اليمن: نشطاء المعارضة غاضبون من مواقف واشنطن

انتقدوا عدم دعوتها صالح للتنحي وبطء التحرك الأميركي

TT

عندما قتل قناصة موالون للحكومة اليمنية 52 متظاهرا الشهر الماضي، اعتقد معارضون للرئيس اليمني علي عبد الله صالح أن الولايات المتحدة ستقوم في النهاية بدعم الدعوات المنادية باستقالته فورا.

ولكن لم تدع إدارة أوباما حتى الآن بصورة علنية صالح، وهو أحد حلفائها المهمين بمنطقة الشرق الأوسط، إلى التنحي عن منصبه. ولم تبلغ بسياستها حد التصرفات القوية التي اتخذتها واشنطن تجاه مصر وليبيا، حيث استخدمت قوتها العسكرية والدبلوماسية من أجل الضغط لظهور قيادة جديدة. ومنذ هذا اليوم العنيف خلال شهر مارس (آذار)، ما زالت الهجمات مستمرة ضد المحتجين.

وفي الوقت الحالي، بات الكثير من النشطاء داخل اليمن مقتنعين بأن الولايات المتحدة سوف يرتفع صوتها فقط عندما ترتفع حصيلة القتلى بدرجة كبيرة. وقال خالد الآنسي، الناشط والمحامي المختص بقضايا حقوق الإنسان: «نشعر بالإحباط، ونشعر بأننا وحدنا».

ويزداد الشعور بالغضب والإحباط من إدارة أوباما بين صفوف النشطاء وقادة المعارضة السياسية مع ازدياد أعمال العنف بهذه الدولة الشرق أوسطية. ومع استمرار تحدي صالح، يعتقد الكثيرون هنا أن الولايات المتحدة يجب أن تمارس المزيد من الضغوط من أجل وضع نهاية سريعة لحكم صالح الذي استمر لـ32 عاما.

ويقول الآنسي: «لقد كانت الإدارة الأميركية بطيئة للغاية في تصرفاتها. وحتى الآن لم نر موقفا علنيا حازما. لا يجب أن ينتظروا حتى يقتل الآلاف منا».

وتظهر الأزمة داخل اليمن، وربما تكون وتيرتها أشد من أي مكان آخر، المأزق الذي تواجهه إدارة أوباما في التعامل مع الثورات بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والتبعات المحتملة. وعلى جانب، يقاتل نشطاء يمنيون من أجل قيم ديمقراطية أشار أوباما بقوة إلى أنه سيدعمها خلال كلمة ألقاها من القاهرة في يونيو (حزيران) 2009. وعلى الجانب الآخر، يعد صالح حليفا مهما للولايات المتحدة داخل دولة تمثل التهديد الأمني والإرهابي الأكثر أهمية أمام الولايات المتحدة، بعد أفغانستان وباكستان.

ويأتي اليمن ضمن المناطق المنتجة للنفط وبه الكثير من طرق الملاحة المهمة، ولكنه في نفس الوقت مقر لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية. وقد حاول فرع تنظيم القاعدة في اليمن تنفيذ هجمات ضد الولايات المتحدة مرتين خلال العامين الماضيين، إحداهما محاولة فاشلة لتفجير طائرة أميركية فوق ديترويت في أيام عيد الميلاد عام 2009، والأخرى محاولة العام الماضي لإرسال طرود مفخخة إلى شيكاغو.

وعلى مدار أسابيع عدة، ضغطت الولايات المتحدة في السر من أجل عملية نقل سلطة سلمية وأدانت أعمال العنف داخل اليمن. ولكن في العلن، استمرت الإدارة في بعث رسائل مختلفة. ولا يزال البنتاغون يعبر عن شكوكه في أن أي حكومة بعد صالح ستكون فعالة في محاربة «القاعدة» والإرهاب. ولم تطلب وزارة الخارجية الأميركية علنا حتى الآن تغيير النظام الحاكم، على الرغم من أن مسؤولين أميركيين أعلنوا في السر أن صالح لم يعد قادرا على حكم اليمن.

