف، لحين فراغ أحد الأطباء من عمله وخياطة (قطب) الجرح.

ولكن صديق المريض لم يرقه ذلك، بحسب تأكيد جمال، وبعد مشادة قصيرة، حاول فيها جمال إيضاح الموقف للرجل من حيث خطورة حالة المريض الأول وبساطة ما يعانيه صديقه، أشهر الرجل مطواة ووضعها على عنق جمال، الذي حاول الاستنجاد بزملائه أو أمن المستشفى، إلا أن بلطجية آخرين، تبين أنهم يصاحبون الجريح، منعوا تدخل أي شخص لحمايته.

وأنهى جمال قصته باكيا: «رضخت للأمر وقمت بخياطة الجرح، واستغرق ذلك نحو ربع الساعة.. كانت يداي تهتزان بشدة رغم أنني أعمل في هذا المجال منذ نحو 10 سنوات.. وبعد أن انتهيت، همست إحدى الممرضات في أذني أن المريض الأول قد مات.. ماذا أفعل الآن؟ هل تحولت بسبب سلبيتي إلى شريك في قتل الرجل؟ لن أسامح نفسي أبدا وأفكر في أن أعتزل المهنة».

قصة الطبيب جمال ليست الوحيدة من نوعها، ولكنها صارت قصة متكررة في وحدات الاستقبال بالمستشفيات المصرية في الآونة الأخيرة، مما يهدد بتوقف تلك الوحدات عن العمل وإسعاف مرضى الطوارئ.

وبعد تكرار حوادث الاعتداءات والبلطجة عليها، توقف العمل (كليا أو جزئيا) في وحدات الاستقبال ببعض المستشفيات المصرية الكبرى، مثل مستشفيات القصر العيني والدمرداش وأم المصريين والمطرية، نظرا لعدم توفير الحماية الكافية لأطقم العمل بها من جهة، وخشية المصابين من التوجه إلى تلك الوحدات حتى لا يصيبهم مكروه من جهة أخرى.

وكان أبرز تلك الحوادث، تعرض مستشفى المطرية التعليمي (شمال القاهرة) منذ يومين لتدمير شبه تام، وذلك إثر استقباله حالة مصابة في مشاجرة. حيث تعدى نحو 400 بلطجي ومسجل خطر على المستشفى، في محاولة للتفتيش عن المصاب لعقابه على إيذاء أحد أنصارهم. وخلال ذلك، قاموا بالتعدي على الأطباء والمرضى وتدمير أجهزة ومعدات المستشفى، كما قاموا بإخراج خصمهم من غرفة العمليات وضربه حتى الموت، بحسب رواية شهود العيان من الأطباء والمرضى، وسط غياب أمني تام.

وتتزامن تلك الأحداث مع اعتصامات فئوية للأطباء، تطالب بتحسين أوضاعهم وإقالة بعض القيادات الإدارية التي يرونها فاسدة، بجانب رفضهم العمل في ظل تلك الظروف. وعبرت حركة «أطباء بلا حقوق» عن ذلك بعدة بيانات طالبت فيها برفض قرارات الجمعية العمومية الأخيرة للنقابة، كما التقى أعضاء من الحركة، يوم السبت الماضي، برئيس الوزراء المصري الدكتور عصام شرف، الذي وعد خلال اللقاء بدارسة الأمور وتأمين المستشفيات بصورة فعالة، حيث قام شرف بالاتصال بوزير الداخلية، اللواء منصور العيسوي، وطالبه بتوفير قوة أمن ثابتة مسلحة بأسلحة نارية للمستشفيات الكبرى، وطلب من وفد الأطباء متابعة تنفيذ تلك الإجراءات على أرض الواقع وموافاته بالتطورات.

وعلى الرغم من أن بداية أحداث الاعتداء على المستشفيات تعود إلى شهري يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط)، إبان أحداث الثورة المصرية، وصدور وعود متكررة من وزير الصحة، الدكتور أشرف حاتم، (الذي يطالب الأطباء بإقالته)، بتوفير الحماية اللازمة للمستشفيات، إلا أن تلك المشكلة ظلت بلا حلول خلال تلك الفترة.

وكانت أول التحركات الإيجابية هو ما قام به، أمس، اللواء فاروق لاشين، مساعد وزير الداخلية مدير أمن الجيزة، من جولة ميدانية على مستشفيات المحافظة الكبرى لمتابعة حالتها الأمنية.. في إطار تعليمات وزير الداخلية الحاسمة لجميع مديريات الأمن باتخاذ الإجراءات اللازمة للقضاء على حالة التعدي على المستشفيات.