تيم هيثرينغتون مصور المعارك.. نجا في ليبيريا وأفغانستان ودارفور وسقط في ليبيا

وفاة مصور وإصابة 3آخرين كانوا يعملون في مكان قريب منه

تيم هيثرينغتون (يمين) والصحافي كريس هندوراس اللذان قتلا أول من أمس في مسراطة (رويترز)
TT

لقي تيم هيثرينغتون، مصور المعارك الذي أخرج وأنتج الفيلم الوثائقي «ريستريبو»، الذي يتناول الحرب الأفغانية، مصرعه في مدينة مصراتة الخاضعة لحصار قوات القذافي في ليبيا، أول من أمس، وأصيب ثلاثة مصورين آخرين كانوا يعملون بالقرب منه؛ أحدهم إصابته خطيرة، وذلك إثر تعرضهم لطلقات نارية أثناء وجودهم عند الخطوط الأمامية في المدينة.

ووافت المنية كريس هوندروس، المصور بوكالة «غيتي إيمدجس»، جراء صدمة دماغية، وتعرض غاي مارتن، الذي كان يتولى مهمة إرسال الصور إلى وكالة «بانوس»، لإصابة حادة في الحوض، وذلك حسبما ذكر زميلهم أندري ليون، الذي كان في مركز تجميع المصابين، حيث حمل الثوار المصورين عقب إصابتهم.

وعانى هوندروس من تلف تام في أنسجة المخ وأجريت محاولتان لإعادته لوعيه قبل نقله إلى مكان آخر للرعاية. وذكر ليون أنه ظل لعدة ساعات في غيبوبة، ثم توفي بعد الساعة العاشرة مساء.

وخضع مارتن، وهو مواطن بريطاني، لجراحة أوعية دموية عشية أمس، وفقا للمصدر نفسه. وفي وقت متأخر من الليل، ذكر ليون أن النزيف توقف عند مارتن، وزادت احتمالات تماثله للشفاء، على الرغم من أن طبيبا ذكر أن حالته لم تستقر بعد. وتعرض المصور الرابع، مايكل كريستوفر براون، لإصابات في كتفه الأيسر إثر تعرضه لشظايا قذائف، إلا أن حالته لم تكن خطيرة. وذكر ليون أنه أجريت له جراحة مرة أخرى في وقت متأخر من الليل.

وكان قد تم عزل مصراتة، ثالث أكبر المدن الليبية، عن بقية أجزاء الدولة من قبل القوات العسكرية الموالية للعقيد معمر القذافي. وكان المشهد المعتاد هو المعارك الشديدة الدائرة بين أحياء سكنية قريبة من بعضها لأسابيع. ولقي مئات الليبيين حتفهم خلال ذلك. وكان المصورون وصلوا إلى المدينة عن طريق البحر قادمين من بنغازي، عاصمة الثوار. وقال ليون إنهم كانوا يعملون معا عند جبهة الثوار بالخطوط الأمامية في شارع طرابلس، إحدى ساحات القتال الرئيسية في المدينة. وتحولت المنطقة إلى ما يشبه الأطلال حيث يراقبها القناصة وتتعرض لكل صور إطلاق النار، بدءا من طلقات مدافع الدبابات إلى القنابل العنقودية.

وذكر ليون أن الثوار كانوا يقاتلون بمختلف الأنحاء، ويحققون تقدما ويمشطون المباني. وأضاف أنه كانت هناك معارك ضارية طوال ليلة الأربعاء، وكان المصورون الأربعة قد وصلوا إلى المنطقة صبيحة يوم الأربعاء. وأعرب ليون عن أنه خشي من أن تشن قوات القذافي هجوما مضادا في الظهيرة، ثم أضاف: «وذلك ما حدث بالفعل».

وأوضح ليون أنه في نحو الساعة الثالثة عصرا، تعرض المصورون الأربعة لضربات بقذائف «آر بي جي». وذكرت نيكول تانغ، صحافية أخرى في مصراتة ساعدت المصورين المصابين، أنها اعتقدت أن الرجال ربما يكونون قد تعرضوا للإصابة جراء قذائف هاون. فقوات القذافي تستخدم هذه الأسلحة في قتال الثوار في شارع طرابلس.

