الصندوق الأسود الليبي بدأ ينفتح شيئا فشيئا لتظهر منه الأهوال

كاشفا قصصا عن العنف والبطش والاستبداد والسادية

TT

كانت ليبيا على مدى عقود بلدا للأسرار الغامضة، فقد كان المظلوم فيها يؤثر الصمت خوفا من التعذيب أو القتل أو لاعتبارات قبلية. أما الآن، وبعد أن فقد العقيد معمر القذافي سيطرته على شرق ليبيا، فقد بدأ الصندوق الأسود الليبي ينفتح شيئا فشيئا لتظهر منه أهوال، كما تقول وكالة الأنباء الألمانية.

كانت ليبيا بلدا للخوف والصمت، ولا يزال الخوف موجودا لأن قوات العقيد القذافي لا تزال تحاصر عدة مدن، حتى بعد شهرين من الصراع بين القذافي والثوار. ولكن هناك شروخا بدأت تظهر على هذا الحاجز من الصمت في شرق ليبيا حيث تولى الثوار السيطرة على المدن هناك.

وبدأت قصص عن العنف والبطش والاستبداد والسادية في الظهور، قصص شبيهة بتلك التي وقعت إبان حكم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، قصص عن طالب من بنغازي قُتل لأنه أدلى أثناء إحدى المحاضرات بتعليق منتقد لشعار القذافي الذي يؤكد فيه على أن السلطة والثروة والسلاح بيد الشعب.

ومن هذه القصص قصة نادي كرة القدم الذي أغلق بسبب خلافات مع نجل القذافي المغرم بكرة القدم، الساعدي، وقصة السجناء الذين ظلوا رهن السجن على مدى سنوات وفي ظروف بشعة ومن دون أن ترفع ضدهم دعوى.

لم يجرؤ الشاب محمد عبد الله، 22 عاما، الذي يدرس علم الاجتماع على السؤال عن حال صاحبه الطالب وما حدث معه بعد أن تجرأ قبل خمس سنوات على السؤال بصراحة: «أين هي إذن الثروات والأسلحة؟ أنا لم أحصل على شيء منها».

وبعد أسبوع من هذا السؤال، حملت أسرة الطالب ابنها وشيعته للقبر، ولم يتجرأ أحد على السؤال عن سبب الوفاة ولم يعد أقرانه من الطلاب يذكرون اسمه.

وعن ذلك قال عبد الله، الذي أصيب في أجدابيا بهدوء: «لم يكن أحد يعرف أي الأشخاص يمكن الثقة بهم، فقد اختفى الكثيرون للأبد بسبب التفوه بكلمة واحدة».

ولا يزال عبد الحميد بوليفا، 45 عاما، يشعر وكأن هذه الحرية الجديدة غريبة عليه، فلا يكاد هذا الرجل ذو الشعر الأحمر والنظرة الحزينة يتحدث عن الماضي حتى تدمع عيناه. ومع ذلك فهو سعيد في الوقت ذاته بأنه استطاع أخيرا أن يتحدث بصراحة عن السنوات المخيفة، التي رأى أنها صنعت منه رجلا فقد الإيمان بوجود الخير في الناس حيث قبع في سجن بوسليم السيئ السمعة ما بين 1994 و2003.

لم يصرح له في السنوات الأولى أن يستقبل زائرين، ولم ير ضوء النهار على الإطلاق. وكان مع 9 إلى 15 شخصا آخرين في زنزانة مظلمة بلا نافذة، وكان يحصل كل منهم يوميا على طبق به 100 جرام من الأرز وماء كوجبة غذاء «لدرجة أن الجوع كان يدفعنا لأكل القش مثل الحيوانات، ذلك القش الذي كانوا يفرشون به الزنزانة».

ويحكي بوليفا بصوت خفيض: «كانوا يحضروننا ليلا واحدا واحدا من الزنزانة، كان علي أن أرتمي على الأرض ووجهي لها ثم يضع حارس السجن قدمه فوق رقبتي، في حين كان آخر يضرب ظهري بسلك، لقد كان تعذيبا محضا، بلا استجواب، لم يوجهوا أسئلة إلينا».

ثم حكم قاضي ليبي لبوليفا بالبراءة عام 2003، دون أن يعرف بوليفا (ومهنته فني) سبب سجنه أصلا. أما الآن فهو يكسب رزقه بعمل يده في السوق الرئيسية لبنغازي.

وعن سبب سجنه، قال بوليفا: «أعتقد أنه كان بسبب إطلاقي اللحية وترددي بشكل منتظم على المسجد».

وعلى الرغم من أن المحكمة قضت له ولغيره من سجناء بوسليم بتعويض مالي، فإنهم لم يحصلوا عليه حتى الآن.