ويقول معارضون للصالح إنه يبالغ في تهديد تنظيم القاعدة من أجل إقناع الولايات المتحدة بدعمه. ويشيرون إلى أن عدم وجود موقف أميركي قوي إزاءه سمح له بأن يستخدم علاقته القوية مع الولايات المتحدة كنقطة قوة في محادثات نقل السلطة، حيث يقول إن واشنطن تريد انتقالا تدريجيا للسلطة وإنه يجب أن يشرف على هذا التغيير. ويحذرون من أنه كلما بقي في المنصب، اقترب اليمن أكثر من تحولات عنيفة، بل ربما من حرب أهلية.

وتقول توكل كرمان، وهي مخططة بارزة في الانتفاضة اليمنية: «يتعين على المجتمع الدولي أن يجمد حساباته ويوقف جميع وسائل الدعم التي يتمتع بها. ويتعين التعامل معه على أنه نظام غير شرعي».

ولطالما حذر دبلوماسيون ومسؤولون يمنيون إدارة أوباما من ضعف صالح. ولكن استمرت واشنطن في دعمه، بسبب قلة البدائل التي تمكن من التعامل مع تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية. وفي العام الماضي وحده، قدمت الولايات المتحدة 300 مليون دولار في صورة مساعدات تنموية وعسكرية، وكان يهدف ذلك بالأساس إلى محاربة تنظيم القاعدة والحد من انتشاره.

وأكثر ما تخشاه إدارة أوباما في مواجهة رحيل صالح المفاجئ من سيحل محله، فبعد عقود من تهميش مناوئيه لا توجد سوى معارضة منقسمة وضعيفة ومخاوف متزايدة بشأن قدرتها على محاربة تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية.

وفي الشهر الماضي بدا أن وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس أشار إلى أن الإدارة تحتاج إلى صالح، وقال إن الولايات المتحدة «لديها مقدار كبير من التعاون في مجال مكافحة الإرهاب» مع صالح والخدمات الأمنية اليمنية. وأضاف أنه «إذا انهارت الحكومة أو جاءت بدلا منها حكومة أخرى أضعف كثيرا» ستواجه الولايات المتحدة «تحديات إضافية من اليمن».

وفي الأسبوع الماضي، قال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية مارك تونر لصحافيين إن الولايات المتحدة لا تعتمد على صالح وحده في محاربة تنظيم القاعدة بشبه الجزيرة العربية، قائلا إن «مصالحنا المشتركة في محاربة الإرهاب تتجاوز شخصا واحدا».

وعندما سئل لماذا لا تدعو الولايات المتحدة بشكل صريح إلى تنحي صالح بعد أن قامت قواته الأمنية بقتل شعبه، رد تونر: «هذا شيء يجب أن يطالب به الشعب اليمني ويجب أن يستجيب إلى تطلعاتهم. وليس علينا أن نفرض حلا».

وظهر مأزق إدارة أوباما بالدعوة إلى تغيير النظام الحاكم داخل بعض الدول، دون أخرى، في كلمة ألقتها وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون مؤخرا في واشنطن، حيث هنأت شعبي تونس ومصر، وكررت الإصرار الأميركي على تنحي معمر القذافي داخل ليبيا.

وقالت كلينتون إنه فيما يتعلق باليمن تدعم الولايات المتحدة بقوة «طلب الحصول على فرصة أكبر» و«السعي من أجل إصلاح سياسي واقتصادي». وقالت كلينتون إنه يتعين على صالح حل المأزق السياسي مع المعارضة حتى يحدث تغيير سياسي ذو معنى في الأجل القريب وبصورة منظمة وسلمية.

وخلال مقابلات، قال نشطاء كثر إنهم يريدون انتخابات حرة ونزيهة، وفصلا للسلطات، وحرية التعبير، وقيما ديمقراطية أخرى، ولذا فإنهم يتوقعون من الولايات المتحدة أن تتخذ موقفا علينا أقوى ضد صالح. وحذرت كرمان من أنه إذا لم يحدث ذلك، سيرفع المحتجون من وتيرة ثورتهم، وهم يعلمون جيدا أن ذلك قد يثير غضب صالح وقواته الأمنية. وقالت: «سندفع من دمائنا إذا كان ذلك سيساعدنا على الوصول إلى أهدافنا، وقد نفد صبرنا». - ساهم في التقرير كارين دي يونغ من واشنطن

* خدمة «نيويورك تايمز»