وقام الثوار بنقلهم إلى مركز تجميع المصابين. وكان الأربعة جميعا أحياء، إلا أنه كان من الواضح منذ البداية، كما ذكر ليون، أن إصابتي هيثرينغتون وهوندروس خطيرتان. وأوضح ليون أن هيثرينغتون فقد كمية كبيرة من الدماء، وأن الأطباء كانوا عاجزين عن الوصول بحالته إلى وضع الاستقرار.

وقال: «حاولوا عمل تدليك لقلبه لوقت طويل جدا، ربما لمدة 15 دقيقة أو أكثر. وبعدها، أعلنوا وفاته. وكان هوندروس غائبا عن الوعي، وتوفي في وقت متأخر من الليل».

وبدت تغطية أحداث الحرب في شرق ليبيا وفي مصراتة في الغرب منطوية على قدر كبير من المخاطر على وجه الخصوص بالنسبة للصحافيين، الذين تعرضوا للضربات الجوية ونيران المدفعية والصواريخ والبنادق والمدافع الرشاشة، فضلا عن أنهم واجهوا خطر القبض عليهم وضربهم واعتقالهم على يد القوات الموالية للقذافي. وضاعف من حجم المخاطر أثناء القتال صعوبات نقل المعدات الوقائية إلى ليبيا عبر مصر، حيث حاول مسؤولو الجمارك عرقلة نقل الخوذات والسترات الواقية من الرصاص. ونجح بعض الصحافيين في نقل تلك التجهيزات إلى الخطوط الأمامية، غير أن السواد الأعظم منهم فشل في ذلك. وأوضح ليون أنه لم تكن لدى هيثرينغتون أو براون أدوات وقائية في مصراتة، ولم يكن من الواضح بشكل مباشر كيف يمكن إجلاء مارتن وبراون.

كانت «أيونيان سبيريت» العبارة التي استأجرتها المنظمة الدولية للهجرة، على رصيف الميناء في مصراتة لإجلاء العمال المهاجرين، بعد أن أنهت لتوها ثالث رحلة إغاثة مقبلة من بنغازي، وقامت بتحميل الذين تم إجلاؤهم.

وقامت منظمة «هيومان رايتس ووتش»، التي يوجد مقرها في نيويورك، والتي يعرف أعضاؤها المصورين، بالاتصال بالعبارة، ووجدت أنها مستعدة لإجلاء المصورين المصابين مجددا إلى بنغازي. إلا أنه بدا أن الرجلين في حالة غير ملائمة للسفر، خاصة على متن رحلة يمكن أن تستغرق 20 ساعة أو أكثر.

وأجرت المنظمة ترتيبات في وقت متأخر من الليل لنقل جثماني هيثرينغتون وهوندروس على متن العبارة المتجهة إلى بنغازي. بينما كان مسؤولون قنصليون من إنجلترا والولايات المتحدة يستعدون لتنظيم عملية إعادتهما إلى أرض الوطن من ليبيا بعد وصولهما إلى بنغازي.

ولقي صحافيان آخران مصرعهما، الشهر الماضي، في الصراع الليبي، وفقا لما ذكرته لجنة حماية الصحافيين: محمد النبوس، مؤسس تلفزيون «ليبيا الحرة» على شبكة الإنترنت، الذي تعرض لطلق ناري أثناء إجرائه تقارير مسموعة عن المعارك في بنغازي، وعلي حسن الجابر، المصور في قناة «الجزيرة»، الذي أصيب بطلق ناري حينما تعرض فريقه لهجوم من كمين بالقرب من بنغازي.

وبالإضافة إلى الصحافيين الأربعة الذين لقوا حتفهم، تم أيضا احتجاز 49 صحافيا، وذلك طبقا لما ذكرته لجنة حماية الصحافيين.

وكان لوفاة هيثرينغتون، 41 عاما، ردود فعل قوية في الكثير من الأوساط، خاصة بين الصحافيين والعاملين في مجال تقديم المساعدات الإنسانية والضباط وضحايا الحرب الذين مدوا له يد العون في مهمته المميزة. كان مواطنا بريطانيا عاش في نيويورك، وقام بتغطية أحداث النزاعات والحروب بحساسية شديدة في ليبيريا وأفغانستان ودارفور، وفي الأسابيع الأخيرة، في ليبيا. وقال كينيث روث، المدير التنفيذي لمنظمة «هيومان رايتس ووتش»: «هذه خسارة فادحة لكثيرين منا بشكل شخصي». وأضاف قائلا: «غير أنها أيضا خسارة لمجتمع حقوق الإنسان برمته. فقد سلط عمله الضوء على الكثير من النزاعات المنسية بأنحاء مختلفة من العالم. وربما يكون الإرث الذي تركه من صور استثنائية مصدر إلهام لأجيال جديدة في المستقبل».

ونشرت أسرة هيثرينغتون بيانا مختصرا جاء فيه: «ذهب تيم إلى ليبيا لمواصلة مشروعه متعدد الوسائط المتقدم باستمرار بهدف تسليط الضوء على قضايا إنسانية إبان فترات الحروب والنزاعات. سنفتقده للأبد». كان هيثرينغتون يقوم بمهام عمل لحساب مجلة «فانيتي فير» حينما لقي مصرعه. وكان قد سافر من نفسه إلى ليبيا لاستكمال مشروع متعدد الوسائط، في الوقت الذي كان يحاول فيه التعاون مع فريق المحررين البحث عن مجموعة أخرى من الصور المتميزة التي يمكن التقاطها وإرسالها للمجلة. وقال جرايدون كارتر، محرر مجلة «فانيتي فير»، إن الوفاة المفاجئة لشخص كان على ما يرام ومحبوب من قبل زملائه، قد تركنا في حالة من الذهول.

وأضاف «إننا نشعر بحزن كبير. ولكنه عاش لهذا الهدف، وهذه الأشياء لم تزعجه. إنها هي ما أعطته الحياة، وهي ما سلبتها منه».

وكانت آخر مرة يتصل فيها هيثرينغتون بمحرريه يوم الثلاثاء الماضي، وقال لهم: «أنا حاليا في مصراتة - وأكتب مادة مثيرة للاهتمام مع سي جي». كان هذا نص رسالة البريد الإلكتروني التي بعث بها هيثرينغتون، في إشارة إلى سيباستيان جونغر، صديقه وزميله المساهم في مجلة «فانيتي فير»، الذي شاركه عمل الفيلم التسجيلي «ريستريبو». وكان الرجلان قد وضعا نفسيهما في طريق المتاعب في الكثير من المناسبات، أثناء تأريخ الحرب في أفغانستان.

وكانت آخر رسالة بعث بها هيثرينغتون عبر موقع «تويتر» الثلاثاء الماضي تظهر نبوءة مخيفة، حيث قال فيها: «أنا في مدينة مصراتة الليبية المحاصرة. قصف عشوائي من قبل قوات القذافي. لا توجد إشارة على وجود حلف شمال الأطلسي». وكان هيثرينغتون قد صحب القوات الأميركية في مواقف كثير، وحظي عمله بالتقاط الصور الفوتوغرافية وتصوير الأفلام، بالثناء، لأنه كان يظهر في كثير من الأحيان الجانب الإنساني للجنود.

وعندما انتهت الصلاة على هوندروس، أعرب أصدقائه عن الألم والحزن الذي يشعرون به واحترامهم له ولعمله الذي امتد لمدة عقدين من الزمن. كان يعد للزواج وكان واحدا من بين أكثر الأسماء المألوفة في القطاع من خلال تغطية النزاعات في أفريقيا والشرق الأوسط في السنوات الأخيرة.

وقالت وكالة «جيتي إيميدج»: «لم يخش كريس أبدا الوجود في الخطوط الأمامية، حيث قام بتغطية الصراعات الكبرى في العالم طوال حياته المهنية المتميزة، وعمله في ليبيا ليس استثناء». نحن نعمل من أجل مساعدة عائلته وخطيبته بعد تلقيهم هذا النبأ السيئ، ويستعدون لإعادة كريس إلى أسرته وأصدقائه في الولايات المتحدة. في الواقع، سنفتقده بشدة». وبعث تايلر هيكس، وهو مصور لصحيفة «نيويورك تايمز» وعمل جنبا إلى جنب مع هوندروس في عدة حروب، بنعي عبر البريد الإلكتروني. وكتب هيكس يقول: «قدم كريس تضحيات في حياته حتى يعرف الناس أهوال الحروب. وبفضل هذا التفاني، حازت صوره التي شكلت نظرة الناس في العالم على الكثير من الجوائز»، وأضاف: «كان صديقا حميما لقرابة 20 عاما. وعندما علمت بمأساة وفاته تذكرت الكثير من الذكريات. وأشعر بالامتنان لكوني واحدا من المحظوظين الذين عرفوه. في الحقيقة، سنفتقده كثيرا».

* أسهم في التقرير من نيويورك جيريمي بيترز

* خدمة «نيويورك تايمز»